«٨٠٪ ممن يصلون إلى بريطانيا فى قوارب صغيرة عبر البحر هم من الألبان».. هكذا سلط وزير الهجرة البريطانى، روبرت جينيرك، الضوء على العدد المتزايد للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من ألبانيا للبحث عن فرص عمل فى بريطانيا. الفقر وانتشار البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة فى ألبانيا فى السنوات الأخيرة دفع كثيرا من الرجال للهروب إلى بريطانيا لمواجهة مصير مجهول ظنا منهم أنهم يبحثون عن حياة أفضل لأسرهم وعوائلهم، تاركين وراءهم كثيرًا من النساء والأطفال الذين وجدوا أنفسهم بعد فرار رجالهم أمام خيار وحيد لا بديل له وهو إيجاد قوت يومهم للبقاء على قيد الحياة.
وعلى الرغم من ازدهار قطاع السياحة فى ألبانيا، فإن معدلات التضخم ارتفعت فى السنوات الأخيرة بشكل كبير، الأمر الذى أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وتدنى الرواتب والأجور وارتفاع معدلات الفقر وبطالة الشباب. ولم تستطع الحكومة فى ألبانيا مساعدة المواطنين الألبان فى مواجهة غلاء المعيشة خاصة فى عامى ٢٠٢١ و٢٠٢٢.
وبلغت نسبة بطالة الشباب للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين ١٥ و ٢٩ عاما ما يقرب من ٢٠٪. وانهار الوضع الاقتصادى لدرجة كبيرة، فقد أوضح آندى خوجهاج، الباحث الاقتصادى فى «يونيفرستى كولدج» المتخصص فى غرب البلقان، أن المواطنين فى ألبانيا أنفقوا ما يصل إلى ٦٠٪ من دخلهم على الطعام فقط.
ولأنه من المحن دائما تأتى المنح، ضرب النساء فى ألبانيا أروع مثل للكد والاجتهاد والمثابرة والعمل. وبسبب هروب أزواجهن إلى بريطانيا تغيرت حياة هؤلاء النساء وحققن إنجازا لا مثيل له.
فمن بين نحو اثنى عشر ألفًا وثلاثمائة مهاجر ألبانى فروا إلى المملكة المتحدة العام الماضى، كانت الغالبية العظمى من هؤلاء الرجال يعيشون فى منطقة «باجرام كورى» الجبلية مع زوجاتهم وأطفالهم. وبعد أن فر معظم الرجال إلى بريطانيا، لم يتبق فى تلك المنطقة الجبلية سوى النساء والأطفال.
وبدلا من أن يستسلمن للفقر والجوع، تجمع هؤلاء النساء فى أحد المتاجر فى «باجرام كورى» وبدأن فى صنع أشياء بدائية من الطعام وزرعها أو جمعها من الأرض، مثل: العنب البرى والتوت الأسود، ثم بيعها فى المتجر. وشجعهن زبائن المتجر بعد ذلك على صنع المربى أو الحلوى من التوت البرى أو الفواكه بدلا من بيعها كما هى. وشيئا فشيئا تطورت تجارتهم الصغيرة وتحولت إلى مشروع تجارى قوى لم يقتصر فقط على بيع الطعام بل تطور إلى إنتاج الملابس اليدوية والحلى وأدوات الزينة والمنسوجات المصنوعة يدويا، وبيعها للسكان المحليين والزوار والسياح.
وتوضح كاثرين بون، وهى إيطالية أمريكية تعيش فى منطقة «باجرام كورى» الجبلية منذ ١٥ عاما وساعدت فى إنشاء المشروع التجارى فى متجر المدينة، أن معظم الرجال الذين يذهبون للبحث عن عمل فى الخارج لا يعودون ولا يرسلون أموالا لأسرهم لأنهم مدينون بالكثير من الأموال لمهربى البشر الذين ساعدوهم فى السفر عبر البحر. ولأنهم يواجهون مصاعب الحياة بمفردهم كان على جميع النساء أن يمضين قدما فى حياتهن لتأمين سبل معيشة وحياة كريمة لهن ولأطفالهن. ومن خلال عملهن الجماعى معا، بدأ هؤلاء النساء يتبادلن الحديث وصور أبنائهن وأزواجهن والقيام بنشاطات اجتماعية لهن ولأطفالهن للترفيه عن أنفسهن. ونجحن فى إيجاد ما يفتقر إليه رجالهن ودفعهم للهروب، وهو توفير مصدر آمن للدخل وحياة اجتماعية كريمة.
وفى عام ٢٠٢١، كانت نسبة ٧١٪ من الملتحقين بالجامعات فى ألبانيا من النساء، وتؤكد الإحصاءات أن مشاركة الذكور فى القوى العاملة تراجعت بشكل مطرد خلال الثلاثين عاما الماضية.
ألبانيا حاليا من الدول المتميزة فى مجال الأعمال اليدوية والمنتجات المصنوعة من المعادن والأخشاب والجلد والصوف والفضة والذهب، كما أنها تشتهر بصناعة السجاد والكليم اليدوى الذى يتمتع بجودة فريدة، ويسافر كثير من السياح إلى ألبانيا فقط لشراء تلك الصناعات المعروفة بها بفضل هؤلاء النساء. فلن يكون من المبالغة القول إن ألبانيا دولة قائمة على نسائها.. فهن حقا نساء بدرجة رجال.
رابط دائم: