مع حلول اليوبيل الذهبى لانتصار العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر 1973، تتذكر كل مدينة وقرية مصرية تلك الذكرى الخالدة بطريقتها.
أما بورسعيد، فتتذكر أنغام فنانيها وأبرزهم الشاعر الملقب بقيصر العامية إبراهيم البانى.
والغوص فى بحار قيصر العامية الراحل إبراهيم البانى، يعتبر مهمة بالغة الصعوبة، نظرا لأصالة موهبته ومسيرته الشعرية الطويلة وإنتاجه المتميز الذى أصبح جزءا مهما من رصيد أدب العامية المصرية والحركة الثقافية المحلية بمسقط رأسه بورسعيد الباسلة. وكعادة شعراء العامية المجيدين، السائرين على درب بيرم التونسى، وصلاح جاهين، وفؤاد حداد، وأحمد فؤاد نجم، وعبد الرحمن الأبنودى، وعبد الرحيم منصور، وسيد حجاب، كانت المحن والأيام الصعبة هى النار التى كانت وراء ولادة أروع الأبيات وأعظم التجارب.
ولم يكن على النفس المصرية أشد قسوة من وقائع نكسة 1967، والتى جاءت معاناتها مضاعفة بالنسبة لأهالى مدن القناة، الذين تركوا بيوتهم فى سياق شتات التهجير القسرى إلى محافظات الجمهورية .
وقتها، أنشد إبراهيم البانى من المهجر فى «رأس البر»، مبشرا بالنور والأمل والنصر وطاف فى كل مكان من أرض مصر بقصيدته الأشهر وأبياتها :
فجر الرجوع أهو لاح ..
روح يادمع العيون
واطلع يانور الصباح ..
وافرض ضياك على الغصون
نور بلدنا الحبيبة
خلى السحابة الكئيبة ..
تبعد عن الشمس وضى القمر
علشان خلاص راجعين ..
راجعين بورسعيد
وتتلقف فرق السمسية الكلمات لتتحول الى أنشودة يتغنى بها جميع مهاجرى مدن القناة فى المحافظات كافة، وتتصدر قائمة الأغانى الوطنية خلال حرب الاستنزاف، وفترات مابعد العبور العظيم فى أكتوبر 73، وعودة المهجرين لبورسعيد فى أغسطس 74.
وتكون تلك الكلمات نفسها بداية فرقة السمسية التى كونها باسم «فرقة ولاد البحر»، والتى تزامنت عروضها أثناء فترة التهجير العصيبة مع عروض مطربى وفنانى السمسية المشاهير بمدن القناة، وعلى رأسهم كامل عيد فى بورسعيد، والكابتن غزالى فى السويس، وعبده العثمانى فى الإسماعيلية.

فرحة أهالى بورسعيد بالعودة عقب نصر أكتوبر ـ العاشر من رمضان
ولد البورسعيدى الأصيل إبراهيم البانى فى 8 مارس 1944بشارع بنى سويف بحى الوطنية القديم، المناخ. وصقلت الحروب التى شهدتها بورسعيد فى أعوام ١٩٥٦ و ١٩٦٧ و ١٩٧٣ موهبته الشعرية، وأطلقت إبداعاته المتجددة التى كانت موضع حفاوة الجمهور والنقاد وأجياله من أدباء وشعراء بورسعيد، ومن بينهم سمير معوض وحامد البلاسى وكامل عيد ومحمد عبد القادر .
ووجدت أشعاره طريقها لفرق السمسية والعروض المسرحية الوطنية والشعبية لكبار الكتاب والمؤلفين ، وكون ثنائيا فنيا مع المطرب والملحن الشاب رجب الشاذلى. وذلك عبر «دويتو» رائع اكتسح المراكز الأولى ونال جوائز المهرجانات الفنية بمسرحيات «فرقة بورسعيد»: «جحا فى المزاد»، و«على جناح التبريزى» و«هلوسة»، ومسرحية «فرقة مرسى مطروح» المعروفة بعنوان «باى باى ياعرب»، وكذلك مسرحية «اللعب على المكشوف» لفرقة السويس.
أجاد البانى التعبير عن نبض الشارع ومشاعر الناس ونطقت كلماته بتجارب بورسعيد وتحولاتها بين زمن الحرب والسلم ، وأمال الحرية والعيش الكريم ومهام الدفاع عن الوطن وذلك عبر داووينه: «الليل وسيرته»، و «صباحين وحتة»، و«العشق وسنينه»، و«رباعيات بهلول»، و«تجليات ابن فطوطة»، و«حبة عتاب للمحروسة»، و«فى حضرة المصطفى».
وعن تاريخه الأدبى، يقول الفنان والموسيقار البورسعيدى أحمد العجمى، إن الراحل إبراهيم البانى بدأ حياته مدرسا للغة العربية، وكان معلما محبوبا من جانب زملائه والألاف من تلاميذه فى «رأس البر»، و«بورسعيد»، وتدرج فى المناصب حتى أصبح مديرا عاما بمديرية التربية والتعليم فى بورسعيد.
وخلال مشواره الأدبى، جرى تكريمه فى المهرجان الدولى الأول للموسيقى الشعبية (فنون السمسمية) بورسعيد 1991، وكذلك تم تكريمه من جانب جامعة قناة السويس. وتكريمه بمؤتمر أدباء مصر الحادى عشر لدوره فى إثراء الحركة الأدبية فى أقاليم مصر، السويس، وذلك عام 1996. وتبارات المجلات الثقافية المصرية والعربية فى نشر أشعاره. واستقبلت البرامج الإذاعية والتليفزيونية إبداعاته.
ومنذ رحيله الذى حزن له محبوه فى بورسعيد ومصر بأسرها، لم تنقطع ندوات ومؤتمرات الاحتفاء بأشعاره من جانب وزارة الثقافة وقصورها. وتبارى محبوه من الأدباء فى إنتاج الافلام الوثائقية لتخليد ذكراه. وبعد رحيلة يوم 20 أكتوبر عام 2012، أنطلق صوت شاعر العامية مصطفى حامد من أسيوط يبكيه:
أنا الغلطان وبترجاك
تسامحني!
أنا المحنى ورا روحى اللى مابترساش
على بر ولا مينا!
وشيطانى نسَّانى
أجيلك وأسالك فينك؟
ياابراهيم يافنارة حب فى بلادى
من بورسعيد لآخر آخر الوادى
رابط دائم: