رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تقاوم تهديد الاحتلال بالطهو
«استضافات فلسطين» مبادرة خاصة لحماية تراث المطبخ

كتبت ــ يسرا الشرقاوى
ميرنا تحاضر فى واحدة من مأدب «استضافات» على أصول المطبخ الفلسطينى

للمقاومة أشكال وألوان، وبعض تلك الأشكال أقل صخبا من غيرها. لكن ذلك الهدوء لا يعنى أبدا ضعف التأثير، بل قد يكون التأثير عظيما.. والإنجاز المعد على مهل لا يستهان به.

وفق ذلك المنطق، بدأت الفلسطينية ميرنا بامية عام 2017 مبادرتها الخاصة «استضافات فلسطين»، لاقتفاء أثر المطبخ الفلسطينى، وتوثيق وصفاته القديمة، لحمايتها من تهديد الاحتلال، وتأثيرات الثقافة الحديثة.

ميرنا شابة فلسطينية نجحت فى مزج دراستها الأساسية لعلوم الاجتماع والنفس مع دراستها العليا للفن المعاصر، إلى جانب شغفها بالطهو، الذى ترجمته فى نيل «دبلوم دراسى» خاص. وكانت نتيجة ذلك المزيج الاستثنائى، إطلاق مبادرتها من أجل صد عدوان جديد للاحتلال الإسرائيلى، الذى لم تكفه الهيمنة على الأرض، فبات يسعى وراء مفردات الحضارة الفلسطينية العريقة. فالشابة، المولودة بالقدس والتى تنتمى أصول أسرتها إلى يافا، تقاوم استيلاء الاحتلال على المطبخ الفلسطينى، ونسب وصفاته العريقة إليه.

تدرك ميرنا أن ذلك أحد تهديدين للمطبخ الفلسطينى، والذى تتربص به أيضا تأثيرات الثقافة الحديثة ومد «الأكلات السريعة»، التى تكاد تطمس معرفة الأجيال الفلسطينية الشابة بقديم وجميل وصفات الأجداد.

تحكى ميرنا لـ»الأهرام» بحماس واضح عن مشروع «استضافات فلسطين»، فتقول: «البداية الحقيقية كانت قبل 2017، فقد كنت أعمل بجد على تطوير أدوات جذب الجمهور للاندماج مع الأعمال الفنية البصرية، وبدأت فى التركيز على ما يعرف بـ (فن الأداء الحي)، وفيه يقوم المؤدى بإجراء أبحاث مكثفة عن موضوع بعينه، ويقدم من خلال الوسيط الفنى تلك المعلومات للجمهور».

أما نقطة التحول التى دفعت ميرنا بكل معارفها وخبراتها المتراكمة إلى دنيا الطهو ومهمة الدفاع عن «المطبخ» الفلسطينى، فتحكى عنها ميرنا قائلة: «شهد العالم الكثير من التحولات والثورات فى الفترة الأخيرة، ولم تكن كل النتائج مرضية ما جعلنى أراجع تيارا كاملا من الكتابات والمدارس التى تتناول توظيف الفن فى التعامل مع المجتمعات، التى يمكن القول إنها على شفا انهيار أو تعانى أزمات وجودية».

وبالنسبة لميرنا، فالطهو ليس مجرد أطباق محببة ومذاقات مشبعة، وإنما ترتبط فنون الطهو بالمكان والتاريخ والتراث وبثقافة الأفراد، فبدأت تدرس دبلوما خاصا فى الطهو، بينما بدأت بالتوازى فى مبادرتها الشخصية للبحث عن أصول «الأكل الفلسطينى»، من خلال اقتفاء كل ما توفر من مصادر حول هذا الشأن وسؤال كبار الطهاة، لتكتشف ما أزعجها.

تقول ميرنا، المقيمة أساسا فى رام الله، إن «الإجابات التى تحصلت عليها بشأن هوية المطبخ الفلسطينى وأصوله اتسمت بالكثير من التسطيح، وذلك رغم ثرائه المؤكد. واكتشفت أن هناك الكثير من الأكلات الفلسطينية، التى إما اندثرت بالفعل أو فى سبيلها للاندثار بسبب كثير من الأسباب».

وفى شرح هذه الأسباب، تقول: «هناك طبعا تأثير الحداثة وهو تأثير عام، ولكن هناك من الأسباب ما هو متعلق بالواقع الفلسطينى مثل التهجير، والحواجز التى تمنع التداول والتواصل ما بين أهالى غزة والنقب وغيرهما. لدينا هوية عريقة ولكنها تنزوى فيما يحاول المحتل اقتناصها لبناء تاريخ أكل له هو. فكان يجب أن نستعيد وصفاتنا ونعيد التعريف بها ونمنحها التقدير اللازم، حتى لا يسهل استلابها منا».

وعن أدواتها لتحقيق هذا الهدف العزيز، توضح ميرنا قائلة: «أجوب المدن والقرى الفلسطينية، استمع للنساء وأدون وصفاتهن وأحاول تحديد تاريخها ومراحل تطورها، وأسباب نسيان بعض الوصفات أو اختفاء البعض الآخر. أسعى أيضا وراء معرفة الخصائص التاريخية والجغرافية من تركيبة سكانية وطبيعة محاصيل، والتى تؤثر على تغيير الوصفة ذاتها من موقع إلى آخر، فـ (المقلوبة) مثلا لها أكثر من طريقة طهو».

وينتهى هذا الجهد العظيم إلى عدة أنشطة لـ «استضافات فلسطين»، مثل «مسارات أكل» حيث يتم تنظيم مجموعات تطوف بمناطق معينة للتعرف على أصول أطباقها الأشهر وتاريخ تطورها. وكذلك «خرائط أكل» والتى توثق الأكلات الأشهر بالنسبة للمدن الفلسطينية، وذلك بالإضافة إلى مآدب الأكل الفلسطينى، التى تنظمها داخل فلسطين وخارجها.

طبعا تواجه ميرنا الكثير من التحديات فى سبيل تحقيق هدفها، فتبدأ فى شرح بعضها، قائلة: «أسابق الزمن بالطبع، فأنا أبحث وراء كنز معلوماتى شفهى فى الأساس، مصدره سيدات فلسطينيات أغلبهن من أصحاب السن الكبيرة جدا، ما يجعل عملى اقتفاء أثرهن وتحصيل وتدقيق ما لديهن من معلومات حول المطبخ الفلسطينى ليس بالشيء الهين. وبالطبع واقع ندرة المكتوب والمنشور حول المطبخ الفلسطينى، فهذه المفردة التراثية لم تنل الكثير من الاهتمام قديما، قد يكون هذا الواقع تغير وتحسن فى السنوات الخمس الأخيرة. ولكن هذا لا يمنع شعورى فى بعض الأحيان بأننى أعمل فى مجال لا يتوفر بشأنه الكثير من المراجع المدققة».

وعن ردود الأفعال على جهدها وأنشطة «استضافات فلسطين»، أشارت ميرنا إلى أن أهم ردود الفعل التى تلقتها فى البداية، والتى قاومتها بقوة كان ما صرح به بعض الطهاة، قائلا: «لا نملك مطبخا فى فلسطين، هو أكثره مطبخ متوسطى أو شامى»، وهو ما ألمنى بالتأكيد، ولكنى تفهمت أن هذا الاعتقاد الخاطىء نتيجة العديد من الأسباب، منها الاحتلال وتدخل تأثيرات المطبخين السورى واللبنانى والهجرات المختلفة، التى استقبلتها القدس قديما وكانت لها بصمة على المطبخ الفلسطينى، ولكن هذا لا ينفى أبدا وجود خصوصية مميزة للمطبخ الفلسطينى.

تتوقف ميرنا قبل أن تكمل بحماس، قائلة إن: «الأوضاع بدأت تتغير بشكل واضح فى السنوات الأخيرة، خاصة مع زيادة إدراك الجمهور الفلسطينى والعالمى لهوية وخصوصية المطبخ الفلسطينى».

مثل غيرها من أنشطة البشر حول العالم، نالت جائحة كورونا من «استضافات فلسطين»، حيث حالت دون استمرار الكثير من أنشطتها، ولكن ميرنا وكعادتها واصلت المقاومة باستغلال شبكة الإنترنت، فى تقديم الكثير من الفيديوهات المصورة حول الأطباق الفلسطينية وتاريخها وأسرارها، مؤكدة «سنواصل ونكمل عملية التطوير وخلق وسائل جديدة لتعريف الجمهور بحقيقة وأصول المطبخ الفلسطينى».


من إبداعات الكعك الفلسطينى


ميرنا بامية

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق