رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ابتسم أيها الغراب

مصطفى عبادة
مصطفى عبادة

‎أبدو كئيباً فى الصوّر

‎نائماً أو لا ملامحَ لي

‎يخاصمنى الضَّوْء، وعين الكاميرا

‎دائماً يبدو الأمرُ هكذا

‎ويتكررُ فى كل مناسبةٍ

‎فتظهر عينْايَ مُغْلقْتين

‎كتفايَ كشماعة فارغةٍ

‎وقلبى مليئاً بالزحام

فى ليلة الزفاف

‎همس المصّور فى أذني

‎ابتسم أيها الغراب

‎لا تسوِّد الليلة

«الساكن فى السموات يضحك»

‎فصنعتُ أجنحةً وريشاً

‎وعشت، كأننى عشت، بين فراشاتً

‎وابتسمت

‎وحين امتلكتُ

‎أوّل كاميرا فى حياتى، هديةً

‎صوّرت نفسى ‎أمام مرآةٍ

‎تأملت وجهى ‎وانتشيتُ كـ«نرسيس»

‎لكننى نسيتُ الضغط

‎على «زر» التصوير

‎فضاعت اللحظة كلها

.............

‎لم أستطع هذه المرة

‎أن أحوّل الغضبَ إلى قصيدةٍ

‎أو أجعل الحزن أغنية للحزانى

‎أنا اليوم مجردُ رجلٍ صامدٍ

‎يومئ ليس إلاَّ

‎لو مر الهواءُ إلى جواره ‎فاضَ

‎ولو عبرته رائحةٌ دَنَا

‎أنا اليوم رجل

‎حاز نصيبه من الليلِ كاملاً

‎لا يريد الشعر أو الخلود

‎يريد رائحة إبطيك ‎ليس إلاَّ

‎ورائحة الرغبة أو صوت الدّم

‎اليوم غادرنى الملاك

‎وأريد أن أستعيد أجنحتى

‎التى سرقتها الطيورُ

‎لأضخ الهواء ‎فوق ظهرك العارى

‎ثم أقفز فى الماء

‎اليوم غادرنى الملاك

‎طرده عبدالحليم حافظ

‎طرده الشعر والأحلام المؤجلة

‎الرجل الذى مضى إلى آخر الأرض

‎يجمع الغيم والريح

‎وحين راَسَلَ «درو باريمور»

‎ردتّ عليه

‎وحين حيا «آن هاثاوى»

‎خمنت أنه مجنون

‎الذى صدّق فى لحظة‎ أنه نبى

‎وأنَّ أحداً

‎لن يصيح فى وجهه مرة أخرى:

‎ابتسم أيها الغراب

.............

‎تذكرين المنديل

‎الذى وضعته تحت إبطك؟

‎عثرت عليه بالأمسِ ‎بين الأوراق

‎تراكمت عليه الكتب

‎لكنه مازال نديَّا كما كان

‎ورائحتك باقيةً

‎المنديل لا يزال حيا

‎أنا الرجل الذى قابل امرأة

‎لها تسعة أبناء

‎وحين تذكرته سخرت من نفسها

‎وتمتمت: ‎يا لك من غراب عنيد

‎إذا غادرتُكَ

‎من سيثبت أن الأنوثة خالدةً

‎أو يشير إلى الطريق الطويل

‎الذى غادرناه ‎دون مغامرة

.............

‎متى كنتُ شخصاً منتظماً

‎يصحو فى الثامنة

‎يهرب من لظى الشمس

‎ويخشى عواء الناسِ

‎فيرعى أعشابَه ‎الضارةَ وحده

‎يلف على الأماكن ‎رُكناً رُكناً

‎هنا خَدعَنَا النادلُ

‎هنا تشمّمتُ أصابعى ‎بعد لمسةٍ

‎أقف أمام المحلات

‎أشترى الأطباق ‎والسكاكين

‎وأعرف الفرق بين سكين و أخرى

‎حفاظاً على أصابع «رؤى»

‎هذا الإسدال مناسب لها ‎وهى تصلي

‎وهذه أكياس لحفظ الملابس

‎متى كنت شخصاً منتظماً

‎لا يفكر فى المعصية

‎فور الخروج من البيت

‎ويفضّل المترو كأقنان المكاتب

‎من كان يمشي

‎أو يجلس فى أقربِ «غُرْزةٍ»

‎يفكرُ فى قصيدةٍ ‎أو حيلة للقاء المحرّم

‎متى بدأ الدبيب الخفيف

‎وحلّت الأشجار ‎محل الغابات؟

‎من بدّلنى؟

‎من أوْحى إلى الغيم الخصام؟

‎كيف تنكر الوقت لى؟

‎وكل شىء كالصدى المرير

‎من صيّرنى ‎ذلك الأبَ الغريبَ؟

‎النبيَ الذى تقشَّرَ ظهرٌه

‎بسياط المحبة؟

.............

‎أيها المصوّرُ

‎لا تكن قاسياً

‎دع العدسة وحدها ترانى

‎اترك للزجاج ‎حرَّية الشجَّن

‎ذلك الظل الذى يبدو

‎أمامك الآن دون مجازٍ ‎ودون نبوّة

‎يعشق الغرز الصغيرة ‎والمقاهى

‎يمشى من شارع إلى شارع

‎ليكتب تاريخه السّرى

‎وكم تسبيحةً فى اليوم

‎أيها المصوّر

‎كيف يمكنك تحديد ملامحى؟

‎وكم الأسى خلف الرضا

‎لا تكن قاسياً

‎دع العدسة وحدها ترانى

‎دع يد الإنسانِ ‎محايدةً

‎هذا عطشٌ لا ماء له

‎فلا تهمس لى:

‎ابتسم أيها الغراب.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق