-
عبد المطلب: غياب الماضى الجميل وراء تراجع رمضان فى الأدب
-
عيد: استلهام روح الشعب سبب فى الإبداع و«حداد» نموذجا
-
بدوى: الشهر الكريم أكبر محفز للروحانيات
-
منصور: غالبية أدباء هذا الزمان مغتربون عن تراثهم
على مدى تاريخه الطويل احتفى الأدب العربى شعرا ونثرا بشهر رمضان الكريم، وبدا متجليا فى أعمال الكبار بدءا من أبى نواس، البحترى وابن الرومي، مرورا بشوقى ومحمود حسن إسماعيل، وانتهاء بنجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس ويحيى حقى وعبد الحكيم قاسم وغيرهم.
وفى السنوات الأخيرة بدت صورة رمضان فى الأدب العربى خافتة، بعد أن كان ملء السمع والبصر، الأمر الذى يدعو لرصد الظاهرة الغريبة، والبحث بموضوعية عن أسباب الغياب، وهل انفض الأدباء عن شهر رمضان رغم روحانياته التى لا تنفد؟
الناقد د.محمد عبد المطلب يقول إنه للأسف خفتت علاقتنا بتراثنا فى كل شيء، مشيرا إلى أن كثيرا من المثقفين والأدباء فهموا الحداثة فهما خاطئا، وظنوا أن الحداثة انقطاع مع الماضي، فدعا الغلاة منهم للتنكر للماضى وإلغائه.
ويواصل صاحب» قضايا الحداثة عند عبد القاهر الجرجاني» قائلا: ومن ثم غاب رمضان، وغابت كل المناسبات الدينية والوطنية فى الثقافة الأدبية شعرا ونثرا فى السنوات الأخيرة.
ويلفت إلى أن ما يسعده الآن ظهور تيار يسمى بعد ما بعد الحداثة الذى ظهر فى أمريكا فى السنوات الأخيرة ولكنه لم يأخذ مكانه فى العالم حتى يومنا، لأن القطيعة مع التراث لا تزال هى المسيطرة على المجتمع العالمى كله بفعل العولمة.
ويوضح أنه الآن بدأت تطل علينا دعوات تطالب باحترام الماضى بوصفه ذخيرة الحاضر، وذخيرة المستقبل أيضا.
ويواصل د.عبد المطلب قائلا: « تأسست الحداثة على فكرتين :فكرة الثورة على التقليد، ومركزية العقل. وبعض الحداثيين طالبوا بقطيعة مع الماضي، وآخرون طالبوا – صراحة - بالإعراض عنه تماما، وبعد ما بعد الحداثة دعوة تقول إن كل جديد هو انعكاس للقديم حتى لو كان ضده».
ويرى أنه من هنا تجيء أهمية استعادة التراث ـ سواء أكان تراثا دينيا أم ثقافيا أم تراثا أدبيا ـ بحضوره البهي؛ مؤكدا أنه لا حاضر بلا ماضي.
ويذكّر بقول أديب العربية الكبير ابن قتيبة:«لا جديد لمن لا قديم له، وكل قديم كان حديثا فى زمنه، ولا يوجد أبناء بلا آباء». ودعا د. عبد المطلب لاستعادة ماضينا الدينى والثقافى والحضارى فيما نكتب وفيما نقول، وإلا أصبحنا أبناء عاقين.
ويختتم مؤكدا، أنه إذا عادت تقاليد الزمن الجميل، سيستعيد الأدباء والمثقفون ذكريات رمضان وتقاليده وطقوسه الروحية والشكلية التى احتفى بها أدباؤنا الكبار، وسيعود رمضان ببريقه للشارع المصرى بعد أن غابت عن المجتمع سنين عددا.
اللافت فى احتفاء بعض الشعراء برمضان مناجاتهم له، وتعويلهم عليه، فمثلا يناجى الشاعر أحمد مخيمر رمضان قائلا:
أنت فى الدهر غرة وعلى الأرض سلام وفى السماء دعاء
يتلقاك عند لقياك أهل الـبر والمؤمنون والأصفياء
فلهم فى النهار نجوى وتسبيح وفى الليل أدمع ونداء
ليلة القدر عندهم فرحة العمر تدانت على سناها السماء.. فى انتظار لنورها كل ليل يتمنى الهدى ويدعو الرجاء
وتعيش الأرواح فى فلق الأشواق حتى يباح فيها اللقاء فإذا الكون فرحة تغمر الخلق إليه تبتـل الأتقياء
وإذا الأرض فى سلام وأمن وإذا الفجر نشوة وصفاء..
وكأنى أرى الملائكة الأبرار فيهـا وحولها الأنبيــاء
نزلوا فوقها من الملأ الأعلى فأين الشقـاء والأشقـياء؟
الأديب محمد السيد عيد يقول: إن هناك شاعرا من العصر المملوكى اسمه جمال الدين بن نباتة تميز بحضور رمضان فى شعره، وكتب عن الكنافة والقطايف، وكتب عن الألغاز (أشبه بفوازير زماننا القريب) التى كانوا يتسلون بها فى ليالى رمضان .
ويشيد صاحب «التراث فى مسرح صلاح عبد الصبور» بما كتبه فؤاد حداد عن «المسحراتي»، لافتا إلى أنه نجح فى استلهام روح الشعب.
وعن رأيه فى خفوت الحضور الرمضانى عند أدباء هذا الزمان، يقول إن وسائل التواصل الاجتماعى ملأت على الناس حياتهم، وأخذت منهم أوقاتهم، ولم يعد لديهم وقت للإبداع حول الشهر الفضيل.
ويرى أن الإعلام أيضا يتحمل جزءا من المسئولية بسبب تركيزه على مسلسلات اجتماعية لا تعبر عن روحانيات رمضان.
من جهته، يقول الأديب رفقى بدوى العضو الأسبق لمجلس إدارة اتحاد الكتاب إن رمضان بالنسبة له مناسبة تعاش، لا أدبا يُكتب .
ويضيف صاحب «اللعب على سطور الحكاية» أن كل قراءاته فى شهر رمضان دينية وتراثية، مشيرا إلى أن رمضان أكبر محفز للروحانيات.
وعن أكثر الأدباء احتفاء برمضان، يضرب بدوى مثلا بيحيى حقى فى الرواية والقصة، ومحمد التهامى وأحمد عمر هاشم، وصابر عبد الدايم فى الشعر .
وعن السبب فى عدم احتفاء الأدباء الآن برمضان، يرى بدوى أن هذه الفترة بعيدة كل البعد عن الدين وطقوسه، مشيرا إلى أن هذا الجيل بعيد عن التجربة الدينية فهما واستيعابا.
ويضيف أنه لم يعد أحد ملازما للمساجد والتكايا وأجواء رمضان الروحانية، مشيرا إلى أن الأجيال القديمة احتفوا بالطقوس الرمضانية وعاشوها وأحبوها، فأبدعوا فيها.
فى السياق نفسه، يذكّر الأديب عباس منصور بما كتبه عبد الحكيم قاسم في» أيام الإنسان السبعة»، مشيرا إلى أنه كان مهتما بالطقوس بعيدا عن أمور العقيدة. ويضيف أن «قاسم» كتب عن لحظة حضور رمضان فى العمل عند الموظفين، وهى لحظة ينتظرها الصغار والكبار معا.
ويقول صاحب «نساء الدميري» إن الاحتفاء برمضان كان «توليفة» خاصة بالمصريين، لافتا إلى أن كل المناسبات الإسلامية تم تحويلها إلى مناسبات شعبية منذ العصر الفاطمى وتمت تسميتها «مواسم»، بما فيها مقتل الحسين.
وعن أسباب خفوت الحضور الرمضانى عند الأدباء، يرى منصور أن معظم الشعراء الآن مغتربون عن تراثهم، ويحاول بعضهم وضعه فى إطار العقلانية باعتبار هذه الطقوس ليست عقلانية من وجهة نظرهم.
ويصف وجهة النظر هذه بأنها خاطئة، لافتا إلى أن الايديولوجيا أفسدت الكثير من المواهب إلى حد كبير، ودعتهم للتحليق فى آفاق وهمية لمسايرة المد الأممى الذى كان يقف وراءه الاتحاد السوفيتي، ولا تزال موجاته الضعيفة متواصلة حتى الآن. ويعتبر أن كل من أفلت من هذا الإفساد الايديولوجى أصبحوا شعراء وروائيين كبارا، مثل أمل دنقل، وأحمد شوقي، وصلاح عبد الصبور، ويحيى الطاهر عبد الله، وأحمد فؤاد نجم، وعبد الرحمن الأبنودى وكبيرهم فؤاد حداد.
ويلفت منصور إلى أن رمضان كان أكثر حضورا فى الرواية، منتقدا عدم احتفاء المسلسلات بتناول مظاهر رمضان عند الناس، مشيرا إلى أن كتّابا كثيرين بحاجة إلى ثقافة عميقة، ناعيا على البعض غلبة الثقافة السطحية التى لا تغنى عنهم من الإبداع شيئا.
ويوضح أن بعض الكتّاب تفلت من أيديهم أشياء كثيرة مهمة، الأمر الذى أفقد أدبهم الكثير. ويشيد منصور بتجربة فؤاد حداد وعمله الخالد «المسحراتي»، مشيرا إلى أن حداد شاعر أصيل عاشق لمصر. وعن السر فى إبداع حداد هذا العمل، يقول: أعتقد هو معرفته الدقيقة بتاريخ مصر القديم والحديث، ومعرفته الناس. ويصف حداد بأنه لم يكن مثقف غرفة، بل مثقف شارع يعرف كل شىء عن المصريين، مشيرا إلى أن «المسحراتى» صور من الحياة فى مصر يمارسها الشعبيون. ويختتم منصور كلامه، مؤكدا أن الحضور الطقوسى الاحتفالى المصرى بشهر رمضان تجلى عند شوقى ونجيب محفوظ ويحيى حقى وعبد الحكيم قاسم وعبد المنعم عبد القادر وغيرهم من روائيى وشعراء مصر الكبار.
رابط دائم: