تفرض قضية أزمة تغير المناخ تحديات جمة على الاستقرار البيئى والنمو الاقتصادى فى العالم. وبينما تكافح أوروبا موجات الحرارة واحدة تلو الأخرى، بتأثيراتها الهائلة التى ظهرت فى شكل حرائق مرعبة اجتاحت الغابات وانتشرت سحب الدخان، تتصارع آسيا تارة مع أمطار موسمية قياسية نتجت عنها فيضانات مدمرة فى الهند وباكستان واليابان أدت لانهيارات أرضية دمرت المنازل وشردت آلاف السكان، وتارة أخرى تعانى القارة الصفراء موجات جفاف قاسية أثرت على شبكات الطاقة وبالتالى على قدرات الطاقة الكهرومائية فى العديد من البلاد خاصة الصين. كما تضم منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ 13 من أصل 30 دولة الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ، والتى بدون اتخاذ إجراءات حازمة قد يقع 7.5 مليون شخص إضافى بها فى براثن الفقر بسبب تأثيرات المناخ بحلول عام 2030.
الصين، وهى من أكبر الاقتصادات فى العالم غير أن مسألة تغير المناخ تشكل تهديدا كبيرا لازدهار البلاد على المدى الطويل، فبكين مسئولة عن 28% تقريباً من انبعاثات الكربون العالمية، وهى تواجه تأثيرات سلبية ناجمة عن هذه التغيرات المناخية. فظهرت درجات الحرارة المتطرفة التى أدت لحدوث جفاف كبير فى العديد من المناطق وبالتالى انخفضت الإنتاجية الزراعية وارتفع مستوى البحر بشكل ملحوظ. ووفقا لتقرير البنك الدولى، فإن التغير المناخى المستمر يمكن أن يؤدى إلى خسائر فى الناتج المحلى الإجمالى تقدر بما يتراوح بين 0.5 و2.3% بحلول عام 2030.
وأما بالنسبة للهند التى تعانى بالفعل التأثير السلبى لتغير المناخ، من درجات الحرارة الشديدة والرياح الموسمية والفيضانات العاتية وارتفاع منسوب مياه البحر، فمن المرجح أن يكون لهذه العوامل جميعها تأثير هائل على الاقتصاد. فمثلاً قطاع الزراعة والبناء والتشييد وحتى الصناعة معرضون بشكل خاص لخسائر إنتاجية العمل الناجمة عن الضغوط المرتبطة بالحرارة. وتشير آخر تقديرات بنك الاحتياطى الهندى إلى أن ما يصل إلى 4.5% من الناتج المحلى الإجمالى للهند قد يكون معرضًا للخطر بحلول عام 2030، بسبب فقدان ساعات العمل بسبب الحرارة الشديدة والرطوبة. ويقول البنك إن مسألة تغير المناخ الذى نتج عنه تغير أنماط هطول الأمطار الموسمية يمكن أن يكلف الاقتصاد الهندى 2.8 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى ويؤدى إلى انخفاض مستويات المعيشة لما يقرب من نصف سكانها بحلول عام 2050. أيضاً، ساهمت أزمة المناخ فى زيادة تضخم أسعار الغذاء الأساسى وتقلبه نتيجة وقوع أضرار فى المحاصيل الزراعية نتيجة للحرارة العالية.
ولا ننسى هنا باكستان التى ضربتها أكبر موجة من الفيضانات الشديدة العام الماضى، تسببت فى خسائر اقتصادية فادحة وصلت لأكثر من 15 مليار دولار، وتعرض أكثر من 33 مليون شخص للخطر الشديد أى ما يقرب من 14% من السكان .
وتشير بعض التوقعات إلى أن أسواق آسيان (إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة ولاوس وبروناى وفيتنام وتايلاند) سوف تخسر نحو 37٪ من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2048. وسوف تخسر إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند الناتج الاقتصادى بما يزيد فى مجموعه عن سبعة أضعاف الناتج المحلى الإجمالى لعام 2019 بحلول عام 2050.
التحذيرات من مخاطر أزمة المناخ وتطرف درجات الحرارة العالية المهددة للحياة تزامنت مع تنبيهات العلماء من ولادة حقبة جديدة لظاهرة النينو، والتى تراجعت خلال السنوات الثلاثة الماضية. وأن العالم سيشهد أعلى درجات حرارة عبر التاريخ خلال الخمس سنوات القادمة وبالتالى تتأثر سلباً أهداف التنمية الاقتصادية فى آسيا ولذلك أصبح التحول نحو إستراتيجية عالمية تتجاوز الحدود والخلافات أمرا بالغ الأهمية لحماية الإنسانية.
رابط دائم: