«ثقافة الفساد».. هكذا لخص كيفين مكارثى رئيس مجلس النواب الأمريكى لائحة الادعاءات باستغلال السلطة وعرقلة العدالة ضد الرئيس الأمريكى جو بايدن، والتى استخدمت ضد الرئيس الديمقراطى لفتح تحقيق فى الكونجرس بهدف عزله. ورغم أن الجمهوريين يرون أن شبهة «تضارب المصالح» وصمت بايدن الذى ساعد وغض الطرف عن نشاطات نجله «هانتر» الذى يخضع لتحقيق فيدرالى بشأن جرائم ضريبية محتملة خلال عمله فى عملاق الطاقة الأوكرانية شركة «بريسما»، إلا أن البيت الأبيض نفى أى تورط للرئيس فى قضية هانتر.
بينما ردت حملة بايدن – هاريس بالقول إن مكارثى حول مجلس النواب إلى حملة الملياردير الجمهورى الرئاسية. ترامب وصف بايدن أيضا بالفاسد، لكن لأسباب أخرى، فهو المتهم الرئيسى من وجهة نظره فى تحريك سلسلة القضايا الجنائية ضده بتهمة التحريض على أعمال شغب الكابيتول فى 2021، وذلك لعرقلة ترشحه فى انتخابات 2024. المفارقة هنا أن الأمريكيين لهم رأى مشابه، فى ظل هذا الاستقطاب بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى، فبايدن «عجوز» و«مرتبك»، وترامب «فاسد» و«غير أمين»، هذه هى من بين أهم الصفات التى يستخدمها الأمريكيون عندما طلب منهم وصف الخصمين، وذلك وفقا لاستطلاع للرأى أجرته وكالة أسوشيتد برس ومركز «نورك» لأبحاث الشئون العامة، حيث تم طرح سؤال مفتوح حول ما يتبادر إلى الذهن عندما يفكر الناس فيهما. وبالنسبة لبايدن، ذكر غالبية الأمريكيين، بما فى ذلك الديمقراطيون والجمهوريون، عمره، فالرئيس الأمريكى يبلغ من العمر 80 عاما، وهو أكبر من ترامب بثلاث سنوات فقط، لكن العديد من الأمريكيين أعربوا عن مخاوف حقيقية بشأن قدرته على الاستمرار كرئيس. وفى الوقت نفسه، تم توجيه الاتهام إلى ترامب فى أربع قضايا تضم 91 تهمة جنائية. بالتأكيد، تظل الولايات المتحدة ترفع شعارات براقة حول الشفافية ومكافحة الفساد، فديمقراطيتها لا تسمح بذلك، إلا أن المؤشرات تقول العكس تماما. لقد تراجعت مقاومة الولايات المتحدة للفساد خلال السنوات الأخيرة، وذكرت منظمة الشفافية الدولية أن الولايات المتحدة «تواجه تهديدات لنظام الضوابط والتوازنات الخاص بها»، إلى جانب «تآكل المعايير الأخلاقية عند أعلى مستويات السلطة»، مستشهدة بالشعبوية ومعاداة المهاجرين والاستقطاب السياسى كعوامل أدت إلى ذلك. فى عام 2019، جادل أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا ستيفن والت بأن الولايات المتحدة أصبحت فاسدة بشكل متزايد، مشيرا إلى إدارة ترامب، وأسباب الركود الكبير، وحظر طائرة بوينج 737 ماكس بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، وفضيحة رشوة القبول بالجامعات كأمثلة. يقول والت إن هذه الأمثلة تظهر أن الفساد يمثل مشكلة متنامية فى الولايات المتحدة ويهدد على المدى الطويل القوة الناعمة للبلاد. والفساد السياسى فى الولايات المتحدة ليس جديدا، إلا أنه الآن تحت الميكروسكوب بشكل أكبر بفضل وسائل التواصل الاجتماعى، وتركيز الإعلام على فضائح بايدن ونجله من جهة، ومحاكمات ترامب سلوكه ومصداقية تصريحاته من جهة أخرى. ومنذ حوالى 100 عام، كانت العناوين الرئيسية للصحف «فضيحة حكومية غير مسبوقة»، حيث هز الكشف عن الرشوة والفساد والرشاوى والتستر فى البيت الأبيض الولايات المتحدة. واتهمت الإدارة وقتها بارتكاب «فساد غير مسبوق»، وأدى ذلك إلى الحكم لأول مرة على الإطلاق على عضو رفيع المستوى فى الإدارة بسبب جرائم ارتكبها أثناء وجوده فى منصبه. فقد أدت فضيحة «تى بوت دوم» إلى سجن وزير الداخلية ألبرت فال، وهو صديق قديم للرئيس وارن هاردينج، بتهمة قبول رشاوى هائلة لتأجير احتياطيات النفط الحكومية لأصدقائه بأسعار متدنية للغاية. عندما استقال فال تحت ضغط الفضيحة المتصاعدة فى يناير 1923، عرض عليه هاردينج مقعدا فى المحكمة العليا. فى شهر أغسطس من ذلك العام، توفى هاردينج فجأة، ومن شبه المؤكد أنه سقط بسبب ضغوط «الفضائح غير المسبوقة» التى كانت تتكشف داخل إدارته، بما فى ذلك ليس فقط تى بوت دوم، بل أيضا مكتب المحاربين القدامى الفاسد. وفى فضيحة «ووترجيت»، وجهت اتهامات إلى 69 شخصا أدين منهم 48 من بينهم كبار المسئولين فى إدارة ريتشارد نيكسون الذى اضطر إلى الاستقالة. تم العفو عن نيكسون من قبل نائبه وخليفته جيرالد فورد من أجل دفع أمريكا إلى مرحلة ما بعد فضيحة ووترجيت السياسية غير المسبوقة. وواجه سبيرو أجنيو النائب الأول لرئيس نيكسون لائحة اتهام بتهم الرشوة والابتزاز والاحتيال الضريبى والتآمر الإجرامى. استقال فى صفقة لتجنب الملاحقة القضائية، بعد أن فشلت حججه القائلة بعدم إمكانية توجيه الاتهام إلى نائب الرئيس فى إقناع المدعى العام لمقاطعة ماريلاند. كما تفاوض بيل كلينتون على صفقة عندما ترك منصبه لتجنب اتهامه بشهادة الزور بشأن مونيكا لوينسكى. والواضح أن الديمقراطين والجمهوريين يعملون الآن بمنطق «العين بالعين»، فما يسرى على ترامب يسرى على بايدن.
رابط دائم: