رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

كابوس مظلم

نورا أمين
“ الدنيا ظلام و أنا وحدى الا من اضاءات قليلة ساطعة فى الجانب الآخر هناك حيث لا أحد يرانا. أنا أختبىء لكن الجميع يعرف مكانى. وأنتظر أن تحين لحظة ظهورى التى يحددها النص.

 أنا وحيدة فى كالوسى لكن العرض بكامله يمر داخلى. و لا أعرف وجودا خارج بقعتى المظلمة. لا أعرف من أنا. فقط أنا وجود ينتظر أن يبعث الى النور الى الوهج و الحضور. وجود مشحوذ بالظلمة و بالأرضية الخشبية العتيقة للمسرح و باصداء الحوار الدرامى التى ترتج فى أحشائى. و أنتظر. ربما يعبر صديق و يؤنس وحدتى ربما يقبض على يدى ويمرر الى طاقته ربما يغمرنى وهج حضوره المفاجىء بداخلى أو يسحبنى معه الى المشهد القادم. كالوسى المظلم هو خشبة مسرح حياتى لكنى لست بطلتها أنا فقط من تنتظر أما الأخرى -هى- فتصول و تجول بينما عيناها شبه معمية من الأضواء الأمامية. هى البطلة هى فى النور متسيدة الخشبة. لكنها لا ترى شيئا. وأنا فى ظلمة وحدتى أرى كل شىء. أرى العابرين ومن يبدلون ملابسهم أرى الفنيين يشعلون سجائرهم المحرمة خلسة أرى الزوار الحقيقيين والرسميين أرى الحب عندما تحتضننى أرى الرهبة و الخوف قبل الدقات الثلاث. أرى لذة الانتصار ووحشة خلفية ما وراء الستار أعوام مهدمة تمر من بين شقوق أخشاب لم يعد أحد يتذكر تكلفتها، ستائر كالحة تمزقت وامتطى التراب العفى ألوانها، حدائد وأدوات ونفايات ومسرحيات وأمنيات وقبلات فى عتمة كالوس لا يفصح عن تاريخه إلا لى.


أتذكر كالوسى الأول كالوس فتاة التسعة عشرة عاما أتذكرك أتذكر حلم المسرح أن أكون وأن أحلق وأن أنير. وأن نلعب سويا أحيانا. لقد علمتنى أنت قواعد اللعبة ثم كسرتها الواحدة تلو الأخرى ورحلت. ربما أنك رحلت تدريجيا دون أن أعرف وربما أرحل أنا الآن تدريجيا أيضا دون أن يعرف. لكننى لم أخن يوما عهد فتاة كالوس التسع عشرة. حفظت جميع أدوارى و فهمتها قرأت ما بين السطور واحترمت علامات الترقيم شيدت تاريخا للشخصية واستدعيت ملامحها وصوتها ولمسة يديها مثلت فى الصمت مثلما مثلت فى الكلام لم أخفق تدفقا ولا تراوحت فى الصعود اشتغلت على الاحساس والنفس والتلوين والنقلات ملكت حضورى الجسدى كى لا تفلت رغما عنى ايماءات امرأة الكالوس الصامتة المظلمة و لعبت وتقافزت و تطايرت. فى لحظات الذروة لم يفوتنى أن أمجد الحلم حلم قاعة جغرافيا بكلية الآداب حلم الخيال والمحبة والجماعة المترابطة


غير أننى أحيانا ما شردت لكنى لم أنس جملا حوارية الا مرات قلائل وأقسم أننى عاقبت نفسى عليها مليا. بعد كل تلك السنين لم أعد أعرف من أكون أين أنا فالبطلة فى الخارج أمام الجمهور و أنا هنا فى ظلمة التذكر. كالوس أنا يتذكر فى فواصل مشاهده ثم يستحيل حياة أخرى هادرة لدقائق معدودات قبل أن يمكث مجددا فى قبو الانتظار انتظارها انتظاره انتظار المشهد المثالى الدور المثالى العرض المثالى لكن لا شىء من ذلك يأتى أو أن كله قد أتى و رحل أو أننى أنا التى ترتحل بانتظام دون أن تدرك تحقق الأحلام. نحن كلنا نحمل أسامى متشابهة و نمارس نفس الطقوس: نقرأ النص نستذكر أدوارنا نستمع للمخرج ننفذ الحركة ونراعى الاضاءة ونحفظ ملابس الشخصية و ماكياجها واكسسواراتها و -قدر الامكان- نتعاون مع زملائنا نرتقى بحساسيتنا وننوع حضورنا. لكن قليلون منا فقط ينبغون يندمجون مع الصوت الفارق بداخلهم فيمسهم سحر جنون يتحول فيما بعد الى الحكمة التى قتلت صاحبها. كل ذلك يجول برأسى وأنا أنتظر حتى إننى لم أعد أشعر بجسدى أداة عملى وأنا مهنتى أن أكون امرأة أخرى وأن أجعلكم تصدقوننى كلما تحولت ومهما تحولت مهنتى الكذب النقى المقدس خلق واقع لحظى من أوهام لقاء الروح والعقل والجسد أنا مهنتى أن أغزل ذلك كله سويا أن أتعلم كيف أكون عندما لا أكون عندما أفقد ذاتى تماما وأذوب فى تلك الأخرى التى تعتلى خشبة حياتى ولا ترانى، فى كل هاتيك الأخريات اللاتى لا وجود لهن بدونى، فى كل هؤلاء الذين عبروا من كالوسى ورأونى أو لم يرونى. لقد كنت أقف هناك. وهذا يكفينى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق