رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى ذكرى رحيله الـ ٧٤
نجيب الريحانى..«الكوميديان الشرقى الأ كبر» الذى رفض مائتى ألف جنيه لصالح الفن

دعاء جلال
اللقاء الأخير الذى جمع بين عمالقة الفن المصرى مع «الريحانى» فى أثناء تصوير أخر أعماله «غزل البنات»

قال عنه صديقه المؤلف المسرحى الكبير بديع خيرى (1893-1966) فى تقديمه لكتاب «مذكرات نجيب الريحانى» - بقلم الفنان نجيب الريحاني-:»لم يكن مجرد ممثل يكسب عيشه من مهنة التمثيل، بل كان فيلسوفا وفنانا، فنانا أصيلا عاش لفنه فقط». هكذا كان الفنان الكبير نجيب الريحاني(1891-1949)، الذى مزج ببراعة بين الدراما والكوميديا. كان قادرا على إدرار الدموع من قلب الضحك. فالموظف البسيط فى البنك الزراعى، ثم شركة السكر بنجع حمادى، لم يكن يعلم فى افتتاحية أيامه أنه سيصبح يوما ما «الكوميديان الشرقى الأكبر» كما وصفه «الأهرام».

وذلك التميز لم يأت من فراغ، فعلى مدار عدة أعوام، تنقل الريحانى عبر عدة مراحل فنية، رصدت «الأهرام» كثيرا منها، كما فى تأليفه وتمثيله بعدة روايات مسرحية، وإبداعه المميز فى عدد من الأشرطة السينمائية البارزة. بل إنها رصدت حتى حيرته التى أفضت إلى رفضه ثروة هبطت عليه من السماء، لأن حصوله عليها كان يعنى أن يهجر الفن. ترد هذه الصور من مسيرة الريحانى بمناسبة حلول الذكرى الـ 74 لوفاته فى الثامن من يونيو عام 1949، وذلك وفقا للأهرام.

عشقه للتمثيل دفعه إلى هجران عائلته، وكذلك دنيا الوظيفة، التى كان يعود إليها من وقت للآخر، قاصدا المال فقط لا غير. لكن رغم كل هذه الصعوبات التى لاقاها، استطاع «نجيب إلياس ريحانة» أن يواصل رحلته الفنية وينتزع تقدير وإعجاب جمهوره. لم تصادف خطواته الفنية الأولى طريقا ممهدا، فالفشل كثيرا ما صاحبه فى البدايات. ولكن النجاح لم يخاصمه طويلا. وكانت «الأهرام» حاضرة فى أوقات نجاح الريحانى، كما جرى عند تقديمه رواية «الحدق يفهم» عام 1917. ويبدو أن هذه الرواية جاءت بعد كثير من التعثر.

نبوغ فى التأليف والتمثيل

ففى عدد الأهرام الصادر بتاريخ 21 مارس 1917، وتحت عنوان «نبوغ شرقى، ابتداع نوع جديد من التمثيل»، ورد نقد رفيع لرواية الريحانى، ومما جاء فيه: «امام جمهور من الغربيين والشرقيين من كل جنس وملة، وبين هتاف استحسانهم وتصفيق اعجابهم بحلول نبوغ شرقى مجتهد فى أحلى بيان، وظهر نجيب افندى الريحانى فى مظهر اعجب كل من رآه، وشهد له بالنبوغ والتفوق والاقتدار، فقد كانت روايته الاخيرة الحدق يفهم احدى البدع واية الآيات، فلا عجب ان خرج رواد مسرح الرينسانس يثنون على الكوميديان الشرقى الاكبر».

ويرد قراءة لأداء الريحانى كمؤلف للرواية، وممثل بها، وذلك كالتالى: «أولا كمؤلف، فقد كتب الريحانى افندى رواية الحدق يفهم بقلم سلس العبارة، فياض المداعبات، ووضعها فى قالب بديع بحسب الظروف، فجاءت طبيعية لا يشوبها عيب، ودل سبكها وتنسيقها على ان مؤلفها نبغ فى فنه وضارع كبار مؤلفى اوروبا، ان لم يكن قد فاقهم».

وعن الريحانى ممثلا، ذكرت «الأهرام»: «كان الريحانى افندى فى دور كشكش بك فوق كل اقتدار وكل احساس، يصفق الجمهور لكل حركة ولكل لفتة من حركاته ولفتاته، فإن نطق ملك القلوب واستلب العقول». وبذكر شخصية «كشكش بيه»، والتى ابتدعها الريحانى وكانت من علامات مسيرته، يحكى الريحانى فى مذكراته: «فى إحدى الليالى، استلقيت على الفراش...، ولست أدرى أكنت فى تلك اللحظة نائما أم مستيقظا، وإنما الذى أؤكده أننى رأيت بعينى رأسى خيالا كالشبح، يرتدى الجبة والقفطان وعلى رأسه عمامة ريفية كبيرة، فقلت فى نفسى:ماذا لو جئنا بشخصية كهذه، وجعلناها عماد رواياتنا». وكانت هذه الليلة هى ليلة ميلاد «كشكش بيه».


الريحانى ومصابنى يوم زفافهما

وفى عام 1923، وردت أنباء نجاح آخر مبهر للريحانى، وذلك من خلال رواية «الليالى الملاح»، وهى من تأليف بديع خيرى، وشاركته فى البطولة الفنانة بديعة مصابنى (1892-1974)، والتى صارت زوجته فيما بعد. تناولت «الأهرام» هذا النجاح فى عددها الصادر بتاريخ 19 مايو 1923 بعنوان «الليالى الملاح»، ومما جاء فى ذلك التناول: «...جادت قريحة المؤلف المصرى بديع افندى خيرى بنوع جاد ومجهود عظيم مبتكر من اجمل قصص الغرب، وهى الف ليلة وليلة، ضمن فى روايته الأولى الليالى الملاح، قصة علاء الدين الخياط مع بدر البدور».

وعن كواليس هذه الرواية، يقول الريحانى فى مذكراته إنه كان يبحث فى تلك الفترة عن رواية ينافس بها الفنانين يوسف وهبى وعزيز عيد، لقرار الأخيرين تكوين فرقة وإنشاء مسرح بشارع عماد الدين. وجاءه صديقه بديع خيرى برواية وصفها بأنها رواية «على قد الحال»، فقد كان خيرى شاعرا وليس مؤلفا، واشترك فى تأليفها شقيق الريحانى الأصغر. وكانت مستوحاة من رواية فرنسية بعنوان «علاء الدين»، من قصص «ألف ليلة وليلة».

ويقول الريحانى عن «الليالى الملاح»: «كانت كلعب الأطفال أو عبث المبتدئين، إلا أننى أحسست فيها ثمرة يمكن اجتناؤها، وأساسا يصح البناء عليه، وإذ ذاك اشتركت مع بديع فى توضيبها».

وبالعودة إلى ما أورده «الأهرام» عن الرواية، وتحديدا ما يتعلق بأداء الريحانى بها، تذكر: «قام نجيب أفندى الريحانى بتمثيل دور نواس، فكان خفيف الحركات لطيف الحديث، لا يحرك ساكنا إلا ويستلقى المتفرج على قفاه ضحكا». والعجيب أن هذا الكوميديان الذى يشهد له «الأهرام» قد اختار طريق الإضحاك مرغما، أو كما قال عنه بديع خيرى: «أجبره جمهوره إجبارا على المسير فى الاتجاه الكوميدى، ..وكان الريحانى يحن من وقت إلى آخر للدراما، ولكنه كان لا يلقى تجاوبا من الجمهور». أما الريحانى فيشرح حبه للدراما من طرف واحد فى مذكراته، فيكتب: «...أصبحت هدفا لسخرية القوم، وتهكم صاحبة الجلالة الصحافة، ...لأننى تجاسرت على قدس الدراما، من غير إحم ولا دستور!!».

«ياقوت».. حل اقترحه الشربينى:

«خير لى أن أقضى نحبى فوق المسرح، من أن أموت على فراشى»، كان هذا جواب نجيب الريحانى على طلب الأطباء له بالابتعاد عن المسرح ستة أشهر، وذلك عند مرضه عام 1942، وذلك للحفاظ على صحته. صاحب هذا الجواب القاطع أمام نصيحة الأطباء، ما كان يتنازل عن الفن بسبب وصية تركها له أحد أقربائه بعد وفاته، وطالبه فيها بترك الفن مقابل نيل ثروة قيمتها مائتا ألف جنيه.

وعن هذه الواقعة، نقلت «الأهرام» عن الريحانى شهادته عن «صراع» خاضه بعض الوقت بين «الفن» و«الثروة». ففى صفحة «السينما والملاهى»، وبتاريخ 24 مارس 1934، ورد العنوان: «نجيب الريحانى يتحدث عن..الوصية وتحريم اشتغاله بالتمثيل، بين نارين، الفن أو الثروة، ماذا يفعل؟». وجاء أدناه ردا على سؤال المحرر، وهو الناقد الكبير ومحرر صفحات «السينما والملاهى» فى الثلاثينيات زكريا الشربينى، بماذا هو فاعل؟ فقال الريحانى: «يعنى هو انا كفرت ياسيدى، ذنبى ايه تعدمونى العافية فى حاجة لا اعرف عنها شىء بالمرة، مش كفاية انك انت اول واحد فضحنى وخلا الناس كلهم جونى جرى، اللى بيطالب باللى عليا له، واللى عاوز سلفة، واللى.. اللى لما حاطرشق من الغيظ».


سليمان نجيب

ثم يستعيد الريحانى بعض هدوئه قبل أن يرد: «والله ما تأخذنيش يا اخويا، اصل اللى مضايقنى قوى هو الشرط الملعون اللى حا يحرم عليا انى أمثل...، يبقا ايه الفايدة فى حياة واحد بعد مايشتغل ويتعب ويشقى وبعدين يبص يلاقى نفسه محروم حتى من انه يتمتع بثمرة شقاه، عيشة ايه دى تبقا؟ اعمل ايه ياسيدى بقى؟».

ويتحول الريحانى بدفة حديثه عن عشقه للفن إلى احتياجه كذلك للمال، فيروى للأهرام وكأنه يحدث نفسه: «مائتين الف جنيه مش شوية برضه، والتمثيل راخر مش شوية، يبقى ايه العمل فى الورطة اللى زى بعضها دى»، ويتوجه فى هذه المرة هو بالسؤال إلى الشربينى قائلا: «ما عندكش انت حل للمسألة دى؟»، وبذكاء المحرر رد عليه بأنه يملك الإجابة، ولكنه يريد أن يستفهم عن نص الشرط فى الوصية، فكان هذا بعض ما ورد فى رد الريحانى: «الشرط يا سيدى بيقول ما معناه اننى احرم على وريثى الاشتغال فى التمثيل ضنا بكرامة الأسرة واسم العائلة».

فجاء المحرر الأهرامى له بالحل، قائلا: «ارى ان فى الشرط منفذا تستطيع ان تنفذ منه، عليك انك تثبت انك لا تنزل باسم اسرتك حين تشتغل بالتمثيل، وانك ترفع من كرامة عائلتك باشتغالك بهذه المهنة، فلا تحرم من الارث اذا استطعت الاثبات». وضرب مثال له بفيلمه «ياقوت»، فقال: «رواية ياقوت يا نجيب تثبت تماما انك تحاول دائما رفع اسم وطنك أو بالأحرى رفع اسمك أنت أيضا، وفى رفع اسمك رفع لاسم عائلتك، فكيف يحرم عليك الاشتغال بالتمثيل وانت ترفع اسم عائلتك بطريقة لم يرفعها بها قريبك الغنى عليه رحمة الله؟!»، وعلى الرغم من ارتياح الريحانى لهذا التفسير، إلا أن تفكيره قاده لشىء آخر، فقال «برضه فكرة كويسة، بس مهو يقدروا يثبتوا ان النص صريح فى الوصية بتحريم اشتغالى بالتمثيل، اما مسألة العائلة فمسألة تقديرية، تختلف فى نظرك ونظرى عنها فى نظرهم، والمسائل التقديرية دى حبلها طويلة قوى يامولانا»، ولكن فكرة جديدة طرأت للريحانى، فقال للشربينى «حا اكتب جواب ابعثه للصحف كلها، أستفتى فيه الجمهور أعمل إيه، واللى يقول عليه الجمهور هوه اللى حا يكون..».

لكن تقدير الريحانى قاده نهاية الأمر إلى حسم ولائه إلى التمثيل بغض النظر عن أى إغراءات مادية.

 


نجيب الريحانى

وفى نعيه : « فقد المسرح رجلا ممن حملوا راية الفن»

صدر عدد الأهرام بتاريخ 9 يونيو 1949، بزاوية «وفيات» انشغل أغلبها بنعى الفنان الكبير نجيب الريحانى، الذى كان قد رحل قبلها بيوم واحد عن 58 عاما. فكانت هذه الصفحة من خير الأمثلة على الدور الدائم لزاوية «وفيات» الأهرام فى توثيق شبكة العلاقات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وبيان تأثير نماذج إنسانية بارزة بمجالات عديدة.

فجاء فى البداية، نعى صحيفة «الأهرام» للريحانى، قائلا: «مات نجيب الريحانى أمس، ففقد المسرح رجلا ممن حملوا راية الفن، وعمل فى المسرح خمسة وثلاثين عاما، وضحى فى سبيله بالجهد والمال، كان الريحانى صاحب مدرسة سيذكرها التاريخ بين المدارس التى كان لها أعظم اثر فى نهضة الشعب المصرى».

وغير «الأهرام»، أوردت زاوية «الوفيات» نعى نجوم الفن فى الأربعينيات، يتقدمهم الفنان الكبير سليمان نجيب (1892-1955) للريحانى، الذى جاء تحت عنوان «فجيعة المسرح المصرى»، فكتب سليمان نجيب: «ان فجيعة المسرح المصرى اليوم بموت الصديق الفنان الممثل الذى ليس له مثيل الاستاذ نجيب الريحانى فجيعة مرة من الصعب احتمالها، لقد اختفى فى لحظة الرجل الذى كون بشخصيته الجبارة القوية جمهورا ومدرسة ومسرحا، ان الفصل الاخير من حياته صادفه مبكرا ولا حول ولا قوة إلا بالله، فنحن فى حاجة قصوى اليه، والى مجهوده، والى فنه، وقد اسدل الستار على حياة كلها نجاح فنى لا مثيل له، ان الشخصيات العديدة التى بعثتها على مسرحك ستشيعك اليوم باكية، بعدما اضحكتها هذه السنين العديدة، فى ذمة الله ياصديقى، وتغمدك الله برحمته ورضوانه».

المحزون : سليمان نجيب

................

«فى ذمة الله روحك الطاهرة، فى ذمة الله اسمك الخالد، كنت للفن روحا وجسدا، وعشت له، فسعدت بحب وتقدير لم يسبقك اليه احد، واليوم يحزن الجميع عليك تقديرا لفنك ولشخصك، اما انا فانعاك من قلب حزين مكلوم لذلك الفراق الابدى».

بديعة مصابنى

................

«مات نجيب الريحانى، مات الفيلسوف الضاحك، ونابغة الجيل، مات استاذ الشعب وهو فى الميدان يعمل على خشبة المسرح، مات زعيم من زعماء الامة، مات حبيب الملايين، مات الزميل الصديق الفنان، وهكذا تنطوى صفحة جهاد جبار، فلتة من فلتات النبوغ، فقدناك يا نجيب فى وقت كنا فى اشد الحاجة الى فنك، ايها النجم اللامع، الذى شع نوره على الشرق بأسره، وداعا، واذهب بجوار سعد وماهر والنقراشى، وكل أولئك المخلدين، أنت فن بأسره نواريه اليوم التراب، فيالفجيعة المسرح المصرى بعدك، ويا للكارثة التى لا يجدى فيها عزام.

يوسف وهبى ــ نقيب الممثلين

................

«استاذى، وددت لو استطعت ان افدى حياتك بحياتى، فما كانت مصر لتخسر بفقدى ما خسرته بفقدك».

ميمى شكيب

................

«نم مستريحا ايها العزيز، فقد اديت واجبك كأحسن ما يكون الأداء، وسأبكيك بدموع لن تجف، ما دام اسمك العظيم يدوى فى آذان الجماهير التى اضحكتها بالأمس وتبكيك اليوم».

أنور وجدي

................

«تنعى بمزيد الحزن والاسى الزميل العزيز والاستاذ الكبير نجيب الريحانى، وتبكى بفقده الفنان العالمى، الذى لن يجود الزمن بمثله».

ليلى مراد

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق