وقد بدأ الكاتب بتوضيح أهمية مصر؛ كطريق للتجارة بين الشرق والغرب منذ أواخر العصور القديمة، مرورا بالعصور الوسطى، وحتى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي.. حيث كانت غالبية تجارة الشرق تصل للبحر الأحمر، لتنقل عبر مصر إلى خليج السويس، ثم في طرق مائية أو برية إلى النيل، ومنها إلى البحر المتوسط عبر الموانيء.. وربحت مصر كثيرا من وراء هذه التجارة.
وفي نهاية القرن الـ15اكتشف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح للاستحواذ على تجارة الشرق الغنية واستغلال شعوب الشرق . وفي القرن الـ17حاولت فرنسا إقناع الأتراك بفكرة القناة، فتصدت لها إنجلترا، إلى أن جاء للحكم الخديو سعيد باشا، وبدأ مشروع بناء القناة بشروط مجحفة بحقوق مصر والمصريين. وقد نص في الامتياز، الممنوح للشركة العالمية لقناة السويس، على تسخير عدد كبير من الفلاحين المصريين لخدمة الشركة، ومنحها امتيازات الملكية، وحيازة مساحات شاسعة في منطقة القناة.
وبدورها حاربت إنجلترا مشروع القناة في بدايته، لمنع نفوذ فرنسا على مصر، ولجأت إلى عرقلته دون جدوى - فهاجمت تسخير الفلاحين، ووصفته بأنه نوع من الرق، كما احتجت على شروط الامتياز. لكن بعد حفر القناة كانت انجلترا أكبر المستفيدين منها كأكبر دولة استعمارية بالعالم، ثم اشترت أسهم الخديو فى عام 1875عندما كان على وشك الإفلاس المالي.
وفي عام 1882اجتمع مؤتمر الدول الكبرى للنظر في تفاقم الأمور بمصر، بعد سيطرة عرابي على الجيش وعلى الحكومة المصرية، وأعلنوا سخطهم على الثورة، وقرروا أن مسألة مصر مسألة دولية عالمية، ولن تنفرد دولة واحدة بتقرير مصيرها. وقد راقبت إنجلترا تطور الأمور بمصر، وأرسلت قائدها البحري، الذي كان يرابط بقطع من الأسطول بميناء الإسكندرية، لمراقبة أي تحصينات مصرية، واعتبرت قيام المصريين بتحصين بلادهم عملا عدائيا موجها ضدها.. ثم احتلت الإسكندرية بعد دفاع أهلها عنها واضطر العرابيون للدفاع عن البلاد من كفر الدوار.
واستغلت انجلترا القناة لتسيطر على مصر، بدعوى حمايتها، ولمّا عين عرابي علي باشا فهمي على منطقة القناة أعلن الإنجليز أنهم في حرب مع عرابي، وأنها لا تحترم في مصر غير حقوق الخديو.
واتصلت انجلترا بالدول الكبرى التي يهمها أمر القناة لتشير للخطر الذي يتهددها، وصرحت لقائدها البحري ببورسعيد باحتلال ما يراه ضروريا من أجزاء القناة لاتخاذ القناة قاعدة حربية، وأعلنت الدول أن القناة لا يمكن حمايتها إلا باحتلال بعض النقاط على ضفافها. وتعاونت إنجلترا مع الخديو والسلطان بإنزال قوات على ضفاف القناة، ثم احتلت قوات إنجلترا البحرية السويس والإسماعيلية لإعادة النظام لمصر، وزحف الإنجليز على شرقي مصر، ووقعت موقعة التل الكبير، ودخلوا القاهرة واحتلوا مصر.
الكتاب : إنجلترا وقناة السويس 1854-1951
المؤلف : د. محمد مصطفى صفوت
الناشر : مكتبة الآداب