للحزب الجمهورى فى الولايات المتحدة تاريخ حافل بعلامات الاستفهام والمحاكمات. وقدم نماذج عديدة من بينها إدارة ريتشارد نيكسون المليئة بالإجرام، وعهد هيو سكوت، زعيم الأقلية فى مجلس الشيوخ، وجون رودس، زعيم الأقلية فى مجلس النواب، وآخرهم أبرز مرشحى الرئاسة فى الانتخابات الأمريكية المقبلة وهما رون ديسانتيس حاكم ولاية فلوريدا والرئيس السابق دونالد ترامب الذى يصفه معارضوه بأنه واحد من أسوأ الرؤساء والأكثر فسادا فى التاريخ الأمريكى.
وكما كتب الصحفى الأمريكى ماكس بوت، فى عموده بصحيفة «واشنطن بوست»، سخر ترامب من القيادة السياسية، واحتضن الفساد على نطاق واسع. واتهمه بالمتاجرة بالعنصرية وكراهية الأجانب والتحريض على العنف وتدمير التحالفات السياسية، والترحيب بالتدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية. ويؤكد بوت أن ترامب لم يتوقف عند هذا الحد، بل خلق هو وحلفاؤه منذ فترة طويلة ثقافة الأكاذيب والأوهام والقسوة والتضليل. لقد شن هجوما متواصلا على العقل والتفكير النقدى والحكم المستنير والمسئولية الاجتماعية. كما قابل نفوره من السود والمهاجرين وغيرهم دعما من النخبة المالية وأصحاب الشركات. ولا يتعارض موقفه الشعبوى مع سياساته فحسب، مثل خفض الضرائب على الأغنياء وتفريغ شبكة الأمان الاجتماعى. ولكنه دفع أيضا المجتمع الأمريكى إلى شكل محدث من التفوق الأبيض والفاشية، بالإضافة إلى سلسلة الفضائح التى تطارد أقرب مستشاريه.
وعلى الرغم من الضرر الذى ألحقه ترامب بالديمقراطية الأمريكية حيث بات يشكل وصمة عار وطنية، فإنه يحظى بدعم لا يستهان به بين صفوف الجمهوريين، فيقول ما يزيد عن 58 % منهم إنهم ما زالوا يخططون للتصويت له فى الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
أما ديسانتيس، فهو نموذج ترامبى جديد على حد تعبير بعض المراقبين، حيث تشير التقارير إلى أنه استغل سلطته لجمع الأموال وجنى امتيازات أخرى. فبمجرد تولى ديسانتيس منصبه، قام مساعدوه بإعداد قائمة تضم 40 جماعة ضغط بهدف جمع الملايين للجنة العمل السياسى التابعة له. وهنا يتضح جليا ما وراء وعود ديسانتيس بأن يكون رئيسًا مثل ترامب ولكن بدون «حبكة درامية»، فيبدو أنه تعلم كثيرا من الرئيس السابق كيف يستغل منصبه لتحقيق منفعة شخصية. هذا ما كشفته شبكة «إن بى سى نيوز» الإخبارية ،حينما ذكرت أن بعض مساعدى ديسانتيس شنوا هجوما على جماعات الضغط للحصول على تبرعات لحملة ديسانتيس الرئاسية وإن كان بشكل لا يتعارض مع القانون، طالما أن الموظفين لم يستخدموا موارد الدولة أو الوقت المتاح على مدار الساعة لتقديم الطلبات. ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فقد نجح ديسانتيس فى إخفاء كشوف الإنفاق ومصادره عن العامة؛ وبذل قصارى جهده للتأكد من أنهم لا يستطيعون حتى معرفة من يقوم بالإنفاق وعلى ماذا؟!.إحدى الطرق التى فعل بها ذلك هى هيكلة عمليته السياسية لإخفاء الإنفاق. لقد دفع شخص ما ثمن رحلة ديسانتيس الفاشلة إلى أوروبا، ولكن حظًا سعيدًا فى معرفة من. و ذكرت صحيفة «بوليتيكو» نقلا عن مكتب ديسانتيس أن أموال دافعى الضرائب لم تذهب إلى الرحلة، كما لم تكشف لجنة العمل السياسى ولا الدولة عن الطرف أو أى نفقات تتعلق بالسفر. فقد اعتمدت حملة ديسانتيس بشكل كبير على الطائرات المستأجرة، وفى كثير من الأحيان بتمويل غير واضح. تمكنت صحيفة «نيويورك تايمز» من تتبع بعض علامات التبويب إلى جماعات الضغط فى فلوريدا وكانت المفاجأة أنها وجدت فى حالات أخرى أن التمويل كان مخفيًا عن الأنظار من قبل منظمة غير ربحية تم إنشاؤها لدفع تكاليفهم. والآن، ومع تعثر حملة ديسانتيس، أصبح المانحون منزعجين من كل تكاليف السفر الجوى باهظة الثمن.
وهنا ، ينصح هنرى جيرو، الأستاذ بجامعة ماكماستر فى مقال له بموقع «برايتر وورلد» بأنه لابد من إدراك فكرة أن أهم القضايا التى يواجهها الأمريكيون اليوم لا تتعلق فقط بفساد ترامب أو ديسانتيس أو الخروج على القانون أو الاستبداد المفتوح، بل تتعلق بالتعلم من التاريخ. فانتخابات عام 2024 يجب أن تكون بمثابة توجيه لنوع المجتمع الذى يريده الأمريكيون ونوع المستقبل الذى يرغبون فيه لأطفالهم، كما لابد أن ينظروا إلى الانتخابات باعتبارها رسم خريطة طريق للمستقبل.
رابط دائم: