رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مزج بين أداء الممثلين والعرائس فى «عطيل جورجيا»

باسم صادق
مشهدان من العرض

صار واضحا أن العرائس ــ على اختلاف أنواعها ــ احتلت مكانة متقدمة جدا بين المدارس المسرحية العالمية، ليس فقط على مستوى عروض الطفل، بل فيما يخص عروض الكبار على كل مستوياتها أيضا، وفى الدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى تم تقديم ثلاثة عروض عرائسية دولية وعربية، أكثرها لفتا للأنظار كان عرض عطيل للمسرح الوطنى فى جورجيا، إخراج جيا ديمترى والحائز، عن جدارة، جائزة أفضل مخرج فى المهرجان.

 

تحديات كثيرة خاضها صناع العرض لتقديم عمل يعد من أصعب ما قدم شكسبير، أولها، أن عطيل هو أحد المآسى الأربع الكبرى التى كتبها شكسبير فى خمسة فصول وقُدمت بمئات الرؤى على خشبة المسرح البشرى فيما لايقل عن ثلاث أو أربع ساعات، نظرا لتداخلاته الدرامية وعمق الطرح الذى تناول من خلاله قصة الحب والغيرة التى وقع فيها عطيل القائد المغربى النبيل تجاه حبيبته وزوجته ديدمونة، لينتهى به الأمر قاتلا لها بسبب المكائد التى حاكها حامل رايته ياجو بينهما، ولكن باختزال شديد التكثيف دون الإخلال بالمضمون، نجح الدراماتورج/ المخرج فى تقديم العمل فى 60 دقيقة فقط لم يشعر فيها المتفرج بأى ملل رغم فارق اللغة.

اختيار نوع العرائس التى تقدم بها الأحداث كان تحديا آخر، فكثير من العروض التى تقدم مثل هذه الأعمال الكبرى تستخدم عرائس القفاز أو تلك التى يرتديها الممثلون على رءوسهم أو تغطى جذوعهم فقط، بينما اختار صناع عطيل عرائس الطاولة، وهى عرائس بالغة الصغر صممها فاختانج كوريتوزي، مصنوعة من السيليكون والخشب والإسفنج والقماش يتم تحريكها بأعواد معدنية صغيرة، ويحركها على الأقل ثلاثة ممثلين، الأول يحرك الأقدام والثانى يحرك الايدى والثالث يحرك الرأس والجذع وهى مهمة شاقة جدا تحتاج إلى مهارة أدائية وبدنية وعصبية فائقة الاحترافية، نجح فيها الأبطال بامتياز.

أما التحدى الثالث فهو أن أبطال العمل ليسوا محركى عرائس فى الأساس ولكنهم ممثلون فى المسرح الوطنى خاضوا تلك التجربة بكثير من التدريب على تحريك العرائس، وفى تصورى أن هذا هو أحد أهم أسرار نجاح العرض، خاصة أن المخرج/ الدراماتورج بنى رؤيته على المزج بين الأداء البشرى والأداء العرائسي، بمعنى أن كل دور يؤديه ممثل وعروسة ويتناوبان معا الحوار المسرحى لنفس الشخصية، وهو ما يمنع تسرب الملل من جهة، ويثرى الدراما بسبب توحد الممثل مع العروسة من جهة أخرى، بل تم تصميم عروسة كل شخصية بنفس ملامح الممثل المؤدى لها، وهو ما يحقق للمتفرج فكرة الربط بين العروسة وممثلها، خاصة مع الأزياء المصممة والمنفذة بدقة تاريخية تناسب الأحداث فيما يخص العرائس، بينما يرتدى الممثلون ملابس سوداء تمنح أولوية الرؤية للعرائس الملونة الأزياء، باستثناء شخصية الراوى الذى حرره المخرج وأطلقه فى كل انحاء خشبة المسرح ومنحه قناعا يرتديه ويخلعه حسب الحاجة بدلا من العروسة، وذلك بسبب مهمته فى اختزال الأحداث واختصارها والتعليق عليها، وهو ما أبدع فيه الممثل بكثير من الحيوية والمرح.


بقى التحدى الرابع وهو سينوغرافيا العرض للأحداث التى تدور فى مدينة البندقية، واختزلها مصمم السينوغرافيا بيتر أوتسخيلى فى مدرج نصف دائرى يشبه المدرج اليونانى القديم، يتم تحريكه من المنتصف بحسب مقتضيات الأحداث، وتتوسطه خشبة دائرية الحركة أيضا، ورغم صغر حجم قطعة الديكور مقارنة بحجم خشبة مسرح العرائس فإن الإضاءة لعبت دورا مهما فى تسليط الضوء على اماكن الأحداث فقط وإظلام باقى أنحاء الخشبة ليستحوذ العمل على نظر المتفرج طول الوقت بلا تشتيت.

وتكمن عذوبة العمل فى الأداء التمثيلى الرفيع المستوى للممثلين وتناغمهم الشديد فى تحريك العرائس بكل احترافية رغم ازدحام بعض المشاهد بأكثر من عروسة، بالإضافة إلى التكوينات المسرحية التى صاغها المخرج بشاعرية آسرة مثل مشاهد غواية ياجو لعطيل وملاحقته له بالوقوف على أكتافه، ومشاهد عطيل وديدمونة الرومانسية، ومشهد تأرجح ديدمونة على أرجوحة معدنية مرتدية فستانا أبيض، مؤكدا فكرة عفتها وبراءتها من تهمة الخيانة، وتلويح الراوى بمنديل ديدمونة كدليل إدانة استخدمه ياجو ظلما، وهكذا.

العرض يقدم درسا فى المزج بين العرائس والممثل ويؤكد ضرورة تطوير تقنيات صناعة وتحريك العروسة، وأداء محركى مسرح القاهرة للعرائس بحصولهم على تدريبات فى الأداء التمثيلى لتقديم روائع المسرح العالمى، خاصة مع حالة النشاط الملحوظ التى سادت المسرح بعد تولى د. أسامة محمد على إدارته، واستقباله الحافل لضيوف ومتفرجى المهرجان بأعمال عرائسية غنائية قدمها محركو العرائس المصريون فى مدخل المسرح، منحت هذا المكان رونقا وبريقا غاب عنه لسنوات طويلة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق