لأول مرة فى تاريخ المنظمة الدولية للأرصاد الجوية – إحدى الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة - يتم انتخاب امرأة لمنصب الأمين العام، حيث تفوقت سيليستى ساولو (الأرجنتين) على منافسيها فى اقتراع سرى بالدورة التاسعة عشرة للمؤتمر العالمى للأرصاد الجوية المنعقد بمقر المنظمة فى جنيف، ومن المقرر تسلمها مهام منصبها للدورة المقبلة ابتداءً من يناير المقبل خلفًا للأمين العام الحالى بيتيرى تالاس (عن فنلندا) بعد توليه مهام المنظمة لدورتين متتاليتين منذ يناير 2016.
يأتى ذلك متزامنا مع مرور 150 عامًا على تأسيس المنظمة، إذ على الرغم من تبعية منظمة الأرصاد الجوية لمنظمة الأمم المتحدة التى تعد كيانًا دوليًا حديث نسبيًا حيث تم تدشينها بنهاية الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) كوريثة لعصبة الأمم التى تأسست مع نهاية الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، إلا أن الوكالة المتخصصة تعود جذور تأسيسها إلى مؤتمر فيينا الدولى وتوقيع المشاركين على اتفاقية إنشاء كيان دولى بغرض تبادل معلومات الطقس عام 1873. ومرورًا بالأحداث التى مر بها العالم فى النصف الأول من القرن العشرين، تم إعادة إطلاق المنظمة فى مارس 1950 كإحدى الوكالات التابعة للأمم المتحدة، لتقوم بدورها فى متابعة ومراقبة تغير الطقس والمناخ الغلاف الجوى للأرض وتفاعله مع الأراضى والمحيطات، وتوزيع الموارد المائية الناتجة، والهيدرولوجيا التطبيقية، والعلوم الجيوفيزيائية والقضايا البيئية ذات الصلة.
وقد فازت البروفيسورة سيليستى ساولو (59 عامًا)، التى تشغل منصب مديرة هيئة الأرصاد الجوية فى الأرجنتين منذ العام 2014، بأغلبية ثلثى الأصوات فى الاقتراع السرى للمؤتمر العالمى للأرصاد الجوية الذى يعد الهيئة العليا للمنظمة والذى ينعقد كل أربع سنوات بحضور 193 عضواً ينتمون لستة أقاليم، حيث حصلت على 108 أصوات، مقابل 37 صوتاً لمنافسها الرئيسى الصينى تشانج ونجيان، الذى يعد الرجل الثالث فى المنظمة بعدها، حيث تشغل منصب النائب الأول لرئيس منظمة الأرصاد الجوية. وصرحت سيلست فور انتخابها بأملها فى مواجهة أزمتَى عدم المساواة وتغير المناخ وأن تسهم المنظمة فى تعزيز خدمات الأرصاد الجوية والهيدرولوجيا لحماية شعوب العالم واقتصاداتها بتوفير خدمات ونظم إنذار مبكر تتسم بالفعالية والاستجابة السريعة بما يتوافق مع احتياجات وخصوصيات كل عضو من الأعضاء وذلك فى ضوء ما نشرته المنظمة مؤخرًا عن تداعيات الكوارث المرتبطة بالظواهر المناخية المتطرفة التى أودت بحياة نحو مليونى شخص، 90% منهم فى البلدان النامية، وتسببت فى خسائر اقتصادية تقدر بنحو 4٫3 تريليون دولار فى الفترة ما بين عامَى 1970 و2021.
وتتميز سيليستى بالنشاط المهنى العلمى فى تخصصها حيث شاركت فى العديد من لجان وفرق الخبراء التابعين للمنظمة، ومنها: عضويتها فى اللجنة التوجيهية العلمية للبرنامج العالمى لبحوث الطقس، وعضوية الفريق المعنى بالتنبؤات الفصلية والسنوية، وفى فريق البرنامج العالمى للبحوث المناخية المعنى بتقلب المناخ وإمكانية التنبؤ به، والفريق المعنى بتغير نظام الفصول فى أمريكا. كما كان لبحوثها دور أساسى فى تعزيز فهم نظام الرياح الموسمية فى أمريكا الجنوبية، وما يرتبط بها من أنماط هطول الأمطار ودوران الرياح فى المواسم الدافئة، وتعمقت فى السنوات الأخيرة فى القضايا متعددة التخصصات، مثل: إنتاج طاقة الرياح والتطبيقات الزراعية ونظم الإنذار المبكر. وتضع سيليستى اسمها كمؤلفة أو مشاركة فى أكثر من 60 مؤلفا وبحثا علميا مقننا ومقالات منشورة فى مطبوعات علمية، فضلًا عن إشرافها على أبحاث العديد من طلاب البكالوريوس والدراسات العليا، ونحو 23 مشروعاً بحثيًا ممولًا من وكالات وطنية ودولية فى مجالات التنبؤ العددى بالطقس، وديناميكيات الغلاف الجوى، والديناميكا الحرارية، والأرصاد الجوية المتوسطة النطاق، والديناميكيات والفيزياء الدقيقة للسحب.
وتجمع سيلست فى خبراتها بين التدريس الأكاديمى فى الجامعة وإجراء البحوث العلمية، كما أسهمت من خلال عملها فى هيئة الأرصاد الجوية الأرجنتينية فى إجراء تغييرات تنظيمية هيكلية من أجل التعاون والتمازج بين المطالب الوطنية والتوجهات الإقليمية والدولية. فى عام 2015، تم انتخابها عضواً فى المجلس التنفيذى للمنظمة ثم نائبة ثانية لرئيس المنظمة عام 2018، ونائبة أولى للرئيس عام 2019، كأول امرأة تشغل هذا المنصب أيضًا، وهو ما يأتى متوازيًا مع حياتها الشخصية كزوجة وأم وحبها لممارسة رياضة التنس والطهى والرقص على إيقاعات الموسيقى اللاتينية كما صرحت فى سيرتها الذاتية.
الجدير بالذكر، وفى إطار انتخابات الدورة السابعة والسبعين للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، جاء د.كوناته داوده (كوت ديفوار) نائباً أول للرئيس، وإون موران (أيرلندا) نائباً ثانياً، والدكتور مورتانجاى موهابرتا (الهند) نائباً ثالثاً، فضلًا عن انتخاب أعضاء المجلس التنفيذى الجدد ومن بينهم مصر - ممثلة فى الهيئة العامة للأرصاد الجوية، إحدى الهيئات التابعة لوزارة الطيران المدني- وهو ما يعتبر استكمالًا للتعاون والتنسيق مع المنظمة فى مؤتمر الأطراف المعنيين بتغير المناخ (COP27) والذى أقيم مؤخرا بمدينة شرم الشيخ، ومن المقرر أن تستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة نسخته الثامنة والعشرين فى ديسمبر المقبل، وهو ما تزامن وانتخاب رئيس المنظمة الذى كان من نصيب د.عبد الله المندوس المدير العام لهيئة الأرصاد الجوية الإماراتية والممثل الدائم للإمارات العربية لدى المنظمة منذ عام 2008، ورئيس الاتحاد الإقليمى الثانى فى آسيا التابع للمنظمة منذ عام 2017، وهو رئيس فريق الخبراء المعنى بالأعاصير المدارية، وعضو اللجنة الدائمة للأرصاد الجوية التابعة لجامعة الدول العربية، وعضو اللجنة الدائمة للأرصاد الجوية والمناخ بمجلس التعاون لدول الخليج.
رابط دائم: