رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«البحيرة للفنون الشعبية».. إرث حضارى ضد النسيان

البحيرة ــ أمل سرور
فرقة البحيرة للفنون الشعبية

قصاصة من صحيفة «الأهرام» يرجع تاريخها إلى عام 1971، كانت كفيلة بإحياء ذكرى قوامها النغمات والحضور المسرحى المطعم بمخزون تراثى وحضارى راق قبل كتابة هذه السطور. ذكرى قيام «فرقة البحيرة للفنون الشعبية» قبل 59 عاما . تلك الفرقة التى كانت من أقدم وأنجح فرق الفنون الشعبية فى مصر، إذ قامت أركانها عام 1964، بدعم وتوجيه من الراحل وجيه أباظة( 1917- 1994) الذى شغل منصب محافظ البحيرة بين عامى (1960 و 1968).


فرقة البحيرة فى لقطة تذكارية أمام «القلعة» بالقاهرة

جسدت الفرقة وقت ظهورها إرثا ثقافيا وحضاريا كبيرا، من خلال ألوان الفن الشعبى الفطرى الذى قدمته بجميع ألوانه وأنواعه، من أغان ورقصات وغير ذلك. ونجحت عن طريق عروضها نجاحا باهرا فى الحفاظ على أدق التفاصيل، وذلك فيما يخص الأزياء والألوان المعتمدة وغير ذلك. جابت الفرقة جميع المحافظات والمهرجانات الإقليمية، وكانت خير سفير لمصر فى مختلف بلدان العالم، لتحصد مئات الجوائز التى أهدتها للدولة ووزارة الثقافة المصرية. لكن فجأة ودون مقدمات اختفت وتبعثر شبابها وفتياتها، رافعة شعار «فص ملح وذاب»، ترى لماذا اندثرت؟، وهل طوى التراب تاريخها؟، وأين مديرها وراقصوها؟، ولماذا لم يعد أحد يسمع عنها شيئا؟، وهى التى لم تكن تخلو الصحف المحلية والعالمية من أخبارها.


فرقة البحيرة فى صورة أخرى أمام الأهرامات

 

أسئلة وعلامات استفهام كثيرة دفعت عملية البحث التى ألهمت بها القصاصة الصحفية، حتى كان الظن أن البحث الواقع يجرى - كما يقولون- عن «إبرة فى كوم قش»، لولا هناء خضر مدير مكتب المدير العام بفرع ثقافة البحيرة التى جاءت بإجابة لتلك الحيرة بقولها: «محمد فتحى السنوسى»، قبل أن تشرح أن صاحب هذا الاسم يعتبر حامل تاريخ وتراث «فرقة البحيرة للفنون الشعبية». وبعد الحصول على رقم هاتفه، كان الاتصال به، ليأتى صوت السنوسى مرحبا باللقاء والحديث.

وعند اللقاء، يتضح أن وصفه بحامل تاريخ وتراث الفرقة يعد دقيقا. فمنذ اللحظة الأولى باللقاء، يتضح أن محدثه يجلس أمام التاريخ نفسه، فكل تجعيدة من تجاعيد الزمن التى حُفرت فى وجهه تحمل معها حكاية تحمل رائحة الزمن الأصيل.

ليلى مراد وراء إنشائها

وبحب بل وبعشق، بدأ السنوسى الذى تقلد منصب مدير فرقة الفنون الشعبية عام ـ 1998 ـ حديثه عن بيته الأول، ألا وهو « فرقة البحيرة للفنون الشعبية». يُنسب السنوسى الفضل فى تكوين الفرقة للراحل وجيه أباظة، الذى كان متزوجا وقتها من العظيمة الراحلة ليلى مراد(1918- 1995).


الفرقة بفنانيها ومسئوليها فى صورة مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يوم زيارته

ويروى السنوسى كيف ذهب الاثنان، أباظة وليلى مراد، لحضور عرض لفرقة رضا للفنون الشعبية فى مسرح البالون. وبعدها أقنعته بأن تكون هناك فرقة مثيلة تابعة لوزارة الثقافة فى دمنهور، عاصمة محافظة البحيرة. وساعدته فى إنشاء الفرقة، وأرسلت له بالفعل مجموعة متفردة من المصممين والفنانين، وانطلقت الفرقة عام 1964.

ووفقا لرواية السنوسى، أوضح كيف أن ليلى مراد أرسلت الدكتور حسن خيرى، مصمم الرقصات المشهور، الذى عقد جلسات مكثفة لتدريب أعضاء الفرقة من شباب التدريب المهنى، الذى كان يحتضن المتسربين من التعليم، ليكون منهم جميعا فرقه للفنون الشعبية. وأقاموا «بروفاتهم» على مسرح التدريب المهنى.

وبدأت «البحيرة للفنون الشعبية»، مسيرة شهدت الكثير من المحطات والوقائع الفارقة، مثل ما كان من زيارة كوكب الشرق السيدة أم كلثوم(1898-1975) وحضورها إحدى حفلات الفرقة، عندما كانت تجوب محافظات مصر من أجل دعم المجهود الحربى. وكذلك ما كان من دعم وتشجيع الرئيس جمال عبد الناصر(1918-1970) للفرقة عندما قدمت استعراضاتها أمامه فى احتفالات الثورة.

عبد الحميد توفيق مديرا

ويستكمل السنوسى رواية تاريخ الفرقة، قائلا: «بدأت الفرقة يذيع صيتها ونجحت نجاحا باهرا وانطلقت خارج مصر لتقديم استعراضاتها. وكان الاتحاد السوفيتى –فى ذلك الوقت- أول محطة لها عام 1968، ومنها إلى الكويت ومختلف بلدان العالم».


راقصو وراقصات فرقة البحيرة فى أحد عروضهم خارج مصر

ويوضح السنوسى: « كان الأستاذ والمؤرخ الموسيقى عبد الحميد توفيق زكى ( 1917- 1998) هو أول مدير حقيقى لفرقة البحيرة للفنون الشعبية. وللأسف تولى من بعده مجموعة ليست متخصصة فى إدارة الفن الشعبى فتوقفت سنوات، وكانت آخر رحلة للفرقة إلى محافظة مرسى مطروح. لاحقا تمت إعادة تشكيلها ، بمجموعة من شباب مركز التدريب المهنى كالعمال والصناع، وبدأ عدد من المصممين يزورونها من القاهرة، مثل الراحل كمال نعيم وحسن خليل».

لكن يرى السنوسى أن التشكيل الثانى للفرقة واجه خطأ أدى إلى الإضرار بها، فيقول: « الغلطة الكبرى كانت فى إعادة تشكيل الفرقة من بعض الشباب غير المؤهلين فكريا وسلوكيا واجتماعيا، فلم يكونوا واجهة لتمثيل مصر خاصة بالخارج».

مراحل من التوقف والاستئناف

ويتحدث السنوسى عن الفترة التى تولاها كمدير للفرقة - وتحديدا بين عامى 1998 و2007 – فيقول: «أول شىء قمت به هو تقديم الدم الجديد من الراقصين والراقصات حاملى المؤهلات، والذين كانوا يتمتعون بموهبة اكتشفتها من خلال مجموعة من الاختبارات، وحرصت على أن يكون هناك تناغم فيما بينهم ومع أحداث القصة والاستعراض، بدءا من تناسق الجسم والشكل».


قصاصة الإعلان الأهرامى الذى اعاد ذكرى الفرقة المنسية

ويروى: «جاء لنا مصمم استعراضات رائع من القاهرة رحمة الله عليه، هو سمير جابر، الذى كان مصمما بالفرقة القومية للفنون الشعبية، وهو الأخ الأكبر للدكتورة لميس جابر. وبدأنا فى انطلاقة جديدة. وكانت أول رحلة لنا إلى تركيا فى المهرجان الدولى للفنون الشعبية، وحصدنا هناك درع المهرجان وهى الجائزة الأولى. وفى نفس العام، شاركنا فى مهرجان الإسماعيلية الدولى للفنون الشعبية، وحصلنا فيه على شهادة تقدير وكأس المهرجان، وهناك قابلنى مدير فرقة ( فانيا) فى بولندا، ووجه لنا الدعوة للمشاركة فى مهرجان الفنون الشعبية فى بلاده، وبالفعل حصلنا عام 2006 على كأس العالم أمام 33 دولة، وهناك حصلت فرقة البحيرة للفنون الشعبية على نسبة 98٫2 من إجمالى الأصوات بأنها أفضل فرقة استعراضية، وأربع شهادات تقدير، أحسن مدير، وأحسن فرقة، وأحسن راقص، وأحسن راقصة. ومن قبلها حصلت على وسام فارس وميدالية استرافا فى مهرجان بجمهورية التشيك عام 2000».


محمد فتحى السنوسى

وفى عز النجاح قرر السنوسى ترك الفرقة. ويستكمل بحزن شديد، قائلا: «توقفت الفرقة سنوات كثيرة، ومن عام 2007 إلى 2012 قاموا ببعض الأنشطة، ولكن فى عام 2017 توقفت تماما. ومنذ أشهر قليلة هاتفنى محمد مصطفى البسيونى، مدير دار الثقافة فى دمنهور، وأبلغنى أنه ينوى إعادة تشكيل الفرقة، وطلب منى أن أضع يدى معهم، ومن يومها لم يحدث شىء».

«أنا فى انتظار ساعة الصفر ونقطة الانطلاق وسأكون الخادم المطيع، لا أريد شيئا أو مقابلا ماديا، فقط أريد للروح أن تدب فى جسد ابنتى .. فرقة البحيرة للفنون الشعبية».. فهل يتحقق حلم السنوسي؟

 

أبطال « مولد يا دنيا»

 

من أكثر ما يميز «فرقة البحيرة للفنون الشعبية» أنها قدمت العديد من الاستعراضات والرقصات الفلكلورية التى تعبر عن البيئة البحراوية الأصيلة وتوثق عاداتها وتاريخها.

ومن أشهر هذه التابلوهات الراقصة، «تابلوه الأرز الرشيدى»، وكذلك «بنت رشيد» و«عرب الدلنجات»، و«السقايين»، و«الفرح الفلاحى»، و«المنهورية»، و«الصيادين»، و«فخار بلدنا».


ولكنها أيضا قدمت صورا استعراضية من التراث الشعبى لأقاليم مصر الأخرى، مثل «تابلوه هريدى الصعيدى»، و «أفراح النوبة»، و«جدعان بحرى»، و «الحجالة» لعرب مطروح.

شاركت الفرقة فى عدد من الأعمال السينمائية مثل فيلم «شقة مفروشة» بطولة ماجدة الخطيب وتم طرحه عام 1970. وكذلك الفيلم الإيطالى المصرى المشترك «الخيال» والذى ظهر به أعضاء الفرقة ليكونوا مثال الحضور المصرى الوحيد بين الممثلين والمؤدين، إذ كان فريق الممثلين كله من الإيطاليين.

وحسب المدير السابق للفرقة، محمد فتحى السنوسى، فإن الفرقة كانت ملهمة لأحداث فيلم «مولد يا دنيا» الذى يدور حول صعوبات تواجه فرقة للفنون الشعبية والرقص الاستعراضى. و«مولد يا دنيا» من إخراج حسين كمال وتم إنتاجه عام 1976.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق