وسط إبداعات سينمائية متنوعة بين مغامرة وحركة وقضايا إنسانية؛ استطاعت دراما سيارات السباق المبهرة أن تنتزع إعجاب الجمهور العالمى بفيلم «جران تريسمو: Gran Turismo»، يعد أن منح الجمهور اتصالاً فعالاً بقصة المتسابق «جان ماردنبورو : Jann Mardenborough»، التى وُلدت بحلم فى العالم الافتراضى بلعبة «GT» لتتحرك كسيارة سباق سريعة لتصل بالمشاهد إلى ساحات سباق السيارات على أرض الواقع، وتضعه فى مقعد السائق بشكل مختلف عن الحبكات الدرامية السابقة لأفلام السيارات والسباقات مثل «السريع والغاضب: فاست آند فيوريس»، و«فورد ضد فيرارى» الذى حصد جائزتى أوسكار عام 2020، و«راش» الذى تناول بطولة العالم لسباقات فورمولا 1 موسم 1976.
بعد إخراج أعمال عدة متنوعة بين الخيال العلمى فى «منطقة 9» عام 2009 إلى الأعمال الدرامية مثل «اليسيوم» عام 2013 و«تشابى» عام 2015 اعتمد مخرج الفيلم (الكندى نيل بلومكامب) عبر سيناريو جيسون هول وزاك بايلين، على خلفيته كفنان مؤثرات بصرية، فى صنع واحد من أفضل أفلامه كى يسرد القصة الحقيقية للاعب شاب تحول إلى سائق سباقات محترف.
مدة عرض الفيلم ١٣٥ دقيقة، يجعله طويلاً نسبياً لكن الإيقاع السريع نجح فى النجاة من فخ الملل؛ إذ يبدأ الفيلم بشكل سريع ومباشر من داخل غرفة المُراهق جان -الذى يؤدى دوره المُمثل آرتشى ماديكوى- وهو يمارس لعبته المُفضلة، ويحلم بأن يصبح سائق سباقات برغم رفض والده؛ حتى سنحت الفرصة أمامه بعد أن سجل رقمًا قياسيًا داخل لعبة GT، وتأهل للانضمام ضمن عشرة لاعبين إلى أكاديمية GT التى تقوم إحدى شركات السيارات بتدريبهم كمتسابقين لتحدى مجموعة محنكة من المحترفين على الحلبات الدولية.
من هنا يعيش الجمهور تسلسل السباقات التى تهيمن على العمل بدايةً من التصفيات داخل الأكاديمية بين اللاعبين التى تخطاها جان بنجاح، حتى الوصول لمنصة التتويج من قلب حلبة لومان الفرنسية مع المحُترفين.
لا يعتمد الفيلم بشكل كبير على الحبكة الدرامية فى إبراز كيفية تحول جان لمتسابق محترف؛ لكن يركز أكثر على العلاقات بين الأبطال خاصة بين المدير التنفيذى للتسويق «دانى مور» الذى تعامل مع الحدث بشكل ترويجى، و«جاك سالتر» مدرب الأكاديمية الذى يحقق حلمه بعد التقاعد من خلال المتسابقين، ثم تنتقل الأحداث لتأخذ انفعالات كل منهما مسحة القلق والحزن فى مشهد الحادث المروع الذى وقع لجاك، وراح ضحيته أحد المتسابقين، والفرحة العارمة فى نهاية الفيلم، ومشهد التتويج.
تلقى العمل ردود أفعال متباينة من النقاد؛ فمنهم من يرى أن هناك نقصا واضحا فى سرد الأحداث، إذ لم يتطرق السيناريو إلى تفاصيل الأسرة أو الدوافع النفسية للشخصيات، وتطورات الحبكة المتوقعة، خاصة أن قصة جان ماردنبورو الحقيقية تتمتع بخلفية درامية ملهمة، والبعض الآخر يرى أنه فيلم سباقات قوى استند إلى خبرة المُخرج فى توجيه الكاميرا لرصد الوقائع والانفعالات الحقيقية من قلب الحدث، ودمجها بالتقنيات الحديثة بشكل مُبهر. هذه التقنيات وضعت الجمهور فى مقعد السائق بشكل حقيقى داخل الحلبة؛ تارة ليختبر السباقات من أعلي، وتارة من فوق المضمار، لتنقلب الكاميرا إلى الأمام ليرى الإطارات فى منتصف السباق، ويعيش مع المتسابقين سؤالًا مصيريا: النجاح أم لا؟ وهل يستحق السباق المخاطرة بالحياة؟
الموسيقى أدت دورا مهما فى معايشة الأجواء التنافسية؛ بين إيقاع النغمات التصاعدى فى السباقات، وهدوء وتيرتها للكلاسيكية الهادئة عندما كان جان يميل للتركيز، وكبت مشاعر التوتر فى أثناء السباق.
أخيرا: يأخذك الفيلم بأحداثه المتلاحقة إلى الخاتمة ليظهر «جان ماردنبورو» الحقيقى بعد أن تنافس فى أكثر من 200 سباق لنلتقط أنفاسنا الحماسية فى النهاية بعد أن تداخلت بين الدراما والواقع؛ مظهرة كيف كانت معاناة لاعب GT للوصول إلى قمة السباقات العالمية.
رابط دائم: