رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أحمد عبدالمعطى حجازى.. شـاعر الكلمـة والحـياة

د. رضا عطية

فى شعر أحمد عبدالمعطى حجازى، احتفاء جارف بالحياة وتمثُّل مرهف لنبضها وتجاوب فاعل مع حركتها العارمة، وفى شعره أيضًا رؤية خاصة عن الشعر نفسه وتصوُّر فكرى وجمالى للكلمة ودورها الواجب على الشاعر أن يؤديه فى حق الشعر وحق الحياة عليه، ثمة علاقة تربط الشاعر بالكلمة التى هى وحدة القول الشعرى وبالحياة فى تعبيره عنها وسعيه ليوتوبيا منشودة لهذا العالم والحياة والإنسانية.

ثمة وعى مبكر لدى حجازى تبدى من قصائده الأولى، بوظيفة الشعر ودوره فى صياغة وعى الجماهير وقيادة الجماعة، فى مقابل المنتظر من الجمهور إزاء الشعر بوصفه رسالة جمالية وفكرية، كما فى قصيدة «لمن نغنى؟!» من ديوانه الأول، مدينة بلا قلب، وكما يتبدَّى من العنوان «لمن نغني؟!» أن ثمة تساؤلا دائما عن الفئة المستهدفة من الخطاب الشعرى، وأنَّ الشعر غناء، أى تعبير ذاتى يحمل بصمة الشاعر ويستهدف جمهورًا ينشده غناءه، يقول حجازى:

«كلماتنا مصلوبةٌ فوق الورقْ/

لـمّا تزل طينا ضريرا، ليس فى جنبيه روحْ/

وأنا أريد لها الحياة/

وأنا أريد لها الحياة على الشفاه/

تمضى بها شفةٌ إلى شفةٍ، فتولد من جديدْ!».

الشعر عند حجازى هو حلم بالكلمة ومن أجل الكلمة، هو رغبة فى تحرير الكلمة وبث الروح والحياة فيها بانتقالها من طور التدوين الكتابى على الورق إلى الفاعلية والتأثير فى الناس. فبقاء الكلمة الشعرية على الورق دون وصولها للناس هو موات لها، أما الشاعر فيريد للشاعر التحقق التداولى بتناقله الشفاهى حتى يُكتب له الحياة، ما يكشف عن تمسُّك حجازى بالبعد الإنشادى للشعر كفن قولى يرتكز على دعائم موسيقية، كما يتضح وعى الشاعر الحداثى بدور التلقى «جمهور الشعر» فى منح النص الشعرى الحياة والاستمرارية، وهو ما يتساوق مع الوعى الحداثى الجديد بشراكة المتلقى ودوره فى إنتاج النص وتوليد دلالاته مع مؤلِّف النص الإبداعى.

فى خطاب أحمد عبدالمعطى حجازى الشعرى يتبدى رثاءٌ أسيفٌ للكلمة، كما فى قصيدة «دفاع عن الكلمة» من ديوان مدينة بلا قلب:

«تلك الكلماتُ الحلوةُ، ماتت فى شفةِ الخائن/

ما عادت فصحى/ ما عادت تعصف بالقراء/ ما عادت تَلِدُ الجرحَا/ والسيفُ إذا دخل المعركةَ الخاسرةَ تبلَّدْ/ صار عصا فى كفِّ الملحدْ».

ثمة تنديد حاد بحالة الزيف والازدواجية بين الكلمات الحلوة التى يرددها الخائن، فتموت، لتخلى الشعراء عن «أمانة الكلمة»، فيرصد الوعى النقدى للشاعر تراجع دور الكلمة وفقدانها الفاعلية والتأثير وحتى الفصاحة، فى إشارة لابتذال الكلمة وتردى الشعر، وكأنَّ الرؤية الشعرية تقرن بين خيانة الشعراء للكلمة وفساد المسؤولين عنها، بترديها فنيًّا، حيث يرى الشاعر أن نجاعة الكلمة وقيمتها تكمن فى عصفها بالقراء، أى فاعليتها التثورية المزلزلة لوعيهم القديم والمعبِّرة عن جراحهم ومواجعهم.

فى أشعار حجازى الأخيرة نبرة نقد لهروب الشعراء من الواقع واعتمادهم موضة التغريب اللغوى وإسرافهم فى الغموض مجاراة لبعض مقولات ما بعد الحداثة التى تذهب بأن يكون الفن عمومًا عملاً غامضًا وبلا دلالة محسومة أو واضحة، كما قصيدته، «قصيدة الغسق»، من ديوانه قبل الأخير، أشجار الأسمنت، التى كتبها حجازى، كما أشار فى عتبة القصيدة الافتتاحية، «إلى الصبى الفلسطينى الذى عاد إلى بلاده فى طيارة من ورق» فى العام 1988، يتبدى وعى الشاعر بضرورة ارتباط الشعر بالواقع:

«نستطيع إذن أن نطير إليها/ كما طار هذا الصبى النزق/ نستطيع إذاً أن نتم قصيدتَهُ/نتعلم رقصتَهُ/ فى سديم الغسق».

يبدو الشعر فى وعى حجازى امتدادًا للواقع واستكمالاً له واستئنافًا لأحداثه، ليكون الواقع ملهمًا للشاعر ومُحرِّكًا للشعر، فتمسى أحداث الواقع، كطيران الصبى الفلسطينى إلى بلاده بواسطة منطاد بمثابة قصيدة تسعى للتمام ويكون عمل الشاعر الذى يستلهم الحدث وينفعل به هو استكماله جماليًّا، فالشعر هو إعادة إنتاج الواقع مشحونًا بالعناصر الجمالية والدلالات الرمزية، ومحمَّلاً برؤية الشاعر للعالم، وإعادة تمثُّل لأحداثه؛ لذا يؤكِّد حجازى الحاجة إلى الشعر:

«نحن فى حاجةٍ لورقْ!/ فالقصيدةُ أبسط من نقطةٍ فى البياضِ،/ القصيدةُ ملحٌ، ونضحُ عرقْ/ وخيوطٌ نشدُّ بها ريشنا القزحيَّ،/ القصيدةُ موتٌ قصيرٌ يعود بنا لطفولتِنا/

ويسرِّبنا فى المساءِ الدَّبِقْ/

نحن فى حاجةٍ للهواء الذى سيجىءُ من البحرِ،/

حين يرانا نعاودُ هذا الأفقْ/

لنسيمٍ خفيفٍ نشبُّ عليه،/ وقطعةِ غيمٍ تسيرُ الهوينى بنا،/ ثم تهبطُ فى بقعةٍ من شفقْ».

يؤكِّد الشاعر بساطة القصيدة وعدم احتياجها لتعقيدات بعض الشعراء ممن يكتبون الشعر، وتكشف استعارة: «القصيدةُ ملحٌ، ونضحُ عرقْ» عن ضرورة أن تكون القصيدة وليدة معاناة طبيعية أو بأثر فعل إنسانى أو موقف ما تنطلق منه، أما الاستعارة التالية عليها: «وخيوطٌ نشدُّ بها ريشنا القزحىَّ» فتبرز العمل التجاوزى للشعر بالتحليق بالذات الإنسانية فى آفاق مجاوزة من الحلم، فعالم الشعر هو الذى يصل عالم الواقع بعوالم الخيال والحلم، فيكون بإمكان الذوات عبر القصيدة استرداد طفولتهم وكسر حواجز الزمن. يعلن الشاعر عن حاجة الشعراء إلى العالم الذى يعيشونه، فالواقع المحيط بهم هو المحفِّز على كتابة الشعر والملهم لإبداعهم كى ينطلق منه، فالشعر فى تصوُّر أحمد عبدالمعطى حجازى هو ابن الواقع وتمثيل جمالى له ونتاج لاستلهامات الشاعر لظواهره، ومواقف الحياة وأحداثها:

«يا إلهى! وإخوتنا الشعراء يسيرون من نفقٍ لنفقْ/ لهمو لغةٌ لا تؤدى إلى أفُقٍ/

ولهم ورقٌ يحترقْ!».

ينعى الشاعر على الشعراء انفصامهم عن الواقع والآفاق العامرة بالجمال والوجود الثرى وسيرهم فى أنفاق منفصلة عن الواقع، وإيغال لغتهم فى التغريب غير المنفتح على أفق يرتبط بالوقع أو بالإنسان وقضاياه، فتعكس استعارة: «يا إلهى! وإخوتنا الشعراء يسيرون من نفقٍ لنفقْ» انعزال الشعراء عن الواقع باستغراقهم فى التهويم اللغوى غير المثمر أو المجدى ما يفضى إلى احتراق ورقهم، أى تبدد جهودهم نتيجة تعاليهم على الواقع وهروبهم منه، فالشاعر يبدو رافضًا ما ذهب إليه عدد من شعراء ما بعد الحداثة بإفراغهم الفن عمومًا والشعر بخاصة من مضمونه وقضاياه ما أفضى على المستوى التعبيرى أدبًا حافلاً بالألغاز وانقطاع العلاقات بين عناصر النص الإبداعى بعضها بالآخر من ناحية والواقع من ناحية أخرى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق