رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مولد «نبى العلم»

تحقيق ــ خالد أحمد المطعنى

  • د. أحمد عمر هاشم: وضع قواعد تعليمية سبقت المناهج الحديثة للتدريس
  • الشيخ خالد القط: تعلم اللغات وتنوع العلوم يسهمان فى مواكبة المستجدات

 

«مولد نبى العلم».. بهذه الجملة يوضح علماء الدين الأهمية والمكانة التى حظى بها العلم فى مولد ومبعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء والمرسلين، وذلك فى مناسبة تلك الذكرى، إذ كان مولده، صلى الله عليه وسلم، نورا أضاء الكون كله علما وهداية، بعد ما كان العالم يتخبط فى ظلمات الجهل والجور، مؤكدين أن رسالته -عليه الصلاة والسلام- تدعونا إلى أن يتعلم المسلم كل العلوم، وليس العلوم الشرعية فقط، بل كل علم نافع يفيد البشرية.

ويدعو العلماء إلى الأخذ بأسباب العلم للحاق بركب التقدم، خاصة ونحن مقبلون على عام دراسى جديد، مطالبين باستثمار وسائل التكنولوجيا الحديثة، ومنصات التواصل الاجتماعى، فى نشر وتصحيح المفاهيم الخاطئة، والرد على الشبهات، مع تعلم اللغات، وتنويع العلوم لمواكبة المستجدات، وتخطى العقبات، وأخذ العلم من مصادره الموثوقة، حتى نقضى على المفاهيم الخاطئة.

الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، يقول إن من أهم الركائز التى جاءت بها الرسالة الخاتمة، الدعوة إلى العلم والتعلم، وإعلاء قيمة العلماء، إذ كان تعليم الناس من أهم مقاصد بعثته ووظائفه، صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: «كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ». (البقرة: 151).

ويوضح أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان خير معلم عرفته الإنسانية عبر تاريخها، متسائلا: «ولم لا يكون ذلك؟، والذى تولى تعليمه هو رب العزة جل وعلا، قال تعالى مخاطباً حبيبه صلى الله عليه وسلم: «وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا» (النساء: 113)؟»، فالشيء الوحيد الذى طلب منه الرسول، صلى الله عليه وسلم، المزيد، هو العلم فقط، استجابة لأمر ربه، إذ قال تعالى: «وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا» (طه:114).

تعدد الوسائل

ويضيف د. عمر: كان النبى صلى الله عليه وسلم يتبع مع أصحابه طرقاً ووسائل فى التعليم لم يسبقه إليها أحد، وقد وضع أصولاً وقواعد لطرق التدريس والتعليم، سبق بها صلى الله عليه وسلم كل طرق ومناهج التدريس التى تُدرس الآن فى العالم، ومن أهمها اختيار الأوقات المناسبة التى يكون فيها طالب العلم مهيأ لقبوله، مما يؤدى إلى الفهم والمعرفة، ولا يكون هناك ملل وسآمة، وتشتيت فى الانتباه، ففى الصحيحين، عن عبدالله بن مسعود، رضى الله عنه، يقول: «كانَ النبيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَتَخَوَّلُنا بالموعظة، مَخافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنا».


د. أحمد عمر هاشم

الحوار.. والتطبيق

فى سياق متصل، يرى الدكتور علوى أمين خليل، أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، أن العلم صِنو دعوة النبى صلى الله عليه وسلم، وأن هذا نتعلمه من موقفه، صلى الله عليه وسلم، مع أسرى المشركين فى غزوة بدر، حينما طلب من المشركين تعليم المسلمين القراءة والكتابة، مقابل فك أسرهم، مما يؤكد حرصه صلى الله عليه وسلم على التعليم وتحقيقه بكل الوسائل.

ويوضح أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يتبع مع أصحابه أسلوب الحوار والمناقشة والتشويق، ولا يعتمد فقط على طريقة التلقين، فقد أخرج البخارى عن عبدالله بن مسعود، رضى الله عنه، قال: «أيُّكم مالُ وارثِه أحبُّ إليه من مالِه؟ قالوا: يا رسولَ اللهِ! ما منَّا أحدٌ إلَّا مالُه أحبُّ إليه من مالِ وارثِه، قال: اعلَموا أنَّ ما منكم أحدٌ إلَّا مالُ وارثِه أحبُّ إليه من مالِه، ما لك من مالِك إلَّا ما قدَّمتَ، ومالُ وارِثك ما أخَّرتَ».

ويضيف: قال رسولُ اللهِ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أيضا: «ما تدْعون الصُّرَعَةَ فيكم؟ قال: قلنا: الَّذى لا يصرَعُه الرِّجالُ، قال: لا، ولكنَّ الصُّرَعَةَ الَّذى يملِكُ نفسَه عند الغضبِ»، ذلك إلى جانب بث روح المنافسة الشريفة بين طلاب العلم، وتحفيزهم على التفكير والابتكار وإعمال العقل. ويواصل: فى الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر، رضى الله عنهما، قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ من الشجرةِ شجرةً لا يسقطُ ورقها وهى مثلُ المؤمنِ حدِّثونى ما هيَ قال عبدُ اللهِ فوقعَ الناسُ فى شجرِ البوادى، ووقع فى نفسى أنها النخلةُ فقال، النبيُّ، صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: هى النخلةُ، فاستحييتُ يعنى أن أقولَ قال عبدُاللهِ فحدَّثتُ عمرَ بالذى وقع فى نفسى فقال: «لأن تكون قلتَها أحبُّ إليَّ من أن يكون لى كذا وكذا»، ذلك مع تفعيل طريقة ضرب الأمثال، وتقريب المعنى لمتلقى العلم، أو ما نسميه لغة العصر: التطبيق العملى للنظرية العلمية على أرض الواقع.


د. علوى أمين

تنوع العلوم

من جهته، يؤكد الدكتور عطية مصطفى، أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، أننا بحاجة إلى تعلم كل العلوم، وأن فى هذا استجابة لدعوة القرآن الكريم، ورسالة النبى الخاتم، صلى الله عليه وسلم، فحين ننظر بتدبر وتمعن إلى أول كلمة نزلت فى القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنها: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ» (العلق:1)، ونلاحظ فى الآية الكريمة حذف المفعول به، وعدم تعيين مقروء بعينه للقراءة، وفى ذلك دلالة جلية على أن نقرأ ونتعلم كل فنون العلم، وأن على الإنسان أن يبذل أقصى ما فى وسعه لتحصيل العلوم التى تنفعه فى دينه ودنياه، إذ قال تعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»، [فاطر:28]، والمقصود بالعلماء هنا المتخصصون فى كل أنواع العلم والمعرفة والبحث وليس العلوم الشرعية فقط، وذلك مستفاد من الآيات التى تسبق هذه الآية، إذ تتحدث عن بعض فروع العلم المختلفة، كعلوم النبات والحيوان وطبقات الأرض والعلوم المعنية بدراسة الإنسان. ويتابع الدكتور عطية أن الدعوة إلى تعلم اللغات الأخرى أيضا كانت نابعة من الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فعند أبى داود وغيره بسند صحيح عن زيد بن ثابت، رضى الله عنه، قال: «أمرَنى رسولُ اللَّهِ، صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، أن أتعلَّمَ لَهُ كتابِ يَهودَ قالَ إنِّى واللَّهِ ما آمَنُ يَهودَ علَى كتابى، قالَ: فما مرَّ بى نِصفُ شَهْرٍ حتَّى تعلَّمتُهُ لَهُ، قالَ: فلمَّا تَعلَّمتُهُ كانَ إذا كتبَ إلى يَهودَ كتبتُ إليهِم، وإذا كتَبوا إليهِ قرأتُ لَهُ كتابَهُم»، وإن دل هذا الحديث على شىء، فإنما يدل على قيمة وفضل تعلم اللغات الأخرى حتى يكون المسلم على وعى بما يدور حوله، وليس معزولاً أو مغيباً عن واقع الحياة.

ويستدرك: لذلك فإن تعلم اللغات الأخرى ضرورة شرعية، كما تبين ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم السابق، علما بأن دين الإسلام -بوجه عام وما يحتويه من سماحة ورقى بالأفراد والمجتمعات ومثل عليا- بحاجة إلى من يوصله للآخرين بلغاتهم، واستثمار وسائل التكنولوجيا الحديثة، ومنصات التواصل الاجتماعى، فى نشر وتصحيح المفاهيم الخاطئة، والرد على الشبهات، وما تحمله من أفكار هدامة.


الشيخ خالد القط

مصادر العلم

ويقول الشيخ خالد القط، من علماء وزارة الأوقاف، إن تعلم اللغات الأخرى، وتنوع العلوم المتخصصة، يسهمان فى تقوية الأمة لمواكبة المستجدات، وتخطى العقبات، مستكملا أن كل علم من العلوم له مصادره وموارده الصحيحة، التى نستقى منها المعلومات، فالعلم يكون بالتعلم والدراسة وإفناء العمر فى تحصيله، كما يحتاج منا إلى صبر ومصابرة ومجاهدة، وديننا يدعونا إلى احترام التخصص العلمى، إذ قال تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (الأنبياء:7).

ويستدرك: لكن ابتلينا فى هذا العصر بجرأة البعض على اقتحام مجال العلم والتحدث فى أمور علمية بلا أى مقومات تعطيهم الحق كى يتحدثوا فى موضوعات بعيدة عن تخصصهم، فترى الواحد منهم يهرف بما لا يعرف، فيضل الناس بغير علم، معتمداً فى معلوماته على كتيب قرأه، أو كلمات وجدها على شبكة التواصل الاجتماعى. ويشدد على أن أخذ العلم من المصادر الصحيحة هو المنهج الأمثل لتحصيل العلوم، كملازمة أهل الاختصاص فى كل فن من فنون العلم، وهو منهج سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ففى صحيح البخارى عن عمر، قال: «كنت أنا وجار لى من الأنصار فى بنى أمية بن زيد -وهى من عوالى المدينة - نتناوب النزول على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحى وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك».

ويختتم الشيخ خالد كلامه: «لقد بشر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أهل العلم جميعاً، بالأجر العظيم؛ حتى يعلموا مكانتهم عند ربهم، فعن أبى داود بسند صحيح عن أبى الدرداء، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ، وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ، وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ له من فى السماواتِ ومن فى الأرضِ، والحيتانُ فى جوفِ الماءِ، وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا، ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق