رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ماكرون يمد غصن الزيتون إلى أوروبا الشرقية

إعداد ــ شيماء مأمون

«لا أعتقد أن هناك أوروبا الغربية والشرقية، وأوروبا القديمة وأوروبا الجديدة، بل هناك أوروبا واحدة فقط لديها إرادة لبناء الوحدة». كانت هذه كلمات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون خلال خطابه ـ الذى ألقاه أخيرا فى منتدى الأمن الدولى «جلوبسيك 2023» فى براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا. كان جزء كبير من خطابه الذى استغرق نحو خمس وثلاثين دقيقة ـ بمثابة تكتيك جديد يهدف إلى محاولة إصلاح العلاقات المتوترة بين فرنسا والجناح الشرقى لأوروبا وصفه البعض بـ «التواضع الإستراتيجى».

 

يمثل الخطاب تحولا فى لهجة الرئيس الفرنسى، الذى كان حريصا فى السابق على النأى بنفسه عن اتخاذ موقف متشدد ضد روسيا .كما فعلت جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق، الأمر الذى أدى إلى تعرض ماكرون للانتقادات من قادة أوروبا الشرقية منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية. ومع ذلك ، تعد فرنسا رابع أكبر مانح للمساعدات لأوكرانيا ، بما فى ذلك الدعم المالى والمساعدات الإنسانية وبالأسلحة، وذلك بعد الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة.

هذا الخطاب يعد بمثابة خريطة طريق مصغرة للدبلوماسية الفرنسية فى الأشهر المقبلة، حيث كان الأمر كما لو أن ماكرون أدرك أن إغضاب نصف القارة قد لا يتناسب مع تطلعاته لقيادة أوروبا. وهو ما جعله يؤكد أن الدفاع الأوروبى هو «أحد أعمدة» الناتو وليس بديلا عنه. وبخصوص هذا التغيير يقول أحد خبراء الدبلوماسيين فى شرق أوروبا: « مع وجود علاقة قوية بين الولايات المتحدة وألمانيا ودول أوروبا الشرقية فى الوقت الحاضر، فإنه يجب على فرنسا أن تحسن علاقاتها مع وسط وشرق أوروبا».

ومنذ وصوله إلى السلطة فى عام 2017، صاغ ماكرون مصطلح «الحكم الذاتى الاستراتيجى الأوروبى»،لتحرير أعضاء الكتلة الأوروبية من القوى العالمية الأخرى فى صنع القرار والحصول على الاستقلال الذاتى. وقد أثارت تحذيراته الأخيرة من أن أوروبا يجب ألا تكون »تابعا« للولايات المتحدة الأمريكية، وسط التوترات المتزايدة مع الصين بشأن تايوان، غضبًا فى أوروبا الشرقية، نظرًا للدور الرئيسى الذى تلعبه الولايات المتحدة فى دعم أوكرانيا.

سابقا، تعرض الرئيس الفرنسى لانتقادات شديدة بسبب وصفه التحالف العسكرى لحلف شمال الأطلسي( الناتو) فى عام 2019 بأنه «ميت عقليًا»، مما أثار رد فعل عنيفا من جميع أنحاء القارة، خاصة شرق أوروبا. كما أدت تصريحات ماكرون بأنه لا ينبغى إخضاع روسيا وأنه ينبغى منحها ضمانات أمنية إلى تصور البعض أن لديه موقفا غامضا تجاه الحرب الروسية الأوكرانية. لكن بعد محاولاته لطمأنة دول أوروبا الشرقية والوسطى بشأن التهديدات الروسية خلال منتدى»جلوبسيك 2023» للأمن الدولى، وتأكيده التزام باريس بحلف الناتو، ركز ماكرون بعد ذلك على دور الاتحاد الأوروبى فى دعم أوكرانيا،على المدى الطويل.

وفى هذا الصدد،قدم الخطاب ثلاث نقاط مهمة. أولاً، وضع ماكرون شروط السلام الدائم فى أوكرانيا. وشدد على ضرورة تجنب وقف إطلاق النار الذى قد يتحول ببساطة إلى نزاع مجمّد.ثانيًا، تمشيا مع بيان قادة مجموعة السبعة (G7) الأخير،أكد ماكرون الحاجة إلى «إعطاء أوكرانيا ضمانات أمنية ملموسة وذات مصداقية» وألقى باللوم على مذكرة بودابست لعام 1994، التى قدمت لأوكرانيا أمنًا غير ملزم قانونًا بدلا من ضمانات أمنية صريحة.ثالثًا، أوضح ماكرون كيف تعززت السياسة الفرنسية تجاه توسع الاتحاد الأوروبى بشكل كبير فى العام الماضى. وإنه يدعم سياسة توسيع الاتحاد الأوروبى دون نية المماطلة (مع الإشارة أيضًا إلى حاجة الاتحاد الأوروبى إلى القدرة على دمج المزيد من البلدان بشكل فعال).

جاء خطاب ماكرون فى الوقت الذى يستعد فيه حلفاء أوكرانيا الغربيون لعقد قمة حاسمة لحلف شمال الأطلسى فى فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، فى منتصف يوليو المقبل، حيث يأملون فى التوصل إلى خريطة طريق لدعم محاولة أوكرانيا للحصول على العضوية والتعهد بتقديم مساعدة طويلة الأجل، فضلا عن تجديد خطط الدفاع والردع وزيادة الإنفاق. وبخصوص هذا الشأن قال الرئيس الفرنسى إنه يجب منح أوكرانيا ضمانات أمنية - ليس فقط لأنها «تحمى أوروبا»، ولكن أيضًا لأنها «مجهزة جيدًا». كما شدد ماكرون على أن باريس «ستؤيد إعطاء أوكرانيا ضمانات أمنية ملموسة وذات مصداقية».

من المرجح أن تُقرأ تعليقات ماكرون على أنها لفتة تجاه العديد من الأوروبيين الشرقيين الذين يعتقدون أنه يجب على حلفاء أوكرانيا إرسال إشارات إيجابية بشأن سعيها للانضمام إلى عضوية الناتو. ففى سلوفاكيا ، لم تكن مهمة ماكرون هى توضيح مواقف فرنسا فحسب ، بل كانت أيضًا التحضير للأشهر القليلة المقبلة التى ستواجه فيها أوروبا قرارات صعبة بشأن المرحلة التالية من الحرب الروسية الأوكرانية والقضايا ذات الصلة بتوسيع الاتحاد الأوروبى ومستقبل الناتو .ويرى المسئولون الفرنسيون إن أداء ماكرون فى مؤتمر جلوبسيك كان أكثر من مجرد محاولة لإصلاح ذات البين أو «التحدث إلى شرق ووسط أوروبا» بل كان الهدف هو «بناء مسار والتوصل إلى رؤية مشتركة لمستقبل أوروبا».

بشكل عام، أتاح خطاب ماكرون فرصة لمزيد من التعاون المثمر والأوثق بين فرنسا ودول أوروبا الوسطى والشرقية. ويرجع هذا إلى السياسة الخارجية الفرنسية المتطورة بشأن القضايا الرئيسية لهذه البلدان والنبرة التى استخدمها ماكرون، والتى قد تكون على نفس القدر من الأهمية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق