رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة.. تكتبه: جيهان الغرباوى
سخرية القدر

جيهان الغرباوى

معظم الوقت لم تكن عندى رفاهية شراء الكتب وشرائط الكاسيت ودواوين الشعر ومجلات الموضة والجمال، الإنجاز عندى كان أهم من المتعة، والعمل له أولوية على أى شىء، لقد دفعت سنوات شبابى لأبنى نفسى وأرفع من مستوى حياتى المادي...

أنا الآن سيدة فى نهاية الستينيات من عمرى ؛ كنت امرأة عاملة منذ بداية شبابى ودام ذلك سنوات طويلة، فى أثنائها كنت أما لثلاثة من الاولاد وبنت وحيدة، جميعهم تخرجوا فى الجامعة لكنهم مرفهون، لم يكافحوا مع الحياة أو يتذوقوا مرارة الحاجة وقسوة الناس والدنيا مثلما كافحت وتعذبت أنا.

 

أفضل ما حدث لي، حين كنت فى سنهم، أنى تزوجت الشاب الذى احبه، كان واعدا وذكيا واكثر الشباب موهبة وتميزا فى شارعنا الشعبى الفقير، وصدق حدسي، وأصبح زوجى فيما بعد رجلا ناجحا شهيرا ملء السمع والبصر، وبعد ان كنا نسكن فى حجرتين بمنطقة عشوائية، أصبحنا نسكن فى برج فاره ضخم بأرقى الاحياء، وصارت عندنا عقارات ومدخرات بالبنوك و نمتلك مقرا عائليا فى افضل المصايف، وتصورت اننى اخيرا احصد ثمار نجاحى وتعبى الطويل، لكن الحياة فاجأتني، فى الوقت الذى أخطط فيه لزواج أولادى، بأن الذى تزوج فعلا، هو زوجى العزيز! تزوج فى السر، شابة تصغره بحوالى 15 سنة، تعرف عليها فى محيط عمله، وعرفت فيما بعد أنها على قدر من الجمال، وكأنه يختار واجهة انيقة جديدة لنجاحه الذى أسهمت انا فيه. لا اخفيك سرا ، كدت أجن من صدمة المفاجأة، خاصة حينما واجهته واعترف ورفض ان يطلقها، بحجة انها لم تفعل ما يستوجب الانفصال عنها، وطلاقها ظلم وحرام، بل زاد على انه من يومها صار الزواج الثانى معلنا لى ولأولادى الذين تابعوا خناقاتنا الحامية، كل يوم، حتى كدت اهدد بالطلاق او اشعال البيت والانتحار، لقد كانت اياما سوداء علينا جميعا، لكنه رغم اى شىء لم يطلقها. حين هدأت بعض الشىء قررت ان انفذ تلك المهمة بنفسي، وبكل ما أوتيت من مال وذكاء وحيلة وعزم علمتها لى الايام والليالي، سعيت للانتقام من هذه الزوجة الدخيلة على حياتنا، التى اخذت زوجى ببجاحة على الجاهز، ولم يهدأ لى بال حتى انتصرت عليها. لقد احلت حياتها جحيما، فطلبت بنفسها الطلاق وتخلصت منها للأبد، واستعدت زوجى واخذت حقى او هكذا تصورت وقتها.. لم يمض عام، حتى تقدم لابنتى الوحيدة رجل قالت إنها تحبه منذ سنوات وتمسكت بالزواج منه لأبعد مدي، لم تثنها نصائح او تهديدات، رغم انه كان متزوجا ولديه زوجة شابة وطفلان!!

إننى اتجرع الآن عذابا لم أتوقعه فى حياتى، وانا أرى ابنتى الشابة الجميلة، حزينة محطمة، تواجه كل يوم، من الزوجة الاولى للرجل الذى اختارته، نفس المكائد والاهانات التى كنت أدبرها أنا للفتاة التى تزوجها زوجي، فهل ينتقم منى القدر لأنى كنت أحمى بيتى وأدافع عن نفسى وكرامتى ومصالح اولادي؟

أ.ع

الرد :

عزيزتى أ .. من المؤسف حقا اننا لا نتذكر عدالة السماء إلا اذا لحق الظلم بنا نحن، ولاننشد منتهى الحق والخير والتسامح، إلا اذا رأينا ذلك يصب فى مصلحتنا المباشرة القريبة.. من وجهة نظرك انت دافعت عن بيتك وتعب السنين وبذكائك وقوتك انتصرت على الاعداء والدخلاء والطامعين، وانا كامرأة افهمك تماما، بل اتعاطف مع إخلاصك وتفانيك فى حب اسرتك ومصالح اولادك، ولكن سامح الله روح الغل والانتقام التى حين تتمكن من نفوسنا تجعلنا كرة من لهب، تحرق من يقف فى طريقها ولا تبقى على شىء. لقد سعيت فى طلاق انسانة لا تعرفينها اصلا، ولم تعرفى الدوافع التى جعلتها تتوافق مع زوجك على الزواج وهى تعرف ظروفه. انت تشعرين بالجرح لأن زوجك صار له امرأة غيرك، وهى ايضا من البداية تعرف أن زوجها مقسوم على بيتين، ولن يكون لها وحدها ابدا. ربما كانت بالمصادفة تقرأ الكتب وتستمتع بالموسيقى والشعر ومستحدثات الجمال والموضة التى استبعدتها انت من حياتك، على اعتبار انها رفاهية لا فائدة من ورائها..، ربما وجدها فى مرحلة ما من عمره اقرب لإحساسه بالحياة ومنطق تفكيره فى المستقبل، ربما تزوجها لسبب آخر لم يخطر لكلينا على بال .. من يعلم؟

فى النهاية قضى الامر، وانا الآن لا أتحدث اليك كى تسامحيه او تسامحيها، بل كى تسامحى نفسك، وتتخلصى من عقدة الذنب وانت تعايشين معاناة ابنتك وقدرها العجيب الذى وضعها مكان امرأة، سبق ان استهدفتها بالأذى والسوء، حتى اطمأن قلبك بطلاقها. صحيح أن (افعل ماشئت .. كما تدين تدان)، لكن الله أرحم من ان يعذب أبناءنا بذنوبنا او بسبب اخطاء او خطايا ارتكبناها، عن قصد او دون أن ننتبه.

هونى على نفسك يا سيدتي، اغلب الظن لم تكونى وحدك المسئولة عن طلاق الزوجة الثانية، زوجك ايضا شارك ولم يكن بالقوة الكافية ليحمى بيته الثانى بقدر حرصه على بيته الاول، وحتى الزوجة الثانية لم تصبر على الاذى طويلا ولم يكن عندها الصلابة وروح التحدى التى كانت عندك طوال الوقت! تطلعى بعينك نحو السماء واطلبى المغفرة والعون، وبإذن الله ستمر ابنتك من ازمتها بسلام، كفاها الله وكفاك شر خراب البيوت وحتى ان تم طلاقها فمن يستطيع منع القدر وسخريته والعابه بالبشر .

هى اختارت ويجب ان تتحمل مسئولية اختيارها للنهاية والزواج من رجل متزوج له اولاد من زيجته الاولى سيبقى فى اغلب حالاته مغامرة محفوفة بخطر المشكلات والنهاية المفاجئة أوالسكتة العاطفية فى أى وقت ! غير أن ما يلفت النظر حقا تلك التجارب الانسانية القاسية التى تكسر التكبر والتجبر ولا يكاد يفلت منها أحد وكأنها بإصرار تعلمنا ألا نتعالى على نقاط الضعف والاخطاء التى يقع فيها الآخرون .

كل منا انسان ولسنا آلهة ولا مخلوقات مثالية فائقة الجودة فى كل نواحيها، التواضع فضيلة تمنعنا من التعالى المؤذى، والرحمة فى القلب والتعامل تستوجب رحمة السماء بنا، والضمير حارس يمنعنا عن الانتقام الأعمى والغيرة القاتلة وإشعال الحرائق والفتن.

خراب بيت عامر بالأمان والسكينة والحب خطيئة كبرى يجب أن نخشى عقابها الشديد وكم من قصة شهدنا على القدر فيها وهو يحاسب ويعاقب ولا ينسى.

يمكن الاستماع لرسالة البريد على راديو الأهرام عبر الـ "QR"


رسالة من المستشفى

 

> أوقعتنى فى الحب عن بعد، فتمنيت أن أرى مها التى كتبت الرسالة، من فرط ما أحببتها، وشعرت معها بالصدق والنبل والإنسانية

كانت رسالة ورقية وصلت بالبريد العادي، مكتوبة بخط اليد، بدا واضحا أن صاحبة الرسالة مشغولة وفى عجلة من أمرها، وليس لديها الوقت للتفكير فى كلمات منمقة، وهى حتى لا تعرفنى ولا قرأت لى من قبل، والأهم أنها طلبت ردا عمليا، وقالت إنها لا تفضل نشر الرسالة فى «بريد الجمعة»!

كتبت مها أنها تعمل ليل نهار فى ورديات متتالية بغرفة العناية المركزة، بأحد المستشفيات بالإسكندرية، ومع ذلك فكل ماتوفره من عملها لايكفى لتجهيز أختها الصغري، فبعد أن اشترت لها الأجهزة الكهربائية الأساسية، بالأقساط، لم يتبق معها ثمن ملابس العروس الجديدة، وأدوات المطبخ، والتنجيد وفرش غرفة النوم، وهى تخشى أن تعجز عن سداد ما اتفقت عليه مع العريس، فيفسخ خطبته لأختها ويتركها، وتكون هذه هى ثالث مرة، تفشل فيها أختها الصغرى فى الزواج، بسبب ظروف أسرتها.

سألت صاحبة الرسالة، إن كنا نستطيع أن نساعدها فى زواج أختها؟ ثم كتبت عنوان سكنها وعملها ورقم تليفونها.

فكرت فى أفضل طرق المساعدة فى تجهيز العرائس بالطبقات غير القادرة ماديا، واشياء كثيرة غير ذلك فكرت فيها، والرسالة فى يدي..

وبعدها بحوالى أسبوعين وصلتنى دعوة من الإسكندرية لحضور مؤتمر يومين، وفعلا سافرت وكان معى جواب مها الممرضة! الغريب أن الفكرة نجحت، حين صورت الجواب لأكثر من نسخة وعرضته على بعض الأصدقاء والمعارف وأبناء الأسر التى أعرفها بالإسكندرية، فأحس من قرأ بجدية القصة وجمعنا مبلغا معقولا كهدية فى جهاز العروسة المطلوب.

وأذكر أن شابا سكندريا شهما. ممن قرأوا الجواب، تطوع بتوصيلى إلى المستشفى البعيد، الذى تعمل به مها، مساهمة منه فى الخير.

كان يفترض ان اقابلها هناك وجها لوجه بناء على اتفاقنا فى التليفون، لكنى وجدت زميلا لها، خرج يستقبلنى عند باب المستشفي، ويدعونى للدخول، وشرح لى أنهم استدعوها لغرفة العناية المركزة قبل وصولى بربع ساعة، وانها تعتذر لأنها لا تستطيع الخروج او تأجيل العمل طالما أنها فى وردية!!

شعرت بالأسف لأنى لم ارها، وتأكدت أنها بالفعل لا تملك وقتا، كما كان إحساسى وانا أقرأ رسالتها، فتركت مع زميلها الهدية المالية وطلبت أن يبلغها سلامي، وانصرفت.

بعدها بيوم، فى وقت متأخر من الليل، اتصلت مها على تليفوني، قالت إنها تعتذر لأنها تكلمنى فى وقت متأخر، لكنه الوقت الوحيد المتاح لها، ثم فوجئت بها تبكي..

قالت: انا اتصل بك كى اشكرك على هديتك، لم اعد احس انى وحيدة فى الدنيا.

انا عندى اولاد صغار اتركهم لأمى وابى لانى اعمل ليل نهار ويحز فى نفسى انى لا أطعمهم بيدي، ولم اعلمهم بعد كيف يذهبون للحمام وحدهم، فى نفس الوقت لا استطيع الشكوي، حتى لا يتضرر زوجى من عملى المتواصل، خاصة انى اخفى عليه بعض دخلي، واساعد فى زواج اختي، من خدمة المرضى كبار السن، فى الأسر الميسورة، أنا أيضا لا أستطيع البكاء أو الفضفضة مع زميلاتى بالمستشفي، لم يعد أحد يحفظ الأسرار....

هدأت مها وأكملت: فى يوم ضاقت الدنيا فى وجهي، فتذكرت صفحة بريد الجمعة التى كنت اقرؤها وانا فتاة شابة صغيرة قبل ان اتزوج، خرجت لأقرب مكتبة فى الشارع، وسألت عن ظرف جواب وطوابع بريد، سخرت منى البائعة فى المكتبة وقالت لى «انتى قديمة قوي.. الناس دلوقتى بتبعت ايميل» قلت لها انا على قد حالى لا بعرف ميل ولا فيس بوك.. أعطتنى ظرفا وطوابع، فأخذتها وكتبت ما كتبته، ووضعت الرسالة فى صندوق البوسطة.

ـ أدهشتنى مها وعلمتنى درسا لا أنساه عندما قالت: «ربنا جابك لحد عندى لأنى عملت كل اللى أقدر عليه، وبعدين رفعت رأسى للسما وقلت يارب .. كلمة (يارب) كلمة كبيرة»..

صحيح من يومها لم نتحدث ولم نتقابل، وحتى الآن لا أعرف شكلها ولم ترنى لكنى لا أنساها أبدا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق