وسط اجتياح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى لمختلف نواحى الحياة ، برز التعليم كأحد أهم القطاعات التى بدأت تطبيقات الذكاء الاصطناعى تقتحم أبوابها بقوة، لتعيد هيكلة المنظومة التعليمية لتتوافق فى الوقت نفسه مع متطلبات سوق العمل التى هى أيضا بدورها تأثرت بشدة بهذا العملاق التكنولوجى الحديث.
وكأى تكنولوجيا جديدة ، جاء الذكاء الاصطناعى حاملا قدرات مذهلة ، وجاءت معه أيضا مخاوف البشر من تأثيرات تلك القدرات على البشرية والحضارة الإنسانية. ففى مجال التعليم ، أسهم الذكاء الاصطناعى على مدار العقد الماضى، فى دعم وتعزيز العملية التعليمية بشكل كبير، وقد زاد استخدامه بعد إغلاق المدارس والجامعات بسبب وباء كورونا. وإذا تحدثنا عن الإيجابيات، فإن أدوات الذكاء الاصطناعى المختلفة حررت المعلمين والقائمين على العملية التعليمية من العديد من المهام الإدارية الطويلة، والتى تستنفد الكثير من الوقت مثل عمليات تسجيل القبول والجدول الزمنى ومراقبة الحضور والواجبات المنزلية، كما أن بعض أنظمة استخراج وتحليل البيانات تساعد فى معرفة الاحتياجات الشخصية للطلاب ومستوى دراستهم، وهو ما يسهم أيضا فى مساعدتهم فى تحديد اهتماماتهم واختيار مجالهم المهنى فى المستقبل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعى ، مثل روبوت الدردشة «تشات جى بى تى»، تسهل على الطلبة بشكل كبير عمليات البحث والقراءة والكتابة، فكما يقول بعض المعلمين الأمريكيين، إن تلك الأدوات من أمثال «تشات جى بى تى « بالنسبة لتعلم اللغة والكتابة كالآلة الحاسبة فى تعلم الرياضيات .
وهناك بعض الدول التى أنتجت منصات للذكاء الاصطناعى لدعم العملية التعليمية. ففى الصين مثلا، تم تضمين الخوارزميات والتفكير الحسابى فى معايير مناهج التكنولوجيا فى المدارس، فضلا عن خطة العمل المبتكرة للذكاء الاصطناعى فى الجامعات. وفى الولايات المتحدة، تقوم منظومة مونيتور فى بنسلفينيا بتدريس البرمجة بالذكاء الاصطناعى للأطفال . وفى سنغافورة، يتم استخدام الروبوتات التى تشبه البشر فى فصول رياض الأطفال لتعريف الأطفال بالبرمجة ومختلف مجالات التعليم الأخرى. وفى بريطانيا، تهدف مبادرة المراهقين فى الذكاء الاصطناعى، إلى إلهام الجيل القادم من الباحثين وقادة الأعمال فى مجال الذكاء الاصطناعى . وفى فنلندا، يتم تطوير تطبيق يسمى هيداى لمراقبة وتحليل إعلانات الوظائف ومناهج الجامعة لإنشاء معايير الكفاءة التى تقارن الطلب والعرض لمهارات الذكاء الاصطناعى، والتى بدورها تمكن الجامعة من توجيه سياساتها لتلبية احتياجات سوق العمل.
وأمام هذه الإيجابيات يتواجد أيضا سيل من المخاوف والتحديات للذكاء الاصطناعى، والتى تتمحور حول ملكية البيانات وانتهاك الخصوصية والتحيزات التى تقوض حقوق الإنسان . ووفقا للأمم المتحدة ، هناك قلق متزايد من أن بيانات وخبرات الذكاء الاصطناعى يتم تجميعها بواسطة عدد صغير من القوى العظمى الدولية فى مجال التكنولوجيا والجيش . فضلا عن ذلك ، يخشى غالبية المعلمين من أن يستغل الطلبة أدوات الذكاء الاصطناعى للغش والاستسهال ،إلى جانب ما يفعله الذكاء الاصطناعى من حجب الطلبة عن العمل الجماعى التعاونى والتواصل الإنسانى مع معلميهم، وفوق كل هذا تقويض قدراتهم الفردية على الإبداع.
ولمواجهة تلك المخاطر يجب على الجهات التعليمية والحكومات التى تدعم التعليم، أن تسعى جاهدة لتعزيز ما أطلقت عليه منظمة اليونسكو « محو الأمية الرقمية والذكاء الاصطناعى» ، وهى باختصار تتمثل فى اتخاذ سياسات وتوجيهات للطلبة للتعريف بالذكاء الاصطناعى وأدواته وكيف يعمل وكيف يمكن أن يؤثر على حياة الطلاب ، وتعليم الطلاب أيضا تجنب مخاطره وثغراته وعدم إساءة استخدامه.
رابط دائم: