-
د. محمود مهنا: تكافل مجتمعى.. وبركة فى المال والعمر
-
د. السعيد محمد: تدعم مبادرات الخير لنجدة المحتاجين
«برهان واضح على صدق الإيمان، ولها منافع كثيرة للفرد والمجتمع، فهى خيرٌ لا ينقطع».. هكذا يصف علماء الدين الصدقة، مؤكدين أن لها تأثيرا كبيرا فى تخفيف المعاناة عن غير القادرين، خاصة فى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، موضحين أنه من أحب الصدقات إلى الله ما يُنفق فى أوقات شدة الاحتياج، الأمر الذى يدعونا إلى التكاتف والتكافل لمساعدة المتضررين والفقراء والمساكين، ويوجب على كل فرد أن يتفقد بالمواساة والمساعدة كل من حوله، خاصة أهله ومعارفه، مما يسهم فى تخفيف أعباء الحياة عنهم.
ويوضح العلماء أن السلف الصالح كانوا يبذلون أموالهم فى سبيل الله إيماناً منهم بالعوض من الله الكريم، فهذا يحيى بن معاذ الرازى يقول: «عجبت ممن يبقى معه مالاً، وهو يسمع قوله تعالى: «إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ»، ويقول ابن كثير فى قوله تعالى: «وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ»، يخلفه عليكم فى الدنيا بالبذل، وفى الآخرة بالجزاء والثواب.
فى البداية يرى الدكتور محمود مهنا، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن الصدقة تكافل مجتمعى، وأنها تبارك فى المال والعمر، وتقى مصارع السوء، خاصة لذوى الأرحام، والمستحقين الثمانية الذين ذكرهم الله تعالى فى كتابه العزيز بقوله:«إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ».
ويوضح أن صاحب الصدقة يُبارك له فى ماله، كما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: «ما نقصت صدقة من مال»، وهى أيضا حساب مفتوح عند الله يربيه ويزيده، قال تعالى: «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ»، والصدقة تقع فى يد الله. قال سبحانه: «أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».
ويضيف د. مهنا أنه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلا ما تصدق به، فقد سأل النبى صلى الله عليه وسلم عائشة، رضى الله عنها، عن الشاة التى ذبحوها ما بقى منها؟ قالت: ما بقى منها إلا كتفها، فقال صلى الله عليه وسلم: «بقى كلها غير كتفها»، والأحاديث الدالة على فضل الصدقة كثيرة.
آداب الصدقة
ويحدد من آداب الصدقة أن تكون من منبع حلال، وفى السر، وتجوز فى العلن، إذا كان من وراء ذلك الحث على التصدق والتذكير، وألا يمنَّ المتصدق على المتصدق عليه، وإن أعلن فيعلم الأخير بأنها هدية ولا يشعره بأنه محتاج، وعلى المتصدق أن يتتبع المحتاجين حقا حتى تصل إليهم الصدقة، بدلا من أن تصل لغير المستحقين.
ويشير إلى أنه يجب على المتصدق أيضا أن يختار أجود وأفضل ما يُوجد لديه ليتصدق به، كما قال الله تعالى فى كتابه العزيز :«لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ»، موضحا أن الصدقة تقع فى يد الله تعالى قبل أن تقع فى يد الفقير، وأن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه تمنى أن يكون عنده مثل جبل «أُحد» ذهبا ليخرجه كله فى سبيل الله تعالى.
مشروعات خيرية
ويطالب الدكتور السعيد محمد على، من علماء الأوقاف، القادرين، والأثرياء وأصحاب الأموال الوفيرة، بكفالة الفقراء والمساكين، ودعم المشروعات والمبادرات الخيرية، مما يسهم فى تخفيف الأعباء عن المحتاجين، حتى يعم الرخاء والتنمية كل أفراد المجتمع، مضيفا أن الصدقة فى السر أفضل من العلانية، حماية للمتصدق، ولعدم إحراجه.
ويتابع أن الله تعالى يقول:«إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ»، يقول المفسرون فى تفسير هذه الآية: إن صدقة التطوع الأصح فيها الإخفاء عن الإظهار، لعدم التباهى، والبعد عن الرياء، وهى من باب تعزيز الزكاة ودورها فى كفالة اليتامى وقضاء حوائح الفقراء والمساكين، وقد بين الله سبحانه أن من المؤمنين المفلحين الذين يؤدون الزكاة، فى قوله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ».
ويوضح الدكتور السعيد أن بعض العلماء يرى أن الأفضلية للإخفاء خاصة للفقراء فى كل إنفاق سواء كان واجبا مثل الزكاة أو التطوع مثل الصدقة، وفى ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله». منهم «رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»، فإذا كان الأمر يتعلق بإقامة مشروعات خيرية، فلا مانع أن تكون علانية، حتى تكون فيها تنافسية ومسارعة فى فعل الخيرات، من باب التحفيز، فلا بأس، ولا حرج.
رابط دائم: