حوارى برودواى «ولا فى الأحلام»

قدم المسرح المصرى فى العقود الأولى من القرن العشرين عروضا موسيقية بالغة النضج والجمال وتألق فن الأوبريت على أيدى موسيقيين كبار يأتى على رأسهم خالد الذكر سيد درويش ومن قبله سلامة حجازى وداود حسنى وغيرهما.. ثم حدث تراجع شديد فى هذا الفن بعد رحيل سيد درويش ربما بسبب تفضيل الجيل التالى له فن السينما الذى تخلد فيه الأغانى أكثر وتحتاج لجهد أقل ويمكن تدارك الأخطاء الفنية بإعادة التصوير والتسجيل.. كما أن خام الفيلم السينمائى ينتقل إلى جميع أنحاء العالم بتكلفة بسيطة وأرباح ضخمة بينما انتقال العروض الموسيقية من مسرح لآخر تعد مغامرة إنتاجية غير مأمونة العواقب.

ولهذا نفرح كثيرا ونفاخر بمسرحيات كوميدية استعراضية لايمكن تصنيفها علميا بأنها عروض موسيقية مثل سيدتى الجميلة أو مدرسة المشاغبين أو ريا وسكينة ولكنها ناجحة ومحفورة فى الوجدان وتلعب الأغانى والاستعراضات فيها دورا أساسيا.. وتعد مسرحية «ولا فى الأحلام» التى يقدمها المخرج الشاب المبدع هانى عفيفى على مسرح قصر النيل تجربة معاصرة لإحياء فن الأوبريت القديم ولكن بمذاق غربى أقرب إلى طبيعة العروض الموسيقية فى مسارح برودواى بنيويورك.. بل يصل التأثر بالموسيقى الغربية إلى نداء بائع الفول فى الحارة المصرية على بضاعته بأسلوب أوبرالي! وتدور فكرة العرض حول البحث عن السعادة من خلال مخترع شاب هو بَرجل الذى لعب دوره بحضور وخفة ظل هانى عبد الناصر والذى يحاول منذ سنوات التوصل إلى تركيبة كيميائية تسحب الطاقة السلبية من الجسم أثناء النوم وتبديلها بالسعادة فى أحلامه وبالتالى يستيقظ الشخص راضيا مبتهجا فينعكس ذلك على سلوكه وحياته.. ولا يجد برجل من يجرب عليه الاختراع الجديد إلا شقيقه الموظف المطحون سفرجل والذى لعب دوره باقتدار على مستوى الغناء والتمثيل محمد عبده وهو إضافة حقيقية للمسرح الغنائى ربما يحتاج فقط إلى المزيد من التمارين الحركية والرشاقة لتحسين الأداء الاستعراضي.. وسفرجل بطل الأحداث يحب جارته جميلة ولا ينتبه إلى جارته المولعة به زهرة وقدمت الفنانة المتألقة منى هلا شخصية جميلة فى تصورين مختلفين الأول من وجهة نظر أحلام سفرجل ورؤيته لها بعين المحب كفتاة طيبة رقيقة حالمة والتصور الآخر كواقع لفتاة مادية جميلة فى مظهرها ولكنها قاسية القلب متحجرة المشاعر.. واستطاعت من خلال التناقض بين الشخصيتين أن تجد منطقة خصبة لتوليد الكوميديا ببساطة ودون مبالغة.. كما نجحت منى هلا فى المشاركة بالغناء وسط مجموعة من أجمل الأصوات المتخصصة فى الغناء مثل شادى عبد السلام خردواتى الحارة وهو بحق من أجمل وأقوى الأصوات الموجودة على الساحة وأحد نجوم فرقة أيامنا الحلوة.. ومنار الشاذلى التى جسدت دور الأرملة فى الحديقة أو الامتحان الذى تتعرض له البطلتان جميلة ومن بعدها زهرة ليظهر المعدن الحقيقى للشخصية ومنار أيضا من أجمل وأرق الأصوات الغنائية المبدعة وهى من خريجات مركز الإبداع الفنى كشادى عبد السلام.. ولعبت زهرة رامى دور زهرة الفتاة المحبة النقية التى يستحقها سفرجل والتى تهيم به عشقا ثم أدت دور الزوجة الزنانة التى تختلق المشاكل وتغرق فى هموم التفاصيل اليومية المزعجة.. ولعبت نيفين محمود دور سيدة أجنبية تدعى كاليستا ربما فى إشارة إلى زمن الأحداث وهو النصف الأول من القرن الماضى حيث كانت سيدات أجنبيات خاصة من اليونان يقمن بشكل طبيعى فى الحوارى المصرية بالقاهرة والإسكندرية على وجه الخصوص وكاليستا مغرمة بالخردواتى صابر وتأخذ بضاعتها منه على النوتة كما كان يحدث عادة فى تلك الأيام.. ولعب بهاء الطمبارى دور أحمد جار سفرجل ولديه إمكانات صوتية وتمثيلية رائعة بينما قدمت تالا رضوان دور زوجته التى تناديه كلما خرج لتذكره بشراء البطاطا.. وقدم إبراهيم سعيد دور بائع الفول فى الحارة بينما تألقت الطفلة حبيبة عادل فى دور دعاء أو دودو الطفلة اليتيمة التى تلعب بالكرة وتكون همزة الوصل ما بين والدتها الأرملة وما بين سفرجل وخطيباته ولديها حضور قوى على خشبة المسرح.. ورغم أن البناء الدرامى بسيط ويفتقد إلى الحبكة فى بعض المشاهد إلا أن الجمهور تفاعل مع الأغانى التى كتبها ولحنها مؤلف العرض ومنتجه إبراهيم موريس كما تفاعل مع الاستعراضات المبهرة التى صممتها سالى أحمد بمشاركة رجوى حامد وحمل ديكور محمد الغرباوى لمسة سحر موحية بأجواء الحلم وأناقة فى الصورة حتى فى تقديم الحارة البسيطة همت فى وضوح جماليات الديكور الإضاءة المتقنة لياسر شعلان وبالطبع لعبت الهندسة الصوتية لعلى صدقى دورا مهما فى عرض غنائى موسيقى جميل.. واستطاع هانى عفيفى أن يقدم مسرحية ناجحة من خلال القطاع الخاص بوجوه شابة أغلبها غير معروف ولكنها تمتلك إمكانات فنية كبيرة وإيمان حقيقى بدور ورسالة المسرح الغنائى.