لم يمنع البعد الجغرافى بين مصر وكوريا الجنوبية، تنامى العلاقات بين البلدين على كافة الأصعدة والمجالات، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، خاصة أن العلاقات بين الدولتين يعود تاريخها إلى عام 1948، حين اعترفت مصر رسميا باستقلال جمهورية كوريا الجنوبية.
ومنذ ذلك التاريخ مرت العلاقات بالعديد من المراحل حتى تمت فى عام 1995 ترقية التمثيل الدبلوماسى إلى مستوى السفارة، ومنذ ذلك التاريخ بذل الكثير من الجهد المشترك لصياغة إطار مؤسسى للتعاون الثنائى بين البلدين.
ولذلك كان من الطبيعى أن تتطور هذه العلاقات لتصل فى الوقت الحالى إلى مستوى الشراكة التعاونية الشاملة، التى تبناها البلدان خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى سول عام 2016، وأن تكون العلاقات الممتازة بين القاهرة وسول حاضرة دائما فى حديث السفير هونج جين أوك سفير كوريا لدى مصر الذى يستعد لمغادرة القاهرة، والعودة لبلاده بعد ثلاث سنوات مثمرة تحقق خلالها الكثير، سواء على الجانب الرسمى أو فى مجال الدبلوماسية العامة. خاصة بعد أن صنفت الحكومة الكورية الجنوبية مصر كدولة ذات أولوية للمساعدة الإنمائية الرسمية عام 2021، فضلا عن المشاورات المستمرة بين الجانبين لإطلاق اتفاقية الشراكة الاقتصادية لرفع مستوى التعاون الاقتصادى الثنائى.
ومن وجهة نظر هونج، فإن الشراكة الحالية القائمة بين مصر وبلاده يمكن أن تتطور لمستوى الشراكة الإستراتيجية الكاملة.
وهنا تشير الأرقام إلى أنه فى الوقت الذى تعانى فيه العديد من البلدان من صعوبات اقتصادية، بسبب جائحة كورونا ثم الحرب الروسية - الأوكرانية، فان التعاون الاقتصادى بين مصر وكوريا الجنوبية أصبح أكثر قوة، حيث بلغ حجم التجارة بين الجانبين 3٫15 مليار دولار لعام 2022، وهو ما يعد ثانى أكبر تبادل بين البلدين على الإطلاق، فى الوقت الذى اتسم فيه التعاون التجارى والاستثمارى بالثبات والانتظام، حيث تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن السفارة الكورية بالقاهرة إلى أنه اعتبارا من عام 2022 قامت كوريا الجنوبية باستثمار تراكمى بلغ 790 مليون دولار فى مصر، وشهد العام نفسه قيام شركة واحدة باستثمار 30 مليون دولار فى مصر، ومن إجمالى الاستثمارات الكورية فى مصر، تمثل الصناعات التحويلية 63%، كما تعمل حوالى 35 شركة كورية فى مصر، وبعض هذه الشركات يخطط لتوسيع أعماله، كما أصبح التعاون بين البلدين أوثق فى مجال الدفاع والثقافة والنقل والمواصلات، مثل توريد وإنتاج خط مترو الأنفاق الثانى والثالث، وبناء محطة الضبعة للطاقة النووية، الأمر الذى يؤكد رغبة وحماس الجانب الكورى لتعزيز قدرات التصنيع فى مصر ضمن «رؤية مصر 2030»، فضلا عن خطة الشركات الكورية فى المشاركة الفعالة فى التصدير من مصر للدول الإفريقية من خلال الاستفادة من «اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية».
هذا الأمر أكده السفير الكورى، حيث أشار إلى أنه على الرغم من التأثيرات السلبية للحرب الروسية – الأوكرانية على الوضع الاقتصادى فى مصر وكوريا، فإن الأرقام تشير إلى زيادة معدل التبادل التجارى بين البلدين بنسبة 40%، كما زادت الصادرات المصرية إلى كوريا بنسبة 61%، بل إن إحدى الشركات التكنولوجية الكورية العملاقة العاملة فى مصر توسعت فى نشاطها لتشمل إلى جانب أجهزة التليفزيون والموبايلات وأجهزة التابلت.
هذا الزخم فى علاقات التعاون بين البلدين امتد كذلك ليشمل تعظيم آفاق التعاون فى عدة مجالات، مثل صناعة السيارات الكهربائية بمصر، بالإضافة إلى التعاون فى مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والرقمنة، ومشروعات البنية الأساسية، والتعدين، فضلاً عن مناقشة سبل انخراط كوريا الجنوبية فى تنفيذ مبادرة «حياة كريمة».
ولم يتوقف التعاون عند هذا الحد، ولكنه امتد لمجال هام هو التعاون الثنائى فى مجال السياحة والتراث الثقافى، وذلك لتعزيز التبادلات الشعبية بين البلدين. ومن هذا المنطلق كانت خطوة تخفيض التحذيرات الأمنية لسفر المواطنين الكوريين إلى مصر لأول مرة منذ ثمانى سنوات، حيث من المتوقع استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين خلال العام الحالى.
رابط دائم: