منذ مطلع العام الحالي، والجدل على أشده فى سويسرا حول استيراد كبد الإوز أو البط - الـ «فوا جرا» أى الكبد الدهنى باللغة الفرنسية - حيث تعالت الأصوات المطالبة بوقف استيراده مع التحرك الدائم لجمعيات الرفق بالحيوان والحفاظ على البيئة التى تطالب بوقف تداول ذلك المنتج الغذائى الذى يحتل موقعه فى قائمة أعلى المنتجات الغذائية سعرًا فى العالم، ويمثل مع ذلك تعديًا صريحًا على حقوق الطيور الداجنة التى يتم تغذيتها قسرًا بالأنابيب عدة مرات يوميًا للحصول على صدور سمينة وأكباد دهنية، حيث يعد بيعها أحد أهم مصادر الدخل لعشرات الآلاف من عمال المزارع التى تنتج آلاف الأطنان فى الجارة فرنسا ويذهب أغلبها إلى أسواق اليابان وإسبانيا وبلجيكا وسويسرا.
وعلى الرغم مما هو معروف عن قسوة التغذية القسرية (التزقيم أو التزغيط فى العامية المصرية) التى تؤدى إلى تلف الأعضاء الداخلية للطيور حيث يتضاعف حجمها عشر مرات مصحوبا بتعذيب غير مبرر للحيوان، إلا أن البرلمان السويسرى تغاضى عن الجانب الأخلاقى ودعمه لحقوق الحيوان ليصدر قراره المرحلى بعدم حظر استيراد كبد الإوز المصنع لعدة أسباب أرجعها البعض إلى تفادى ضرب اقتصاد موردى ومستوردى «الفوا جرا» حيث استقبلت البلاد فى العام الماضى نحو 180 من الأطنان جاءت من ذبح 300 ألف حيوان، لتجد طريقها إلى موائد الأغنياء أغلبهم فى القطاع الفرنسى السويسرى لسعرها الباهظ ووزنها الذى كانوا يقايضونه قديمًا بالذهب، وذلك نتيجة للمبالغات التى تعزى إليها آثارا سحرية لدرجة أن اسمها كان ملهما لشركة «فايزر» عندما أطلقت منتجها الأزرق «فياجرا».
وفى الوقت نفسه، يأتى الرفض متزامنا مع الإعلان عن زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون للعاصمة الإدارية السويسرية برن فى نوفمبر المقبل، وهو ما اعتبره البعض قرارا بنكهة تفادى المواجهة مع فرنسا.
على مدى العامين الماضيين، شهد المجلس الوطنى السويسرى حوارات ممتدة وجدل واسع بمشاركة ممثلى أحزاب الخضر وجمعيات الرفق بالحيوان وعلى رأسها مؤسسة «ذوى الأربع» التى خصصت موقعها للترويج لحملتها لتوعية المواطنين، وهو ما نتج عنه تحرك حكومى محدود فى شهر أبريل المنصرم لتطبيق إجراء أقل تعسفًا وتقييدًا، باشتراط شفافية الإعلان فى مكان واضح عن مصدر المنتج وطريقة تغذيته على عبوات بعض المنتجات الحيوانية مثل كبد الإوز وأفخاذ الضفادع.
وعلى الرغم من حظر سويسرا تغذية الإوز قسرا وتصنيع «الفوا جرا» على أراضيها منذ أكثر من أربعة عقود لتعارضها مع المعايير السويسرية للإنتاج الحيوانى الذى تشتهر بعض مزارعها بتشغيل الموسيقى لحيواناتها وصدمها بالكهرباء لتقليل الألم قبيل ذبحها، تحظى «الفواجرا» فى الوقت نفسه بشعبية واسعة فى القطاع الفرنسى من سويسرا، التى تنقسم إلى 4 مناطق ثقافية لغوية هى على التوالي: ألمانية وفرنسية وإيطالية ورومانش (ينتمى إليها سكان القرى والريف والجبال من سكان البلاد). وتسيطر على كل منطقة منها ثقافة الدولة الأقرب وهو ما أشار إليه نائب البرلمان السويسرى فيليب نانتيرمود، موضحًا أن فرض الحظر من شأنه أن يعمق الخلاف بين سويسرا الناطقة بالفرنسية والناطقة بالألمانية.

نشطاء إحدى منظمات حقوق الحيوان يحملون لافتة «لحوم أقل .. حرارة أقل»
ففى الوقت الذى يميل فيه سكان القطاع الألمانى إلى حماية حقوق الحيوان ودعم مبادرات أحزاب الخضر للحفاظ على البيئة وتحرك النشطاء النباتيين، يميل سكان القطاعين الفرنسى والإيطالى للاستمتاع بالطعام والتفنن فى إعداده كما يفعل جيرانهم فى الجارتين فرنسا وإيطاليا المنتجين لأفضل أنواع الجبن والألبان واللحم المجفف والشيكولاتة والمكرونة وغيرها.
فى الوقت نفسه، لم يكن قرار البرلمان الأخير كافيًا لتهدئة الأوضاع، حيث تسعى حاليًا رابطة منظمات حقوق الحيوان السويسرية «اليانس انيمال سويس» لجمع التوقيعات التى يجب ألا تقل عن مائة ألف توقيع من بين عدد سكان لا يتجاوز ثمانية ملايين ونصف نسمة، للدعوة لإدراج التصويت بشأن تلك القضية فى أحد الاستفتاءات ربع السنوية التى يدلى فيها المواطنون بأصواتهم حول قضايا بعينها سواء على مستوى المقاطعة أو الاتحاد السويسرى ككل.
الجدير بالذكر، أن الطبق الذى تشتهر بصناعته فرنسا التى تعتبره طبقًا وطنيًا فى المناسبات الدينية والاحتفالات العائلية، لا ينكر خبراؤه أن أصله مصرى انتقل إلينا عبر نقوش أنشطة الحياة اليومية للمصريين القدماء كما فى مقبرة ماروركا فى سقارة ومعبد فيلة فى أسوان، والتى احتفظت بتفاصيل تقنية التغذية نفسها منذ عام 2500 قبل الميلاد، حيث أظهرت الرسومات قيام مجموعة من الطهاة بإطعام الإوز قسرًا واستخراج الكبد وطهيه.
علمًا بأن ذلك الطبق الفرنسى ممنوع فى الولايات الأمريكية وكندا وبعض الدول الأوروبية، لدرجة مقاضاة الطهاة والمطاعم التى تقدمه، الأمر الذى دفع بعض الطهاة إلى التحايل وتقديم نسخ مختلفة كتقديم الأرز بكبد الإوز المعتاد، أو الاكتفاء بكبد البط المهاجر الذى يقوم بالتخزين الدهنى قبيل قيامه برحلته.
رابط دائم: