رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أعمال على خُطى الحج

تحقيق :حسـنى كمـال [ إشراف - خالد أحمد المطعنى ]
دعم الأسر الفقيرة من أبواب الخير التى حث عليها الشرع

المحافظة على الصلوات ومساعدة الفقراء والإنفاق فى وجوه الخير من أفضل الطاعات

 

  • د. الغريب: كفاية المحتاجين لها الأولوية بحسب فقه الضرورات
  • د. حفظى: إذا كثرت الحقوق فى المال تُقدَّم المصلحة العامة

 

 

«أعمال وطاعات على خُطى الحج فى الثواب، لكنها لا تسقط الفريضة».. إنها أبواب الخير والأعمال التى ينال بها - من يريدون تكرار أداء فريضة الحج - الثواب من الله تعالى، حسبما يؤكد عدد من علماء الدين، موضحين أن منها ما هو قولى كالذكر، وما هو فعلى كالمحافظة على أداء الصلوات فى أوقاتها، والإنفاق فى وجوه الخير، وبر الوالدين، وغيرها من الأعمال؛ باعتبارها من أفضل الطاعات.

وينصحون من يفضلون تكرار الحج والعمرة، بأن يتجهوا بأموالهم إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين، مؤكدين أن ديننا الحنيف قد حثنا على ذلك، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما آمن بى من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به»، فكيف له أن يتنعم بتكرار الحج والعمرة؟، مشددين على ضرورة أن نطهر أموالنا أولاً بالزكاة قبل تكرار أداء فريضة الحج المباركة.  

 

الدكتور عبدالغنى الغريب، أستاذ العقيدة والفلسفة، بجامعة الأزهر، يقول: فى ظل التغيرات الاقتصادية، وارتفاع الأسعار عالميا، يحث الإسلام الحنيف أتباعه على أن يتجهوا إلى أبواب الخير، فمنها ما يعدل ثواب الحج والعمرة، لمن لم يستطع إليهما سبيلا، كالنية الصادقة والعزم على الحج والعمرة متى تيسرا، فالعبد بنيته الصادقة يحصل ثواب العبادة التى لم يستطع أداءها، أو حال بينه وبين أدائها حائل، والحج والعمرة من جملة هذه العبادات.

ويضيف أن بر الوالدين من الأعمال التى يعدل ثوابها ثواب الحج المتكرر والعمرة؛ فقد أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّى أَشْتَهِى الْجِهَادَ، وَإِنِّى لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ وَالِدَيْكَ؟ قَالَ: أُمِّى، قَالَ: فَاتَّقِ اللهَ فِيهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ، وَمُجَاهِدٌ، فَإِذَا دَعَتْكَ أُمُّكَ فَاتَّقِ اللهَ وَبِرَّهَا»، كما أن لجلسة الذكر بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس وصلاة الضحى ثوابا كبيرا؛ وقد بيَّن النبى صلى الله عليه وسلم، ثواب ذلك، وأخبر أن ثوابها كثواب الحجة والعمرة.


د. عبدالغنى الغريب - د. محروس حفظى

فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِى جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ، وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ»، وأيضا من الأعمال التى يعدل ثوابها ثواب الحج أداء الصلاة المكتوبة فى المسجد؛ إذ قَالَ صلى الله عليه وسلم:»مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِى عِلِّيِّينَ».

ويضرب د.الغريب المثل أيضا بالتسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلوات؛ فعن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: «جاءَ الفُقَراءُ إلى النبيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالوا: ذَهَبَ أهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأمْوالِ بالدَّرَجاتِ العُلا، والنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كما نُصَلِّى، ويَصُومُونَ كما نَصُومُ، ولَهُمْ فَضْلٌ مِن أمْوالٍ يَحُجُّونَ بها، ويَعْتَمِرُونَ، ويُجاهِدُونَ، ويَتَصَدَّقُونَ، قالَ: ألا أُحَدِّثُكُمْ إنْ أخَذْتُمْ أدْرَكْتُمْ مَن سَبَقَكُمْ ولَمْ يُدْرِكْكُمْ أحَدٌ بَعْدَكُمْ، وكُنْتُمْ خَيْرَ مَن أنتُمْ بيْنَ ظَهْرانَيْهِ إلَّا مَن عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وتَحْمَدُونَ وتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فاخْتَلَفْنا بيْنَنا، فقالَ بَعْضُنا: نُسَبِّحُ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، ونَحْمَدُ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، ونُكَبِّرُ أرْبَعًا وثَلاثِينَ، فَرَجَعْتُ إلَيْهِ، فقالَ: تَقُولُ: سُبْحانَ اللَّهِ، والحَمْدُ لِلَّهِ، واللَّهُ أكْبَرُ، حتَّى يَكونَ منهنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاثًا وثَلاثِينَ»؛ فهى فرص منحها الله لمن لم يستطع الحج.

فقه الأولويات

ويشدد على أن تكرار الحج أو العمرة من الأمور العظيمة التى ينال بها المسلم ثوابا عظيما، وبناء عليه، ينصح كل من يتطوع بالحج أو العمرة، ألا يضن بإخراج الزكاة المفروضة عليه، ويقول إن الأولى من إنفاق المال فى تكرار الحج والعمرة أن يطهره أولاً بالزكاة، وأن يساعد المحتاجين، فهذا أيضا من الفروض التى افترضها الله علينا.

ويدعو إلى مراعاة فقه الضروريات والأولويات، موضحا أن هناك فروضا ونوافل، وأن أداء الفرض -باتفاق العلماء- مقدم على النافلة، وأن تكرار الحج والعمرة من النوافل، وأن إخراج الزكاة، والإنفاق على الفقراء والمساكين من الفروض، فلا يصح تأخير الفرض، وتقديم النافلة عليه.

ويستند إلى أن الشرع الحنيف قد راعى ترتيب الأولويات؛ فأمر عند التعارض بتقديم المصلحة المتعدية على القاصرة، والعامة على الخاصة، والناجزة على المتوقعة، والمتيقنة على الموهومة، وأن الفقهاء قرروا فى قواعد الفقه أن العبادة المتعدية أفضل من القاصرة، ومن نازع منهم فى ذلك لم يختلف فى أن التفاضل بين الطاعات إنما يكون على قدر المصالح الناشئة عنها، وأن الصدقة فى هذه الأوقات عبادة متعدية إلى الغير، ولا يليق ترك الفقراء فى حسرات، لا سيما فى أيام الغلاء، وضيق الأقوات.

فى السياق ذاته، يؤكد الدكتور محروس رمضان  حفظى، مدرس التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين والدعوة بأسيوط، أن تكرار الحج والعمرة لا مانع منه، لكن بشرط أن نعى فقه المقاصد، وفقه الأولويات، وأن نراعى الواقع كى نطبقه فى حياتنا، فالأولى أن تقدم حاجات الفقراء الذين هم فى مسيس الحاجة إلى ما يؤويهم، ويسد رمقهم، وما يستعينون به على قضاء حوائجهم الضرورية، وكذا المرضى الذين قد تتوقف حياتهم على جرعة دواء.

ويرى أن هذا الفهم يتفق مع القاعدة الأصولية التى تقول: (الحقوق والواجبات إذا تكاثرت وتزاحمت فى أموال المكلفين، تُقدَّم المصلحة العامة على الخاصة)، مضيفا: «يا من حججت مرة واحدة سقط عنك الفرض، وبادر بدفع زكاة مالك كاملة، وساعد فى سد حاجة الفقير الذى يعيش حولك، فإن أردت تكرار الحج بعد ذلك فلا ملامة عليك».

ويوضح د. محروس أن أبواب التطوع بالأعمال لا تُحد ولا تُعد، وأن الله قد وسع فيها على عباده، وأن المُوفق الفَطِن هو الذى يتخير منها ما يناسب حاله، ومجتمعه، وأن أعظمها على الإطلاق ما جاء فى قول رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِى عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِى فِى حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِى هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا فِى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَضَبَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِى حَاجَةٍ حَتَّى تَتَهَيَّأَ لَهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامُ».

كما تشمل أبواب الخير -وفق د. محروس- تقديم العون والمساعدة فى الخدمات الأساسية والمشروعات الخيرية التى تعم المجتمع بأسره «فمصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان، فصدق النية، هى الأساس فى ذلك، فحينما تصدق الله يصدقك الله».

تصحيح المفاهيم

من جهتها، تطالب الدكتورة شفيقة الشهاوى، أستاذة الفقه المقارن وعميدة كلية الدراسات الإسلامية بنات بالقاهرة، بتكثيف حملات التوعية لتصحيح المفاهيم الخاطئة لدى البعض، ممن لديهم فهم غير صحيح فى الثقافة الدينية، وذلك من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ووسائل التواصل الاجتماعى، بتسليط الضوء على مثل هذه القضايا؛ حتى يحثوا الأغنياء والقادرين على الوقوف إلى جانب المحتاجين، من باب التكافل والتراحم.

وتضيف أن الحج فريضة على كل مسلم مستطيع مرة واحدة، فمن لديه القدرة المالية والبدنية وكان بالغًا عاقلا؛ وجب عليه الحج، فإن قام به أسقط الفريضة عن نفسه، أما حج النافلة أو عمرة التطوع، فالأصل فيه أنه من أفضل الطاعات فى الظروف العادية، أما فى ظل الظروف السيئة التى تطال العالم الآن، حيث يعج المجتمع بالفقراء والمحتاجين والغارمين وغير القادرين، فقد أصبحت تكلفة الحج باهظةً لا يستطيعها كلُّ من عليه أداء الفريضة، بينما هناك قطاع من أفراد المجتمع اعتاد أن يحج كل عام، بينما يمكن لهذه التكلفة أن تحل أزمة مئات الأشخاص من المكبلين بالديون.

وتذهب إلى أنه يجوز إنفاق مال حج النافلة فى كفاية الفقير، ومواساة المحتاج، وعلاج المريض، وتزويج غير القادرين، وتعهد من لا يجدون مأوى من المسنين والضعفاء، وكذلك إدخال السرور على المسلم وغيره فى هذه الأيام، بشراء ملابس العيد أو مستلزماته، فذلك خير من تكرار الحج.

وتختتم حديثها: «لو فعل ذلك من يحجون حجًّا متكررًا لكفوا قرًى وأحياءً بأكملها ممن يعانون الحاجة والمرض، وإذا كان لا محالة المرء ذاهبًا، فليذهب كل خمس سنوات لإفساح المجال لمن لم يحج الفريضة، خاصة فى هذا الزمن، إذ ربما يؤدى عزوف هذه الطبقة إلى خفض تكاليف الحج، وبالتالى يمنح الفرصة لغير القادرين لأداء هذه الفريضة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق