«إنه ليس فقط حق أساسى من حقوق الإنسان بل عامل حيوى لتحقيق السلام والتنمية المستدامة» هكذا وصف أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، التعليم وأهميته وضرورة صيانته للنهوض بالمجتمع. ولكن فى عصر التكنولوجيا المتقدمة وأبحاث ما بعد الفضاء، كشف صندوق «التعليم لا ينتظر» التابع لمنظمة اليونيسيف فى يونيو الماضى، وليس من قرون مضت، ومن بين إحصاءات أخرى مؤسفة، عن وجود 224 مليون طفل بحاجة ماسّة إلى دعم تعليم جيد و600 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس حول العالم سواء بسبب الطوارئ أو الأزمات الممتدة.
أدت عوامل عدّة كالنزاعات المسلحة والنزوح القسرى وتغيُّر المناخ إلى زيادة أعداد الأطفال المتأثرين بالأزمات ممَّن يحتاجون إلى تعليمٍ جيد وعاجل. وحتى فى الحالات التى يكون فيها الأطفال قادرين على الذهاب إلى المدرسة، وسط الأزمات المتعددة، فإنهم لا يتمتعون بالقدر الكافى من التعليم الجيد، مما جعل ثلثهم فى سن العاشرة غير قادرين على قراءة قصة بسيطة وفهمها أو إجراء العمليات الحسابية الأساسية. وبحلول عام 2030، يتوقع الخبراء أن 825 مليون طفل – أكثر من نصف أطفال العالم – سينهون المدرسة دون اكتساب حتى المؤهلات الأساسية التى يحتاجونها للحصول على وظيفة.
لا تتوفّر فرص كافية أيضا للوصول إلى التعليم الثانوى فى المناطق المتأثرة بالأزمات، حيث إن نحو ثُلث عدد الأطفال فى الفئة العمرية التابعة للمرحلة الأولى من التعليم الثانوى غير ملتحق بالمدرسة. كما لا تتوافر فرص الحصول على التعليم المناسب لِما يقرب من نصف عدد الأطفال فى مرحلة ما بعد الثانوى فى هذه الدول. ومن هنا، تبين أن أكثر من نصف عدد هؤلاء الأطفال، أى ما يقدر بـ 127 مليون طفل، لا يحققون الحدَ الأدنى من الكفاءات المحدَدة للتنمية المستدامة وضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع.
قد يقدر البعض حجم المأساة عندما يعلم أن الـ 72 مليون طفل المتأثرين بالأزمات وغير الملتحقين بالمدارس، يضاهون عدد السكان فى المملكة المتحدة أو فرنسا أو إيطاليا. ومن بين هؤلاء الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، يعانى 53٪ من الفتيات و17٪ من الذكور صعوبات وظيفية، و21٪ (نحو 15 مليونا) تعرضوا للنزوح قسرا. ويتركز نحو نصف عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس فى حالات الطوارئ فى ثمانى دول فقط هى: إثيوبيا وباكستان وأفغانستان والسودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وميانمار، ومالى، ونيجيريا.
ويواجه أطفال قارة إفريقيا تحديات كبرى بشكل خاص، حيث يعيش ما يقرب من 54٪ من الأطفال المتأثرين بالأزمات فى جميع أنحاء العالم جنوب الصحراء الكبرى. وهو ما نتج عن مواسم الجفاف وزيادة حدة النزاعات، آخرها الحرب الأهلية فى السودان.
وكأنه لا يكفيها ما تعانيه من تدنى مستوى المعيشة ونزاعات شبه مستمرة، لكن مازالت هناك عدة دول تحرم الفتيات من التعليم خاصة أفغانستان، وتشاد وجنوب السودان واليمن. وحسب آخر إحصاءات المنظمة الدولية فى العام الحالى، فإن 130 مليون فتاة مازلن محرومات من التعليم. ومع أن التحليلات المتعددة والتقارير الدولية أكدت أن الاستثمار فى تعليم الفتيات مهم وفعال لما يظهرن باستمرار إمكانات تعلّم قوية كلما أتيحت لهن الفرصة، لكن أوجه التفاوت بين الجنسين فى الحصول على التعليم والانتقال من مرحلة تعليمية إلى أخرى، تتصاعد فى الأزمات الشديدة.
وقد تكون هذه المشكلات بمثابة «أزمة بطيئة الاشتعال وغالبا ما تكون غير مرئية وعواقبها وخيمة على الأفراد والمجتمعات»، كما حذر جوتيريش، لكن لم تقف الأمم المتحدة ساكنة. وإضافة لـ «التعليم لا ينتظر» لدعم التعليم وقت الأزمات، فقد أطلقت العام الماضى حملة «دعنى أتعلم» لحث قادة العالم على الاستماع إلى أصوات الشباب ووضع الخطط والتمويل اللازم لتوفير التعليم الجيد لكل طفل. وأقرت إعلان «المدارس الآمنة» عام 2015 لتوفير حماية أفضل للطلاب والمعلمين والمدارس والجامعات أثناء النزاعات المسلحة ومساعدتهم قضائيا. ومع ذلك لم يزدد حجم الاستجابة المادية لمطالب الأمم المتحدة عما نسبته 25%، لتتواصل الهجمات بلا هوادة على مستقبل أجيال بأسرها من الأطفال يعيشون فى نزاعات تحرمهم من اكتساب المهارات التى يحتاجونها ليساهموا فى بلدانهم واقتصاداتها.
رابط دائم: