وطبعا فإن احتلال الأرض يبدأ من احتلال العقول.. واحتلال العقول يبدأ من احتلال اللغة.. وهذا مايتناوله كتاب «الإعلام الأمريكى بعد العراق .. حرب القوة الناعمة» .. فالصورة بألف كلمة، والصور لاتكذب، ولهذا تعتبر الصورة دليلا حاسما فى المحاكم وغيرها. ولكن فى آواخر القرن العشرين وبدايات القرن الحادى والعشرين- ومع تطور تقنيات الصور- اكتشفنا أنه أصبح من اليسير تزييف الصور وتركيبها، بالإضافة إلى الحذف منها، أو خلق واقع لم يكن موجودا فى الأصل.
ويتمثل أشد تأثيرا للتلاعب بالصور فى إظهار القلة من الناس وكأنهم حشد كبير أو العكس، فاختيار زوايا التصوير، أو إعادة تصور لقطات لمجموعة محددة من الناس، ثم طباعة اللقطات معا وبشىء من التمويه فإن الصورة تبدو وكأنها لمئات الأشخاص . ومن أشهر أمثلة التلاعب بالمجاميع الصورة الشهيرة لإسقاط تمثال الرئيس صدام حسين فى ساحة الفردوس فى بغداد فى يوم احتلالها فى 9 ابريل 2003.
لقد أرادت القوات الأمريكية إنتاج صورة «رمز» تظل فى ذاكرة الشعوب، مثل إسقاط جدار برلين وغيرها. والصورة كما ظهرت كانت لجماهير غفيرة من العراقيين يتجمعون حول التمثال يحاولون إسقاطه، وحين لم يتمكنوا تقدمت دبابة أمريكية وأسقطت التمثال، ولم تمض عدة أسابيع حتى عرف العالم أن الصورة كانت مفبركة، وأنها كانت سيناريوهوليودى، وأن جموع الناس وحشد الجماهير لم يكن سوى الصحفيين ومجموعة عراقيين معارضين كانوا قد نقلوا بالمروحيات الأمريكية من الناصرية وصولا من الكويت مع الغزو، وأن كل الموجودين لم يزد عددهم على مائة شخص، وأن الدبابات الأمريكية كانت تحيط بالساحة لحراستهم، واستخدمت زوايا الكاميرات بطريقة تظهر جموعا حاشدة.
وبالطريقة نفسها تداخلت أساليب القوة الخشنة مع أساليب القوة الناعمة، من أجل تحقيق السيطرة على الأرض والعقل معا. ويمكن القول إن عملية غزو العراق واحتلالها فى معظمها أديرت بأساليب هوليودية. وثانية الصور، كانت صورة المجندة الأمريكية جيسيكا، التى قيل إن قوات أمريكية أنقذتها بطريقة أسطورية من مستشفى عراقى، ثم اتضح أن الأطباء العراقيين هم الذين طلبوا من الأمريكيين المجئ لاستلامها، وأيضا صور انتهاك المعتقلين فى أبو غريب، وصورة أبى مصعب الزرقاوى قتيلا، إذ لم يره أحد قبل ذلك حيا.. وبعض المراقبين الأمريكيين والمحللين الأجانب يعتقدون أن الزرقاوى كان مجرد أسطورة من أساطير هوليود .
إذن فالصورة لم تعد انعكاسا حاسما للحقيقة مع تطور التقنيات، بل تداخل الواقع بالافتراضى.. والحقيقة بالخيال.. والصادق بالمزيف.. فكيف يمكن لإنسان القرن الحادى والعشرين ومابعده إذن أن يميز بين هذا وذاك؟
الكتاب- الذى بين أيدينا- يظهر مدى تزييف الإعلام الأمريكى للحقيقة، لتضليل الرأى العام، وإظهار أمريكا بأنها الفارس النبيل الذى يدافع عن حقوق الآخرين، وأنه الحامى لكل الشعوب، وناصر الديمقراطية وحقوق الإنسان فى العالم .
الكتاب : الإعلام الأمريكي بعد العراق .. حرب القوة الناعمة
المؤلفان : نيثان غردلز ومايك ميدافوى
المترجم : بثينة الناصرى
الناشر : المركز القومى للترجمة