أبدو كئيباً فى الصوّر
نائماً أو لا ملامحَ لي
يخاصمنى الضَّوْء، وعين الكاميرا
دائماً يبدو الأمرُ هكذا
ويتكررُ فى كل مناسبةٍ
فتظهر عينْايَ مُغْلقْتين
كتفايَ كشماعة فارغةٍ
وقلبى مليئاً بالزحام
فى ليلة الزفاف
همس المصّور فى أذني
ابتسم أيها الغراب
لا تسوِّد الليلة
«الساكن فى السموات يضحك»
فصنعتُ أجنحةً وريشاً
وعشت، كأننى عشت، بين فراشاتً
وابتسمت
وحين امتلكتُ
أوّل كاميرا فى حياتى، هديةً
صوّرت نفسى أمام مرآةٍ
تأملت وجهى وانتشيتُ كـ«نرسيس»
لكننى نسيتُ الضغط
على «زر» التصوير
فضاعت اللحظة كلها
.............
لم أستطع هذه المرة
أن أحوّل الغضبَ إلى قصيدةٍ
أو أجعل الحزن أغنية للحزانى
أنا اليوم مجردُ رجلٍ صامدٍ
يومئ ليس إلاَّ
لو مر الهواءُ إلى جواره فاضَ
ولو عبرته رائحةٌ دَنَا
أنا اليوم رجل
حاز نصيبه من الليلِ كاملاً
لا يريد الشعر أو الخلود
يريد رائحة إبطيك ليس إلاَّ
ورائحة الرغبة أو صوت الدّم
اليوم غادرنى الملاك
وأريد أن أستعيد أجنحتى
التى سرقتها الطيورُ
لأضخ الهواء فوق ظهرك العارى
ثم أقفز فى الماء
اليوم غادرنى الملاك
طرده عبدالحليم حافظ
طرده الشعر والأحلام المؤجلة
الرجل الذى مضى إلى آخر الأرض
يجمع الغيم والريح
وحين راَسَلَ «درو باريمور»
ردتّ عليه
وحين حيا «آن هاثاوى»
خمنت أنه مجنون
الذى صدّق فى لحظة أنه نبى
وأنَّ أحداً
لن يصيح فى وجهه مرة أخرى:
ابتسم أيها الغراب
.............
تذكرين المنديل
الذى وضعته تحت إبطك؟
عثرت عليه بالأمسِ بين الأوراق
تراكمت عليه الكتب
لكنه مازال نديَّا كما كان
ورائحتك باقيةً
المنديل لا يزال حيا
أنا الرجل الذى قابل امرأة
لها تسعة أبناء
وحين تذكرته سخرت من نفسها
وتمتمت: يا لك من غراب عنيد
إذا غادرتُكَ
من سيثبت أن الأنوثة خالدةً
أو يشير إلى الطريق الطويل
الذى غادرناه دون مغامرة
.............
متى كنتُ شخصاً منتظماً
يصحو فى الثامنة
يهرب من لظى الشمس
ويخشى عواء الناسِ
فيرعى أعشابَه الضارةَ وحده
يلف على الأماكن رُكناً رُكناً
هنا خَدعَنَا النادلُ
هنا تشمّمتُ أصابعى بعد لمسةٍ
أقف أمام المحلات
أشترى الأطباق والسكاكين
وأعرف الفرق بين سكين و أخرى
حفاظاً على أصابع «رؤى»
هذا الإسدال مناسب لها وهى تصلي
وهذه أكياس لحفظ الملابس
متى كنت شخصاً منتظماً
لا يفكر فى المعصية
فور الخروج من البيت
ويفضّل المترو كأقنان المكاتب
من كان يمشي
أو يجلس فى أقربِ «غُرْزةٍ»
يفكرُ فى قصيدةٍ أو حيلة للقاء المحرّم
متى بدأ الدبيب الخفيف
وحلّت الأشجار محل الغابات؟
من بدّلنى؟
من أوْحى إلى الغيم الخصام؟
كيف تنكر الوقت لى؟
وكل شىء كالصدى المرير
من صيّرنى ذلك الأبَ الغريبَ؟
النبيَ الذى تقشَّرَ ظهرٌه
بسياط المحبة؟
.............
أيها المصوّرُ
لا تكن قاسياً
دع العدسة وحدها ترانى
اترك للزجاج حرَّية الشجَّن
ذلك الظل الذى يبدو
أمامك الآن دون مجازٍ ودون نبوّة
يعشق الغرز الصغيرة والمقاهى
يمشى من شارع إلى شارع
ليكتب تاريخه السّرى
وكم تسبيحةً فى اليوم
أيها المصوّر
كيف يمكنك تحديد ملامحى؟
وكم الأسى خلف الرضا
لا تكن قاسياً
دع العدسة وحدها ترانى
دع يد الإنسانِ محايدةً
هذا عطشٌ لا ماء له
فلا تهمس لى:
ابتسم أيها الغراب.
رابط دائم: