يبدو أن الهجرة غير الشرعية من الدول الإفريقية كانت السبب الحقيقى وراء اهتمام أوروبا بالقارة السمراء، وذلك من خلال زيادة الدعم الأقتصادى والتنموى عبر إقامة العديد من المشروعات المختلفة لتوفير فرص عمل للشباب داخل بلدانهم مما يحد بشكل كبير من هروبهم عبر البحار إلى القارة الأوروبية. ولكن اللافت للنظر أن الاهتمام الأوروبى ينصب على دول الساحل والجنوب الإفريقى أكثر من الشمال.
ومؤخرا زار المستشار الألمانى أولاف شولتس إثيوبيا وكينيا فى زيارة وصفت بالهامة كونها الأولى له للقارة السمراء منذ توليه رئاسة الحكومة. هدف الزيارة بحث إقامة العديد من مشروعات الطاقة المتجددة وغيرها بهدف توفير وخلق فرص عمل، وهذا ما أشارت إليه سفينيا شولتسه، وزيرة التعاون الاقتصادى والتنمية، فى تصريحات صحفية سابقة حيث أوضحت أن الغرض من تلك المشروعات هو توفير وظائف جديدة تصل إلى 25 مليون فرصة عمل سنويا فى القارة السمراء، مؤكدة أن النمو السكانى فى إفريقيا يزيد بمعدلات سريعة وقد يصل عام 2050 إلى 2.5 مليار نسمة.
وحقيقة الأمر أن ألمانيا هى أكبر دولة مساهمة فى الصندوق الائتمانى الأوروبى للطوارئ من أجل إفريقيا، والذى تأسس عام 2015 للحد من الهجرة غير النظامية إلى الاتحاد، والذى تم إنشاؤه بهدف عدم تكرار تلك الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين وصلوا إلى الاتحاد الأوروبى منذ عام 2015. حيث كان هناك إجماع على أن الاتحاد يجب أن يعمل على خلق وزيادة الفرص فى البلدان الأصلية للمهاجرين خاصة من الدول الإفريقية.
وقد رصد الصندوق وقتها ما يقرب من 5 مليارات يورو لتمويل المشروعات بالدول الإفريقية بهدف معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية بتوفير فرص عمل وحياة كريمة تجعل المواطن يتمسك بالإقامة فى موطنه ولا يجد داعيا للهروب إلى العالم الأوروبى.
وباعتبارها أيضا أكبر اقتصاد فى الاتحاد الأوروبى، فإن ألمانيا تعد أكبر دولة مانحة للصندوق حيث خصصت حوالى 316 مليون يورو فى شكل تمويل حكومى من وزارتى الخارجية والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى، ويقول بعض المراقبين الدوليين إن ألمانيا تركز على تنمية البلدان الإفريقية بشكل أكبر مما تفعله الدول الأعضاء الأخرى فى الاتحاد الأوروبى.
وواقع الحال هنا أن مشاريع الصندوق، والتى تتم عبر الوكالة الألمانية للتعاون الدولى بشكل أساسى، تركز دعمها على منطقة الساحل الإفريقى بشكل أكبر وتمتد إلى أكثر من 12 دولة فى غرب إفريقيا، من تشاد إلى السنغال.
وفى نهاية عام 2021، قرر الاتحاد الأوروبى توحيد صناديق دعم الدول الإفريقية وأدوات تمويل مشروعات التنمية، وذلك فى صندوق واحد بقيمة 80 مليار يورو، سيتم إنفاق 10٪ منها على البرامج المتعلقة بالهجرة. هدفها توحيد جهود الاتحاد والدول الأعضاء فيه بشكل أكثر فعالية. ووصف المراقبون هذه الخطوة بأنها تطور إيجابى بما انه لن يركز فقط على الآثار السلبية للهجرة. وذلك فى إشارة إلى أن دول الاتحاد كانت تركز فقط سابقا على تخفيف أثار الهجرة على الدول المستقبلة بمنحها دعم تنفق منه على المهاجرين إليها.
ولكن المؤشرات تدل على أن لألمانيا دور بارز فى تشكيل سياسات التنمية للاتحاد الأوروبى فى إفريقيا فى السنوات القادمة حيث تتطلع الحكومة للعب دور أكبر على الساحة الإفريقية. وكان من أهم هذه المؤشرات المشروع الذى تقدمت به سفينيا شولتسه، وزيرة التعاون الاقتصادى والتنمية الألمانية، والذى يوصف بانه استراتيجية جديدة، ذات افكار طموحة، وجاءت خطة الوزيرة تحت عنوان «مع إفريقيا نصنع المستقبل».
وقد أوضحت الوزيرة فى تصريحات صحفية أن ألمانيا لا تريد أن تبقى هذه الدول معتمدة على مساعدتنا إلى ما لانهاية. وأكدت أننا نعلم جيدا ما تستطيع أن تقوم به الدول الإفريقية ونعلم ما تملك من أدوات الابتكار، ولذلك يجب ان نركز على بناء شبكات، وشراكات يستفيد منها الطرفان وليس طرفا واحدا فقط.
وحازت خطة الوزيرة على تأييد الباحثين فى الشأن الإفريقى حيث أكدوا أن خطة وزارة التنمية الألمانية الجديدة بشأن إفريقيا اختارت الأسلوب الصحيح لتعزيز العلاقات بين ألمانيا وإفريقيا. فهى تعترف بنفوذ إفريقيا المتنامى فى العالم وتريد دعم الأولويات التى حددها الأفارقة لأنفسهم، وقال المراقبون ايضا ان تلك الاستراتيجية تختلف تماما عن خطة «مارشال»، التى أطلقها جيرد مولر الوزير السابق للتعاون الاقتصادى والتنمية، والتى كانت تركز فقط على تشجيع الشركات الألمانية على الاستثمار فى إفريقيا وفق رؤية هذه الشركات ووفقا لمصالحها، وأغفلت رؤية الدول الإفريقية حول أولوياتها، وهو الأمر الذى عالجته الخطة الحالية، التى يتم وضعها وفقا لرغبة وآمال الحكومات والشعوب الإفريقية.
وبالتأكيد تحاول برلين فى توجهها الجديد استخدام قوتها الناعمة من أجل التقرب من القارة السمراء وهو ما عكسته تصريحات وزيرة التنمية مؤخرا بأن ألمانيا تسعى الى تحقيق النجاح مع شركاء دوليين أكثر من العمل مع أشخاص.
هذا وقد أدركت ألمانيا أن غياب الاهتمام الأمثل بالقارة الإفريقية سوف يخلق بيئة حاضنة للجماعات المتطرفة تستغل عدم توافر فرص العمل ومشروعات التنمية الحقيقية فى استقطاب الشباب المحبط، حيث ينضم الشباب إلى الجماعات المتطرفة بهدف كسب لقمة العيش وليس لأسباب أيديولوجية, ولكن رغم أهمية وإيجابية خطة برلين الجديدة تجاه إفريقيا إلا أنها لم تتضمن ماهية الرؤية حول الشمال الإفريقى خاصة بعد نشوب الحرب فى السودان ونزوح الآلاف من العائلات إلى مصر وبعض الدول الإفريقية المجاورة، لأن تلك الدول تحتاج أيضا إلى الدخول فى الاستراتيجية الألمانية الجديدة بهدف توفير فرص عمل لملايين النازحين من مناطق الصراع، خاصة أن الشمال الإفريقى يطل على المنافذ البحرية التى تعد أهم أبواب الهجرة غير الشرعية.
رابط دائم: