لهذا كان اختيار عرض «حلم نحات» من الرقص الحديث رؤية واخراج الدكتور وليد عوني ليختتم فعاليات سمبوزيوم أسوان للنحت في دورته العشرين فكرة ذكية وترشيحا موفقا نجح في ابهار الحاضرين من أهل أسوان ومن الضيوف الأجانب الذين يمثلون فناني النحت في أكثر من دولة أجنبية يتحدثون بلغات مختلفة ويجمعهم التعبير الصامت لفن النحت وفن الرقص الحديث..
ولعل حضور الدكتور عبدالواحد النبوى وزير الثقافة الجديد هذا الاحتفال كأول نشاط يستهل به مسئوليته له أكثر من دلالة بالغة ـ أولها أن العمل فى مجال الثقافة يجب أن يكون تراكميا يعتمد بعضه على بعض ولا يأتى وزير جديد فيتجاهل نشاط بدأه سابقه اسهم فى إنجاحه وأقصدبالطبع الناقد والمثقف الكبير د. جابر عصفور ـ والدلالة الثانية المهمة هى تأكيد الدكتور عبدالواحد أن أصوله فى تلقى العلم وتدريبه عبر منارة مصر جامعة الأزهر الشريف لاتمنعه على الاطلاق من الاحتفاء بفن النحت بوصفه من الفنون الراقية التى تميزت بها مصر فى حضارة امتدت إلى أكثر من سبعة آلاف عام ـ كما لا يمنعه الانتساب الى الأزهر الشريف من مشاهدة عروض الرقص الحديث الراقية وانهاء الحرب الباردة المصطنعة بين الفنون والثقافة الاسلامية.... أما الدلالة الثالثة فهى صعود الوزير الشاب بنشاط إلى أعلى الجبل والسير فى الأرض الوعرة حول المتحف المفتوح الذى يضم محتويات وقطعا فنية صنعت خلال عشرين عاما لفنانين من كل أنحاء العالم ليؤكد أن الشباب فى تلك المرحلة هو الأنسب لتولى السلطات التنفيذية.
أما عرض وليد عونى فهو يحكى بلغة الصمت وبالحركة الإيقاعية وباستخدام أغانى الموروث الشعبى قصة حياة المثال المصرى العالمى محمود مختار منذ أن ولد كما يتصور وليد عونى من قلب تماثيل أجداده الفراعنة ويدق قلبه وهو طفل رضيع على ايقاع دقات النحات المصرى القديم ـ ثم يصف المخرج وليد عونى تأثير محمود مختار بالثقافة الشعبية جنبا الى جنب مع فن النحت القديم ـ فنراه وهو يصنع تماثيله حاملة الجرة ـ وبنت النيل وحاملة الجبن وهو تمثال الفتاة التى تضع على رأسها «مشنة» تحوى بطتين وقطع الجبن ـ ثم تمثال «الذهاب إلى الترعة» والمشهورة بكوبرى بنها ثم تماثيل كاتمة الأسرار والمناجاة، وأخيرا عمله الأشهر تمثال نهضة مصر ـ ويستخدم وليد عونى الفتيات فى تجسيد شكل التماثيل وقد اتشحن بملاءات بيضاء وسوداء وبنية اللون ترمز إلى استخدام الحجر الجيرى والحجر الجرانيتى فى صنع التماثيل، بالاضافة إلى استخدام الطين فى عمل القطع الخزفية ـ وقد عرض هذا العمل من قبل فى أوبرا بكين بدولة الصين الشعبية كما عرض فى روما بإيطاليا فضلا عن دار الأوبرا المصرية لكنه يحمل فى جبال أسوان مذاقا مختلفا كأنه أعد خصيصا لهذا المكان وقد أضاف اليه المخرج وليد عونى نهاية جديدة بعد موت محمود مختار ثم سماع صوت بكاء الطفل مرة أخرى كأنما يبحث عن جديد ـ ولكن هذه المرة تتجه الإضاءة لتنير محتويات آدم حنين وزملائه فى المتحف المفتوح كإشارة واضحة إلى أن فن محمود مختار يبقى فى أيدى ومعاول تلاميذه المبدعين.