جملة من المخاطر تحيط بالاقتصاد الأمريكى، بسبب استمرار أزمة سقف الدين دون حل، خاصة فى ظل المخاوف من أن تفضى إلى تخلف الحكومة الفيدرالية عن سداد ديونها للمرة الأولى فى تاريخها، مما يهدد بفوضى داخلية، بل وربما نشوب أزمة مالية عالمية جديدة.
ويحدد سقف الدين المبلغ الإجمالى للديون الفيدرالية غير المسددة المسموح بها. وبلغت ديون الحكومة الأمريكية حدها الأقصى وهو 31.4 تريليون دولار فى يناير 2023، وهو ما يعنى عدم إمكانية اقتراض المزيد من الأموال. وكشفت الخزانة الأمريكية عن أن السيولة المالية المتوافرة لديها، ستكون كافية حتى أوائل شهر يونيو المقبل. لكن وفى حالة ما لم يرفع الكونجرس، أو يعلق حد الدين بعد ذلك التوقيت، فإن الحكومة الفيدرالية ستفتقد السيولة اللازمة للوفاء بكامل التزاماتها. وفى تقرير لها حول الأزمة، رصدت شبكة «سى. إن. إن» مجموعة من الآثار المتوقعة للأزمة على أوضاع الأمريكيين، والتى يأتى على رأسها التخلف عن سداد مدفوعات الضمان الاجتماعى، التى يتلقاها نحو 66 مليون متقاعد وعامل معاق وآخرين. ويعتمد نحو ثلثى المستفيدين من الضمان على توفير نصف دخلهم، بينما تشكل بالنسبة إلى 40٪ منهم، نحو 90٪ من إجمالى الدخل. أما الهم الأكبر، فهو التأخر فى سداد رواتب الموظفين الفيدراليين، فهناك أكثر من مليونى عامل مدنى فيدرالى، وحوالى 1.4مليون فرد عسكرى فى الخدمة الفعلية. كما يمكن أن تتأثر بعض مزايا قدامى المحاربين، خاصة لذوى الدخل المنخفض، وأسرهم الباقية على قيد الحياة.كما يأتى من ضمن التأثيرات، تعرض استثمارات الأمريكيين لضربة مباشرة، خاصة مع إمكانية خفض التصنيف الائتمانى للبلاد، كما حدث على سبيل المثال خلال أزمة سقف الدين عام 2011.
وحتى إذا تم حل الأزمة خلال فترة وجيزة، فقد تفقد الأسهم ثلث قيمتها، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة على القروض وبطاقات الائتمان والرهون العقارية، فى الوقت الذى يعانى فيه الأمريكيون بالفعل من رفع أسعار الفائدة الفيدرالية. وأشار التقرير فى السياق نفسه إلى أن الأزمة ستقود بالتأكيد إلى انكماش اقتصادى بنسبة 0٫5٪ تقريبا، وفقا لوكالة «موديز»، مما قد يؤدى إلى ارتفاع معدل البطالة إلى حوالى 5٪، فى ظل توقع خسارة مليون شخص وظائفهم، فى حالة استمرار الأزمة لمدة أسبوع تقريبا. لكن فى حالة استمرارها لمدة ستة أسابيع، فيعنى فقدان أكثر من 7 ملايين وظيفة، وسيرتفع معدل البطالة إلى ما فوق الـ8%، وينكمش الاقتصاد بأكثر من 4٪. أما عن أبعاد الأزمة الخارجية، فقد ذكرت وكالة «أسوشيتدبرس»، أن أصداء تداعيات التخلف عن سداد الديون الفيدرالية لأول مرة، سرعان ما سيتردد فى جميع أنحاء العالم. ونقلت الوكالة عن خبراء اقتصاديين، قولهم إنه «إذا لم تحل الأزمة بسرعة، فإن الاقتصاد العالمى كله سيتأثر. سيكون حدثا كارثيا، وسط تداعيات لا يمكن التنبؤ بها، لكنها ستكون دراماتيكية على سوق الأوراق المالية الأمريكية والعالمية».
وأوضحت الوكالة أن ما يغذى القلق هو حقيقة أن الكثير من النشاط المالى العالمى، يتوقف على الثقة فى أن أمريكا ستدفع دائما التزاماتها المالية. وينظر إلى دين الولايات المتحدة منذ فترة طويلة على أنه أصل آمن للغاية، وهو أساس للتجارة العالمية، ما يعنى أن التخلف عن سداده قد يؤدى إلى انهيار سوق ديون الخزانة، التى تبلغ قيمتها 24 تريليون دولار، الأمر الذى قد يؤدى بدوره إلى تجميد الأسواق المالية وإشعال أزمة دولية. أما صحيفة «واشنطن بوست»، فقد كشفت عن أن التخلف عن سداد الديون، سوف يخفض من قيمة الدولار، إلى جانب النيل من هيبة الولايات المتحدة، حيث سيضر بمكانة البلاد على المسرح العالمى، من خلال الكشف عن عمق الخلل السياسى الداخلى الذى تعانيه.
وأوضحت الصحيفة أن الخبراء الماليين يتابعون بالفعل بعض الإشارات المبكرة على أن الاقتصاد العالمى بدأ التخلص من اعتماده الكامل على الدولار، حيث دعت بعض الدول إلى اعتماد التجارة فيما بينها بعملات أخرى. لكنه ورغم ذلك، فإن ما يقرب من 60% من عمليات تبادل العملات الأجنبية ما زالت تتم بالدولار، ومع استمرار أزمة الدين - والتى قد تؤدى إلى تدهور قيمة الدولار - فإن الوضع قد يتغير. كما أنه ووفقا لمجلس العلاقات الخارجية، فإن أكثر من نصف احتياطيات العملات الأجنبية فى العالم محتفظ بها بالدولار الأمريكى، أى ما يقرب من ثلاثة أضعاف أى عملة أخرى.
ولفتت «واشنطن بوست» إلى أنه قد يكون هناك شىء أكثر جوهرية على المحك، حيث ترتبط مصداقية الحكومات جزئيا بقدرتها على الاستجابة للأزمة، وهو ما يعنى أن التخلف عن سداد الدين، سوف يلقى بظلال من الشك على قدرة الحكومة الفيدرالية، ليس فقط على الاستجابة لحالات الطوارئ، ولكن أيضا للوفاء بواحدة من وظائفها الأساسية، وهى دفع فواتيرها المستحقة. إذا لم تستطع الولايات المتحدة فعل ذلك، فقد يتساءل المواطنون والقادة فى البلدان الأخرى، ما الذى ستعجز عن إدارته بعد الآن؟. ربما يبدو الجواب صعبا بالفعل، فى ظل حالة الشك وعدم اليقين، التى فرضتها الأزمة على الاقتصاد الأقوى عالميا، وهو ما يجعل من الصعب التنبؤ بحجم الضرر الذى ستخلفه، نظرا لارتباطه بالوقت الذى تستغرقه. لكن المؤكد هنا، هو أن الآثار ستكون جميعها سلبية، سواء على الداخل أو الخارج.
رابط دائم: