رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الأقصر وفرانسيس ..
«موسوعة فوتوغرافية» وحلم «متحف الصور»

الأقصر ــ رانيا عبد العاطى

فى عالم الصورة التاريخية وحكايتها، والحنين إلى الماضى، وعشق كل ما هو قديم، يحتل الباحث الأثرى فرانسيس أمين، ابن الأقصر، مقعده فى الصفوف الأولى. فقد تمكن من إدراج اسمه وعن جدارة كواحد من رواد دنيا التوثيق التاريخى بواسطة «الصورة»

ذلك العشق الذى نبتت بذرته على كورنيش النيل بالأقصر وبين معالمها الأثرية، واستوديوهات مصوريها الشهيرة، ليجعل صاحبه مع مرور الأعوام، عبارة عن «موسوعة فوتوغرافية» متحركة، نالت تقدير واحترام الأوساط الثقافية فى مصر والعالم. فتمنحه السلطات الإيطالية عام 2021 « وسام فارس- نجمة إيطاليا». ومن قبلها، نال

«وسام العامل» عام 2010 من مقاطعة « ماسا كرارا « الايطالية، تقديرا لدوره، خلال الاحتفال بمرور 50 عاما على إطلاق نداء منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، لإنقاذ معابد «أبوسمبل».. احتفل « مؤرخ الفوتوغرافيا» فى مايو الماضى ببدء العام الـ 62 من حياته التى جمع خلالها أكثر من خمسين ألف كتاب، فضلا عن أعداد من الصور والنيجاتيف لا حصر له. ورغم كل ما حقق وعظيم ما اقتنى .. يتبقى لفرانسيس، حلم واحد كبير يبدو عصيا على التحقق، وهو تشييد متحف فى محبة الصورة، متحف يروى قصص التاريخ عبر لقطات اقتنصها أهل الصورة فى أزمنة عدة.


«المحمل» من مجموعة عبدالفتاح عيد

وفرانسيس أمين، فى الأساس، مرشد سياحى بارع باللغتين الفرنسية والإيطالية، تخرج فى كلية الآثار بجامعة القاهرة عام 1983. وخلال الأربعة أعوام التى مكثها بالقاهرة بغرض الدراسة، كان زائرا يوميا لسور الأزبكية، يبحث عن الكتب النادرة والصور القديمة. ونجح خلال تلك الأعوام فى جمع أول ألف كتاب قامت عليها مكتبته الزاخرة.

  • البداية فى الخامسة

أما عن قصته مع «الصورة»، وكيف بات «مؤرخ الفوتوغرافيا»، يروى أمين، أن الشرارة الأولى لذلك العشق الأهم فى حياته، انطلقت عندما اصحبته أسرته، وهو فى سن الخامسة إلى «إستوديو العادلى»، لالتقاط الصورة اللازمة لاستكمال أوراق التحاقه بالمدرسة. عن تلك الزيارة يقول: « كان أمامى صف طويل من الأطفال يقف لانتظار دوره، وقمت بمغافلة الجميع والتسلل من الصف، لاكتشاف الغرفة المظلمة، المعنية بتحميض الأفلام». وهناك شعر أمين بانجذاب كبير إلى كل تفاصيل المكان، وظل هذا الانجذاب يرافقه حتى تمكن يوما من إقامة معمله الخاص بالتحميض داخل أروقة منزله.

بدأ فى جمع الصور منذ كان فى السابعة من عمره، وكان مصدره لأولى الغنائم، هى تلك الصور التى يتخلص منها مصورو الأقصر، والتى تمثل بقايا «الأفلام» التى يقومون بطبعها، وقد لا يهتم أو يعود إليها أصحابها، وهم غالبا من السائحين، لحيازتها. فيكون مصيرها النهائى سلة المهملات، ولكن فرانسيس كان حاضرا لإنقاذها من هذا المصير المؤسف.

ويواصل بعد ذلك رحلته فى جمع الصور من مختلف أنحاء مصر. فكان من خير المتابعين لكل أخبار المزادات الخاصة ببيع مقتنيات الراحلين من المصورين وعلماء الآثار، والشخصيات العامة. وكان أول من جمع الـ «نيجاتيف» فى مصر، وقت كان يباع بالكيلو لدى بائعى الـ «روبابيكيا»، وكان يذهب سدى ، إذا كان البعض يشتريه من أجل استخراج الفضة التى كانت تستخدم فى صناعة الـ «نيجاتيف»، أما الصور، فكانت تذهب هباء.


حفائر «طريق الكباش» من مقتنيات حسين أبو زيد

  • غنائم السعى وراء الصورة

ومن أهم ما تحصل عليه خلال رحلته الفريدة، يوضح أمين: كانت مجموعة المصور « يوسف سليم»، وتضم أكثر من 4 آلاف نيجاتيف لكبار الشخصيات السياسية، والثقافية والفنية، فى مصر، منذ منتصف العشرينيات وحتى الخمسينيات. وكذلك مجموعة مؤلفة من آلف نيجاتيف من الأرشيف الخاص بالمصور «هنرى ليشتر «، والذى يؤرخ للأقصر فى الفترة بين عامى 1929 و1940.

وذلك فضلا عن فوز أمين بأرشيف الدكتور محمد حسن عبدالرحمن، أحد مديرى المتحف المصرى. والأرشيف الشخصى لعالم الآثار سامى جبرة، ويضم صورا لأهم الحفائر التى قام بها فى منطقة «تونة الجبل»، فضلا عن أرشيفه العائلى فى مختلف مراحله العمرية. ومجموعة أمين تضم أيضا أرشيف الدكتور محرم كمال، مدير المتحف المصرى سابقا، ومنير بسطا مدير المتحف القبطى سابقا، ومحمد عرفان أحد أهم مرممى الآثار المصريين.

ولا تنتهى نفائس فرانسيس أمين هنا. فيكشف قائلا: « من مقتنياتى الهامة، أرشيف المصور (فازانى)، الذى عمل مصورا بفندق (ميناهاوس) ويمتلك مجموعة بالغة الندرة والأهمية من الصور للأهرامات وتمثال أبو الهول على مدار عدة أعوام. وكذلك أرشيف المصور الأقصرى الكبير حسين أبو زيد، صاحب واحدة من أهم مجموعات الصور والنيجاتيف، التى تعد تاريخا مصورا للأقصر ومعالمها الأثرية، وذلك خلال الفترة بين الخمسينيات، وحتى الثمانينيات».

لم تكن الحيازة هى الهدف الأساسى أمام فرانسيس، فيقول: « قمت بتنفيذ مشروع بالتعاون مع المعهد الفرنسى بالكرنك لأرشفة وتنظيم مجموعة ( أبوزيد) وتبرعت بنسخة من الأرشيف، الذى يضم حوالى خمسة آلاف صورة إلى وزارة الآثار المصرية، و(بيت شيكاخو) و(المعهد الفرنسي) بالكرنك لتساعدهم فى أعمال البحث والترميم. وتبرعت بمجموعة من الصور التى تحكى تاريخ أعمال إعادة اكتشاف طريق الكباش إلى وزارة الآثار، لتستعين الأخيرة بها على طوال الطريق ما بين معبدى الأقصر والكرنك. وتبرعت لمكتبة الإسكندرية بالصور الخاصة بـ (أشعة إكس) الأولى لمومياء الملك توت عنخ آمون، ليتم وضعها بمتحف مكتبة الإسكندرية، كما تبرعت بأقسام من قاموس المؤرخ الكبير أحمد كمال باشا(1851-1923) وتبرعت بمجموعة كبيرة من الصور التى تم وضعها بمكتبة مصر العامة قبل ثلاثة أعوام تقريبا. كما أن معظم الخرائط الموجودة حاليا بقاعة الخرائط بمكتبة مبارك من مجموعتى الخاصة، بخلاف ألف كتاب تبرعت بها للمكتبة عند إنشائها عام 2006».


المزيد من كنوز «طريق الكباش»

  • الإرشاد السياحى والصورة

قد تكون الصورة هى العشق الأول للباحث التاريخى فرانسيس أمين، ولكن يزاحمها فى قلبه، مهنته كمرشد سياحى، حتى إن براعته فيها جعلته مرشحا أساسيا لمرافقة عدد كبير من الملوك والرؤساء والشخصيات العامة. فخلال مسيرته، قام بمصاحبة الملك فيليب والملكة ماتيلدا، ملوك بلجيكا، خلال زيارتهما المتكررة إلى مصر.

ومن أهم ذكرياته مع زائرى مصر الرفيعى المستوى، كانت مفاجأة رئيس جمهورية ساحل العاج، الذى اتضح أنه عمل أستاذا للتاريخ بجامعة السوربون، وكان يحفظ أناشيد مصرية قديمة، ليردد على مسامعه «أنشودة إخناتون». ويعتز فرانسيس بالصداقة التى جمعته بالأديب الإيطالى أنطونيو تابوكى، الذى داوم على زيارة الأقصر، وكان يمكث ما يقرب من الشهر بين أنحائها.


لقطة لليشتر لأول معارض توت عنخ وفى الخلف كارتر

عن تزاوج الصورة بالإرشاد، يقول فرانسيس: «كنت المرشد السياحى الوحيد الذى يحمل دائما كاميرا، و كنت حريصا على التقاط الصور لجميع المناطق الأثرية التى أقوم بزيارتها، ويضم أرشيف الصور التى التقطتها تقريبا مائة ألف صورة، جانب كبير منها خاص بـ مقبرة « رع موزا» التى وقعت فى غرامها. وكنت أقوم بتصويرها فى مختلف الأوقات وعلى مدار سنوات عديدة ، فهى رمز هام لجمال الفن المصرى القديم وقد تم بناؤها فى عهد الملك المصرى العظيم أمنحتب الثالث، والد إخناتون » .

كان المعلم الأول لفرانسيس فى مجال التصوير، هو معمل التصوير بمكتبة «مدرسة الفرنسيسكان» بأسيوط. ويدين بالفضل أيضا للمصور والفنان وديد شكرى، الذى علمه الكثير، وكذلك المصور الأقصرى عبد السميع العادلى. كما أنه قد تعلم الكثير من إيتالو زانيير، أعظم مؤرخ للفوتوغرافيا فى العالم، والذى يعده فرانسيس مثله الأعلى فى علم « الصورة التاريخية « وقد حرص زانيير على حضور محاضرة لفرانسيس فى مدينة « كوموا «الإيطالية»، بمشاركة 1200 شخص .


حكمت أبوزيد ومحمد حسن يستقبلان توت عنخ بباريس

ومع كل ملهميه ومعمليه، يدين المؤرخ الأقصرى بكثير من إنجازه لقرينته، الدكتورة ميرفت، التى تعاونه حاليا فى العمل على كتابين عن تاريخ النيل فى الفوتوغرافيا ، وتاريخ الأقصر فى الفوتوغرافيا أيضا. وكان فرانسيس قد سبق وأصدر كتابا عن المصور ليشتر، اعتمد فيه اللغة الإيطالية، ليتم ترجمته لاحقا إلى الإنجليزية والألمانية. كما شارك فى وضع كتاب عن «معبد فيله»، أصدرته السفارة الإيطالية بمناسبة مرور 40 عاما، على إنقاذ معبد فيلة.

كشف فرانسيس عن أكبر أحلامه الذى أوشك أن يحققه، لولا ظروف تدخلت وحالت دونه. والحلم يتعلق بدعواه منذ الثمانينيات إلى إقامة متحف للصور، قائلا: « مصر تفتقر هذا النوع من المتاحف، رغم أنها أول دولة خارج قارة أوروبا تعرف التصوير الفوتوغرافى، وتحديدا فى عهد محمد على باشا».


سامى جبرة فى أيامه الأخيرة

ويكمل: «طرحت مشروع متحف التصوير فى عهد محافظ الأقصر الأسبق، الدكتور سمير فرج، وقمنا بالفعل بتحديد موقعه، حتى إن الموقع فى الخرائط الرسمية مازال حتى اليوم يحمل مسمى ( أرض متحف التصوير). وكان من المنتظر أن يتم وضع حجر الأساس له عام 2011، ولكن قيام ثورة يناير حال دون ذلك. ولكنى مازلت أحلم بقيام هذا المتحف وبين أنحاء الأقصر تحديدا».


«الأهرام» فى زمن بعيد من تصوير فازانى

حلم فرانسيس يستحق التحقيق والأقصر تستحق الحلم وإخلاص صاحبه.

 

أرباب «اللقطة» .. ركائز «متحف الصور»


«منازل القرنة» من تصوير هنرى ليشتر 1930

فى رحلته من أجل حشد أرشيفه المصور الثرى، تصادف الأقصرى فرانسيس أمين مع العديد من المصورين والمهتمين بتوظيف «الصورة» فى عمليات التوثيق والدراسة. ولتوخى الدقة، هو لم يلتقهم بشكل مباشر، ولكنه التقى أعمالهم.. صورهم، التى سعى جاهدا لإنقاذها من الضياع.. وساعدته الأقدار وإخلاصه لما يفعل فى تحقيق مراده. ومن أرباب « اللقطة» الذين باتوا ركائز أساسية لـ «متحف الصور» المنتظر من جانب فرانسيس، أسماء يصعب المرور عليها مرور الكرام، فمن بينها:

 

  •  يوسف سليم:

مصور مصرى يلقب بـ «ملك البورتريه». ولد بداية القرن العشرين. درس الأدب والفن وأجاد اللغة الإيطالية. وكانت هذه الأدوات التى مكنته مع السفر إلى إيطاليا لإجراء دراسات متعمقة فى فنون الصورة والتى كانت حديثة نسبيا فى هذا الوقت ولكن سليم وقع فى حبها رغم حداثة عهد العالم بها. عاد سليم إلى مصر فى الثلاثينيات، وفتح أبواب استوديو التصوير الخاص به فى «وسط البلد» أجاد فى توظيف عناصر الظلام والنور من أجل إخراج صور «بورتريه» أقرب إلى لوحات فنية.

  • هنرى ليشتر:

مصور شهير بلغه تكليف مطلع العشرينيات من عالم الآثار والمؤرخ الأمريكى وصاحب كتاب « فجر الضمير»، جيمس هنرى بريستد بإجراء توثيق مصور دقيق لمقابر المصريين القدماء فى «القرنة». وبعد هذه المهمة، أسس ليشتر استوديو له فى «الأقصر» قبل أن يتم نفيه إلى مالطا خلال عهد الحرب العالمية الأولى. وإثر هذه المحنة، عاد إلى الأقصر ليؤسس استوديو تصوير جديدا بجوار معبد الأقصر. وظل ليشتر على وفائه للصورة وللأقصر حتى وافته المنية إثر رصاصات جندى إنجليزى فى الأربعينيات.

  • الدكتور محمد حسن عبد الرحمن:

شغل منصب مدير المتحف المصرى فى فترة الستينيات. وعاصر عملية إنقاذ آثار النوبة، فضلا عن إشرافه على المعارض الدولية للآثار المصرية فى الخارج، ومن بينها معرض «توت عنخ آمون».


فرانسيس أمين مع نجمة إيطاليا

  • سامى جبرة:

عالم آثار مصرى ولد عام 1892 بمحافظة أسيوط، وتوفى عام 1979. استكمل دراسته العليا فى مجال القانون بفرنسا. ولكن هناك وقع فى حب الآثار وعالمها المدهش، ومن أجل ذلك ارتحل مرة ثانية إلى إنجلترا لدراسة الفنون والآثار، قبل عودته إلى فرنسا لنيل درجة الدكتوراه من جامعة «السوربون» للمرة الثانية، هذه المرة فى التاريخ. نهايات عشرينيات القرن العشرين، عين بالمتحف المصرى، قبل أن يتولى سلسلة من المناصب الأكاديمية فى جامعة القاهرة، ويصبح عميدا لما كان يعرف بـ «معهد الآثار». وأسس عددا من الجمعيات المعنية بالآثار والأثريين، ولكن إنجازه الأعظم، كان اكتشافاته الأثرية فى عدة مواقع مصرية.

  • عبد السميع العادلى:

من أشهر مصورى الأقصر، ورث المهنة عن والده الذى اقتفى بدوره أثر المصور هنرى ليشتر بعد أعوام من التعاون معه فى تصوير مظاهر الحياة بالأقصر وآثارها بدءا من الواقعة الفارقة لاكتشاف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922. ورث عبد السميع المهنة والشغف والسمعة والاستوديو وواصل تصوير أهل الأقصر وأنحائها، حتى تم هدم « استوديو العادلى» عام 2010.

 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق