رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

د. حامد الموصلى : مخلفات النخيل ثروة قومية لتنمية مصر

حوار: أشرف أمين
«سفير المخلوقات المهملة» كما يحب أن يطلق على نفسه ، إنه د. حامد الموصلى صاحب تجربة رائدة للاستفادة من المنتجات الثانوية للنخيل . قضى خمسة وثلاثين عاما من حياته المهنية لمساعدة أبناء الأرياف والبوادي في تنمية حياتهم ومنتجاتهم وآلاتهم, ومن ثم تنمية مجتمعاتهم اقتصاديا واجتماعيا ، التقيناه ليحدثنا عن اكتشافه ومشروعه القومى لاستغلال النخيل فى تنمية قرى مصر .

> كيف تحب أن تقدم نفسك للقراء ؟

أنا حالياً أستاذ متفرغ بكلية الهندسة، جامعة عين شمس، كما أننى رئيس لمجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية، أى أننى أسير على قدمين : قدم فى الجامعة وقدم فى جمعية أهلية، فأنا من ناحية أتواصل من خلال الكلية مع الشباب ، كما أتواصل من خلال الجمعية مع أبناء المجتمعات المحلية فى مصر. فى رأيى أن هذا الوضع يمكن مع الوقت أن ينشئ صلة وحواراً بين الهندسة وبين المجتمع وأن يبلور دوراً للجامعة فى خدمة المجتمع .

> متى بدأ اهتمامك بجريد النخيل ؟

تعود بداية قضيتى مع جريد النخيل إلي عام 1979 عندما شاركتُ فى أول زيارة قامت بها جامعة مصرية للعريش بعد عودتها لمصر بعد 12 سنة احتلال. آلمنى جداً انبهار شباب العريش بالنموذج الغربى الذى جاء إليهم من خلال الاحتلال الإسرائيلى فى نمط المسكن والأثاث والزى مقابل حالة من النفور إزاء كل تراث لديهم والذى هو خلاصة خبرة الأجيال المتعاقبة فى التفاعل مع مواردهم المحلية وبيئتهم المحيطة من أجل إشباع حاجاتهم الأساسية فى المسكن والملبس والأثاث والغذاء والعلاج. وهو ما دفعنى لدراسة أسلوب الحياة التقليدية فى العريش وفهم أبعاد التميز التى يحوزها من أجل إعادة الثقة لهم بالمعنى الحضارى . هكذا قمت بدراسة نمط المسكن العرايشى مع الاهتمام بملامح توافقه مع البيئة المحيطة واستخدامه الخامات المحلية ومنها استخدام جريد النخيل فى السقف.

> و ماهى نتائج أبحاثكم في تطويع خام النخيل والاستفادة منه في الصناعة والبناء؟

قمنا فى كلية الهندسة بجامعة عين شمس خلال الفترة من 1989 إلى 1995 بإجراء الاختبارات وفقاً للمواصفات القياسية العالمية على عينات جريد النخيل سلالات البلدى والسكوتى والذكور والسيوى والأمهات والعزاوى والحيانى والعامرى والعجلانى وبنت عيشة من محافظات الوادى الجديد ومطروح والشرقية والبحيرة والجيزة والفيوم والمنيا وسوهاج وقنا وشمال سيناء وكفر الشيخ وبنى سويف والقليوبية وأسوان. وأثبتت النتائج بشكل حاسم وقاطع أن المواصفات الميكانيكية لجريد النخيل تلبى متطلبات المواصفات الأمريكية للأخشاب الصلدة والطرية، وهذا إنجاز يسجل لهندسة عين شمس وهو أنه لأول مرة فى التاريخ تم اكتشاف أن جريد النخيل يضاهى الأخشاب فى صفاته الميكانيكية، مما فتح الباب واسعاً لاستخدام جريد النخيل بديلاً للأخشاب المستوردة، حيث قمنا بتصنيع ألواح كونتر بانوه مع استخدام جريد النخيل كطبقة حشو بديلاً للأخشاب المستوردة الموسكى والبياض، ولقد أثبتت نتائج الاختبارات التى أجريت فى معهد ميونيخ لبحوث الأخشاب عام 1996، أن ألواح كونتر الجريد تلبى المواصفات الألمانية وتضاهى فى مواصفاتها الميكانيكية الألواح المصنوعة من الأخشاب.

> لم كل هذا الاهتمام بجريد النخيل ؟

وجدت فى جريد النخيل وسيطاً رائعاً لتجسيد فكرة التنمية الذاتية للقرية المصرية والعربية من الناحية الحضارية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية. فهو مورد موجود فى كل محافظات مصر، بإجمالى 12 مليون نخلة إناث. ويرتفع الاجمالي إلي 100 مليون نخلة فى كل الدول العربية. وللنخيل تاريخ طويل مع المصريين فقد استعان القدماء بجذوعه فى عمل سقوف منازلهم ومقابرهم المبنية بالطوب اللبن. كما صنعوا تيجان أعمدة معابدهم على شكل قمة النخلة بما تحمله من جريد نخيل. كذلك تثبت الأدلة التاريخية أنهم صنعوا الغرابيل مستخدمين فى صنعها خوص النخيل وليفه. كما كانوا يصنعون فخاخ الصيد والاقفاص الشائع استخدامها حتى الآن وكذلك الأسرة والكراسى.

> وما هى أهم التجارب التى قمت بها فى التعامل مع جريد النخيل فى الواقع المصرى؟

أنشأ مركز تنمية الصناعات الصغيرة بكلية الهندسة بجامعة عين شمس فى 1993 وحدة تجريبية فى مدينة الخارجة فى الوادى الجديد لتصنيع ألواح الكونتر من جريد النخيل بماكينات تم تصميمها وتصنيعها محلياً. واستطاعت هذه الوحدة التجريبية تنفيذ طلبية ألواح كونتر عام 1995 مكنِّت من تنفيذ خطة اليونيسيف لتوفير الأثاث لـ 150 مدرسة مجتمع فى محافظات أسيوط وقنا وسوهاج. كذلك تم تنفيذ مشروعى نشر صناعات الخرط العربى (الأرابيسك) من جريد النخيل بديلاً لخشب الزان المستورد فى قرية الجديدة بالواحات الداخلة عام 1995 وفى قرية الإعلام بمحافظة الفيوم عام 2002 بالتعاون مع وكالة التعاون الفنى الالمانى GTZ ومؤسسة كير CARE. وشهد عاما 2012 و 2013 نشر صناعات الخرط العربى من جريد النخيل والحقائب من خوص النخيل فى قرى بئر العبد ومدينة العريش بمحافظة شمال سيناء بالتعاون مع جمعية خبراء العلوم والتكنولوجيا. وأتذكر انه في عام 2012 نجح مشروع لتصنيع السماد العضوى من المنتجات الثانوية لنخيل البلح والدوم والمانجو فى قرية فارس ومركز كوم أمبو ومحافظة أسوان. كذلك أكدت البحوث التى تم إجراؤها فى كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية وفى كلية الزراعة بجامعة عين شمس إمكانية استخدام جريد وخوص النخيل فى تصنيع أعلاف الماشية والدواجن .

> وهل تتوقع أن المستهلك المصرى - بعيدا عن النماذج التي تمت في القري- سوف يتقبل التعامل مع جريد النخيل؟

لقد كان المستهلك المصرى فى الخلفية لدينا عندما كنا نتعامل مع طلبيات كونتر الجريد من مؤسسات مثل اليونيسيف، لكننا وجدنا أنفسنا مع المستهلك المصرى وجهاً لوجه فى أحد معارض الأثاث فى ديسمبر 2013. وكانت بالنسبة لنا مغامرة بأن تجد نفسك فى منافسة فى عقر دار الأخشاب المستوردة مع معارض الأثاث الأمريكى والفرنسى. وفي الحقيقة لم نكن وحدنا فقد كان معنا مصممون تحلوا بشجاعة الرهان على تفرد جريد النخيل وعلى جمالياته بالمقارنة بالأخشاب المستوردة. ونجح الرهان وتقبل المستهلك المصرى منتجاتنا من جريد النخيل منذ هذه اللحظة، ونحن نشارك فى معارض الأثاث والمنتجات الخشبية.

> ما هو المشروع الذى تعمل عليه حاليا في مجال جريد النخيل؟

المشروع الذى ننفذه حالياً هو "مشروع الاستخدام الصناعى للمنتجات الثانوية للنخيل» وفكرته بدأت فى أغسطس 2010 عندما قررت جمعيتنا توجيه اهتمامها لمكافحة الفقر فى الصعيد. واتضح لنا من خلال الاطلاع على تقرير التنمية البشرية أن 762 من الـ 1000 قرية الأكثر فقراً تقع فى محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج. 44% من هذه القرى تقع فى محافظة المنيا وحدها. هكذا قررت الجمعية بدء نشاطها فى مكافحة الفقر فى محافظة المنيا بدراسة الـ 11 قرية الأكثر فقراً. ولقد أسفرت نتائج تحليل هذه الدراسة عن اختيار قرية القايات بمركز العدوة لإقامة المشروع الإرشادى لتصنيع جريد النخيل.

> لنعد ثانية للحديث عن استخدام النخيل فى التنمية، فماذا يمكنه أن يقدم من فائدة؟

هذا المشروع يقدم نموذجاً مصرياً للاشتباك التنموى للفكر والخيال مع الواقع من أجل توفير فرص العمل المستدامة فى الريف. إلي جانب توفير قاعدة مادية محلية ومستدامة للعديد من الصناعات فى الحضر. كما يهدف هذا المشروع إلى الحفاظ على ثروة النخيل وتخفيف العبء على ميزان مدفوعات الدولة نتيجة لاستيراد الأخشاب ومنتجاتها وهو بهذا يقدم نموذجاً لريادة مصر على المستوى العربى فى استخدام النخيل فى التنمية. كما إننا نريد من خلال هذا المشروع أن نقدم نموذجاً لتنمية القرية المصرية من أقصى الشمال فى رشيد لأقصى الجنوب فى أسوان، وكذلك القرية العربية من أقصى الغرب فى المغرب لأقصى الشرق فى العراق.

> وما هى المجالات التنموية التى يفتحها المشروع القومى للنخيل ؟

من الممكن الاستفادة من التقنيات البسيطة والخامات المحلية فى توفير فرص عمل فى الريف وخفض معدلات البطالة المرتفعة، وسوف أكتفى هنا بذكر أمثلة بدائل الأخشاب ومنتجاتها مثل الأثاث العصرى وألواح الباركيه وتجاليد الحوائط ومنتجات الخرط العربى وصولاً لألواح الـ MDF والمؤلفات الليفية البلاستيكية والأعلاف غير التقليدية والسماد العضوى وصولاً لحقائب السيدات من خوص النخيل.

ما هى الخطوات التى تحلم بتحقيقها كأستراتيجية للمشروع القومى للنخيل ؟

أتمناه مشروعا قوميا يشترك فيه كل فئات المجتمع وان يعمم على مستوى كافة محافظات مصر. وتتضمن إستراتيجية تنفيذ المشروع تبنى الدولة لبرنامج تشجير بالنخيل وكذلك الاستفادة من ذكور النخيل كمصدر مستدام للمواد المتجددة ، كما تتضمن هذه الاستراتيجية وضع نظام حوافز لخدمة النخيل وغرامات لعدم التقليم. كذلك لابد من الاهتمام بإنشاء مراكز تدريب بالمحافظات على التقنيات الجديدة للتعامل مع موارد النخيل ومعارض دائمة لمنتجات النخيل. كما تتضمن هذه الإستراتيجية إنشاء الجمعيات النوعية لتنمية ثروة النخيل بالمحافظات واهتمام الدولة بتسجيل الأصول الوراثية لأصناف النخيل فى مصر وتحسين سلالاتها.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق