رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الحرب الروسية ــ الأوكرانية تدخل أخطر مراحلها

رسالة موسكو د. سامى عمارة
> جندى أوكرانى خلال قصف ضد القوات الروسية فى شرق أوكرانيا

«الحرب» التى قال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إن «روسيا لم تبدأها بعد»، يبدو أنها فى سبيلها إلى أخطر مراحلها بعد الإعلان عن نشر الأسلحة النووية الروسية فى أراضى بيلاروس. فما أن تراجعت أخبار المسيرات التى باغتت العاصمة موسكو فى وقت مبكر من صباح الاثنين الماضى، حتى تحولت الأنظار والأسماع لتتعلق بما شهدته المناطق المتاخمة للحدود المشتركة مع أوكرانيا، من تفجيرات وحرائق. وذلك فى وقت مواكب لاحتدام الجدل حول مدى ضرورة أن تكون روسيا هى البادئة باستخدام الأسلحة التكتيكية النووية، واشتعال ما هو أقرب إلى ظاهرة «البكاء على اللبن المسكوب»، ما يتمثل فى تدفق الاعترافات بالسقوط فى شرك خداع خصوم اليوم من أصدقاء الأمس، سواء كانوا من «مجموعة نورماندى»، أو ممن كانوا يسمونهم فى موسكو بشركاء التاريخ والجغرافيا من «أشقاء الفضاء السوفيتى السابق».

عاد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى أعقاب حادث «اختراق» المسيرات الأوكرانية لفضاء العاصمة الروسية موسكو، ولم يكن مضى كثير من الوقت لاقتحامها قدس أقداس الوطن فى الكرملين، ليعترف بوقوع روسيا فريسة خداع خصومها ممن أغدقوا وعودهم لها بالأمان، وعدم توسع «حلف الناتو» شرقا. وكان أسلافه وفى المقدمة منهم ميخائيل جورباتشوف وبوريس يلتسين، اعترفا غير مرة بذات الخطأ، دون خطوات ملموسة لمراجعة هذه الأخطاء فى حينها، وإن بادر إلى محاولة تصحيح أخطاء الماضى، فى توقيت ثمة من يقول إنه يتسم بكثير من الحرج والخطورة.

الاعترافات بالخطأ تتوالى، ومنها ما ينال من قدسية الوطن، وقداسة تاريخه. فبعد تكرار اعترافات جورباتشوف ورفاقه بأخطاء السقوط فى شرك زيف وعود جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكى، وخطأ تصديق ما قاله حول عدم توسع الناتو شرقا فى مطلع تسعينيات القرن الماضى، عادت القيادة الروسية لتكرر اعترافاتها بأخطاء أسلافها ممن عهدت إليهم روسيا بشئونها بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وفى مقدمتها التفريط فى ثروات الوطن، وما واكب ذلك من تنازلات وخطايا للرئيس الروسى الأسبق بوريس يلتسين، منها ما يرقى من حيث تبعاته حد «الخيانة»، على حد تقدير كثيرين من نجوم إعلام الشاشات الرسمية ومنهم نيكيتا ميخالكوف المخرج والفنان السينمائى الروسى والعالمى. وكيف لا وهو الذى يتحمل القسط الأعظم من «الخطايا التى ساهمت فى انهيار الاتحاد السوفيتى وما تبعها من «التفريط» فى شبه جزيرة القرم. وكان الرئيس بوتين انضم إلى منتقدى الماضى، بتحميل فلاديمير لينين زعيم ثورة أكتوبر الاشتراكية كثيرا من أخطاء الماضى السوفيتى، وظهور أوكرانيا فى إطار الأراضى التى تطالب بها القيادة الأوكرانية فى حدود 1991، وإن اعترف أيضا بالسقوط فى شرك خداع رفاقه من زعماء مجموعة «نورماندى» التى ضمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند ومعه نظيره الأوكرانى السابق بيترو بوروشينكو. وكان هؤلاء اعترفوا بأنهم عمدوا إلى رعاية التوقيع على «اتفاقيات مينسك» لا من أجل أن تكون سبيلاً إلى تسوية الأوضاع فى جنوب شرق أوكرانيا، بل لكى تكون سبيلا إلى الحصول على الفسحة الزمنية اللازمة لإعداد القوات المسلحة الأوكرانية وتسليحها وتدريبها من أجل تحرير الأراضى التى فقدتها أوكرانيا، ومنها القرم ومنطقة الدونباس، باستخدام القوة المسلحة.

وها هى الأصوات تتعالى مجدداً خلال الأسابيع القليلة الماضية، بالاعتراف بخطأ الانسحاب الطوعى للقوات الروسية مما كانت استولت عليه من أراضٍ «أوكرانية» فى «مقاطعة خاركوف»، التى تتخذها أوكرانيا اليوم منصة لقصف الأراضى الروسية المجاورة فى مقاطعة بيلجورود. وكان برنامج «60 دقيقة» استهل إحدى حلقاته فى مطلع يونيو الحالى بحملة من اللوم الشديد لمن اتخذ ذلك القرار. وذلك ما كان استبقه بوتين بسلسلة من التصريحات التى فند فيها كثيرا من جوانب القصور، وما كان فى مقدمة أسباب «وصول عدد من المسيرات الأوكرانية إلى موسكو وضواحيها». وذلك ما وصفه بوتين بظهور «ثغرات» فى عمل منظومة الدفاع الصاروخى المدعوة للدفاع عن موسكو وضواحيها، وإن قال إن هذه المنظومة واجهت الأمر على نحو «مرْضِ»!، وإن عزا معلقون فى موسكو هذه «الثغرات»، إلى تعمد منظومات الدفاع الجوى عدم الكشف عن مواقع «منصاتها الصاروخية» للتصدى لمجرد «مسيرات»، خشية تعرض هذه المنصات لقصف معاكس.

وكانت المصادر الرسمية كشفت عن أن «الدفع بالمسيرات الأوكرانية» إلى سماء موسكو وضواحيها، كان ردا من جانب القوات الأوكرانية على «قصف القوات الروسية لمركز صناعة القرار التابع لوزارة الدفاع الأوكرانية فى قلب العاصمة كييف»، وما أصابه من دمار هائل، آثرت القيادة الأوكرانية عدم الكشف عنه. لكنها عادت وواصلت قصفها للأراضى الروسية فى مقاطعة بيلجورود فى جنوب روسيا، ومنها بلدة شيبيكينو على مبعدة ستة كيلومترات فقط من الحدود الأوكرانية. وذلك ما كان مدعاة لانتقادات أخرى من جانب محافظ المقاطعة فياتشيسلاف جلادكوف الذى أنحى باللائمة صراحة على وزارة الدفاع الروسية بقوله إن «لديه ملاحظات على عمل وزارة الدفاع». كما كان ذلك مبرراً جديداً لتصاعد اللوم مجددا من جانب عدد من المعلقين والمراقبين .

وفى الوقت الذى تتواصل فيه الدعوات فى برامج «أمسية مع سولوفيوف» وغيره من البرامج التى يقدمها فلاديمير سولوفيوف نجم الإعلام المعروف بعلاقته الوثيقة من الكرملين، إلى ضرورة تعجل استخدام الأسلحة التكتيكية النووية التى جرى نشرها خلال الأسابيع القليلة الماضية فى بيلاروس، تعالت الأصوات عبر برنامج «60 دقيقة» تدعو إلى توخى الحذر وعدم الانسياق وراء هذه الدعوات، لما فى ذلك من أضرار هائلة لابد وأن تؤدى بالعالم إلى شفا حرب نووية شاملة بكل ما ينجم عنها من خراب ودمار، وتنال من مكانة روسيا فى الساحة السياسية العالمية. ولعله من الغريب فى هذا الصدد أن يشارك المنشق السوفيتى السابق، جنرال الموساد ياكوف كازاكوف الذى هاجر إلى إسرائيل منذ نهاية ستينيات القرن الماضى واتخذ كنية «كيدمى» بديلا للقبه السوفيتى السابق، قبل انضمامه لاحقا إلى القوات المسلحة الإسرائيلية التى قاتل فى صفوفها فى سيناء فى أكتوبر 1973، فى تأييد هذه الدعوات بقوله:«إن الأسلحة النووية مصنوعة للاستخدام ضد كل الأخطار التى تهدد أمن الدولة»، ولا قيمة لها إذا لم تُسْتَخْدَم فى الأغراض التى صنعت من أجلها». ولم لا و«وطنه» الجديد، يظل البلد الوحيد الذى يملك مثل هذه الأسلحة النووية فى منطقة الشرق الأوسط التى يريدها وحدها «خالية» من مثل هذه الأسلحة.

ومن المفارقات المبكيات أن الجنرال «كيدمى» الذى يشارك فى هذه البرامج الحوارية الروسية تحت اسم «شخصية اجتماعية إسرائيلية»، ويحرض على المواجهة ضد أوكرانيا، لا ينبس ببنت شفة فى حق إسرائيل التى تواصل مساعداتها ومساهماتها فى دعم القوات الأوكرانية بكثير من الأسلحة والمعدات والخبرات والمعلومات، وتقف صراحة إلى جانب القيادة الأوكرانية، بما تقدمه من أفكار ومقترحات تبدو على طرفى نقيض مما تطرحه موسكو التى سبق، وكانت أول من ساهم فى صناعة إسرائيل حسب اعترافات قياداتها التاريخية، ومنهم جولدا مائير التى قالت «إنه لولا ستالين لما قامت إسرائيل».

غير أن ذلك كله، وحسب تصريحات المصادر الرسمية فى موسكو، لا يمكن أن ينال من ثبات موقف القيادة الروسية تجاه التمسك بما أعلنت عن انضمامه من أراضٍ إلى روسيا، وهى شبه جزيرة القرم، إضافة إلى جمهوريتى دونيتسك ولوجانسك الشعبيتين، ومقاطعتى زابوريجيا وخيرسون. وذلك هو «الواقع الجديد على الأرض» الذى تقول المصادر الروسية الرسمية إنه يجب مراعاته لدى أية مباحثات مرتقبة مع الجانب الأوكرانى، فى حال التوصل إلى قرار واتفاق حول إجرائها.

ومن الجديد الذى ينبغى الالتفات إليه فى الداخل الروسى، ينبغى التوقف عند تغير المزاج العام والتحول إلى روح التحدى بديلا لمشاعر اللامبالاة التى سادت الأجواء، نتيجة قصف الأراضى الروسية، ومحاولة النيل من كرامة الوطن بالتطاول على قدسية الكرملين. وذلك ما يتجلى فى تزايد عدد الراغبين فى الانضمام إلى صفوف القوات المسلحة إلى ما يتجاوز 130 ألفا من المتطوعين، بما يعيد إلى الأذهان ما شهدته روسيا والاتحاد السوفيتى السابق إبان مراحل التحول التدريجى نحو ذكريات «الحروب الوطنية» التى لطالما أعادت للبلاد مواقعها التى تستحق على خريطة الساحة العالمية. وذلك ما يبدو مواكبا لتحركات سياسية وعسكرية شديدة الأهمية، ومنها تأكيد تمسك موسكو بسابق مواقفها، وما أعلنته من أهداف فى مستهل «عمليتها العسكرية الروسية الخاصة» فى أوكرانيا، ومواجهة ما يتوالى من خطوات تستهدف حشد المزيد من الدعم العسكرى لأوكرانيا. وذلك إلى جانب إعلان روسيا عن قرارها حول نشر قواتها التكتيكية النووية فى بيلاروس، فضلا عما يتواصل من إجراءات لحشد المزيد من القوات. كما نقلت وكالة «تاس» عن الجنرال يفجينى بوردينسكى، رئيس إدارة التنظيم والتعبئة الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، تصريحاته حول تشكيل «منطقتين عسكريتين» تحمل كل منهما اسم موسكو ولينينجراد، فضلا عن أفرع الأسلحة المشتركة والجيوش، ومنها خمسة فرق و 26 لواءً فى غضون هذا العام. وذلك ما يقابله على الجانب الآخر المزيد من التصريحات الصادرة عن القيادة الأوكرانية حول الهجوم المضاد، دون انتظار لما وعدت به البلدان الغربية من مساعدات، وفى الصدارة منها مقاتلات «اف-16»، والمزيد من المدرعات والدبابات إلى جانب سرعة الانتهاء من تدريب الطيارين الأوكرانيين فى بريطانيا وبولندا ومواقع أخرى. وذلك فى وقت مواكب لما أعلنه جوزيب بوريل مفوض الشئون السياسية للاتحاد الأوروبى، حول أن «المواجهة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا» يمكن أن تنتهى فورا، إذا ما توقف الغرب عن إمداد أوكرانيا بالأسلحة»، لكنه سرعان ما أضاف أن «روسيا لن تكون مستعدة للدخول فى مفوضات إلا إذا انتصرت فى الحرب مع أوكرانيا». ولدحض إمكانية تحقيق ذلك، قال بوريل : «يجب على أوكرانيا أن تكون على يقين من أننا سوف نواصل دعمها ليس فى المعارك اليومية فحسب، بل وأيضا حتى المدى الذى تحتاجه لتحقيق النصر». وذلك ما يمكن استيضاح الكثير من جوانبه فى قمة الناتو المرتقب عقدها فى فيلنيوس فى يوليو من العام الحالى.

 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق