ثمة معادلة شديدة القسوة تنتظر الفلسطينيين خلال شهر رمضان المبارك، تقوم على ارتفاع منسوب عدوانية سلطات الاحتلال، واستمرار التداعيات السلبية لأزمة جائحة كورونا ومخرجات الحرب الروسية الأوكرانية، وكلها أنتجت وضعية اقتصادية واجتماعية بالغ الصعوبة، مصحوبة بمحدودية الإسناد المالى الذى تقدمه السلطة الوطنية، فى ضوء ما تقوم به حكومة الاحتلال من خصم مستحقاتها من الجمارك والضرائب من ناحية، وضعف المساعدات الاقتصادية التى تتلقاها من الأطراف الإقليمية والدولية من ناحية أخرى.
ولأن تلبية متطلبات الشهر الكريم ليست بمقدورأغلبية الفلسطينيين، فإن الخيار القوى المتاح أمامهم، يكمن فى التضامن فيما بينهم، أوالتكافل- وفق تعبير وسام الريس أمين سر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية فرع مصر فى حديثها لـ«الأهرام»- وهى حالة تأسست- كما تقول-أثناء نكبة 1948، التى أفضت إلى هجرة أعداد كبيرة من الشعب الفلسطينى من قراهم ومدنهم، التى استولى عليها الصهاينة بالمذابح وقوة السلاح الى قطاع غزة والضفة الغربية، فوجدوا الملاذ الآمن فى أحضان أبناء شعبهم، الذين هبوا لنجدتهم بتقديم العون الطعام والملبس والنقود لمن فقدوا كل شىء، وذلك قبل أن تدخل المؤسسات الدولية الإنسانية والأمم المتحدة لتقديم المساعدة واستمرت بعدها.
وتضيف «فى رمضان عام ٢٠١٤ شن جيش الاحتلال حربا ضارية على قطاع غزة لمدة ٥٠ يوما، هدمت أبراجا وعمارات وبيوتا بأكملها. وفقد سكانها كل شىء فلجأوا الى الطرقات والحدائق، وهب أشقاؤهم لمساعدتهم مقدمين الطعام والملابس والأغطية، وبعدها دخلت مؤسسات الإغاثة العربية والدولية، وإعادة الإعمار المحدودة والمقيدة بسبب الحصار المفروض على غزة منذ عام 2007». إذن، فإن مبدأ التكافل – تواصل وسام حديثها- هو ما اعتمده الفلسطينيون منذ النكبة الى الآن، وبات قارب الإنقاذ فى كل الأزمات، فمع المناسبات الدينية والأعياد،كشهر رمضان المبارك وعيدى الفطر والأضحى، يعم الخير وتمتلئ البيوت بالمؤن، وسلال الطعام وتوزع آلاف الحصص من اللحوم، التى يتبرع بها القادرون من أبناء الشعب الفلسطينى. كما تنشط الجمعيات ومؤسسات العمل المدنى لتغطية الباقى. وهو دور مهم للغاية،لأن المجهودات الفردية لا تكفى لمواجهة هذا الكم الكم الهائل من المحتاجين، بالذات بسبب سنوات الحصار الطويلة فى غزة والإغلاق المستمر للضفة الغربية، وهو الأمر الذى أثرعلى الاقتصاد الفلسطينى وموارده، فلا زراعة ولا صناعة ولا تصدير، ما خلف آلاف الشباب العاطلين عن العمل.
وتلفت الريس فى هذا السياق، إلى أن المزروعات الحيوية كالبرتقال والزيتون جرفتها دبابات الاحتلال، ما تسبب فى تبوير الأراضى التى تحتاج لسنوات لاستعادة خصوبتها وحيويتها، الى جانب زحف العمران على الأرض الزراعية، بسبب الزيادة السكانية وضيق مساحة قطاع غزة. أما فى الضفة الغربية، فإن مصادرة الأراضى لصالح الاستيطان، والاستيلاء على المنتجات الزراعية من قبل المستوطنين، أسهم فى تدمير القطاع الزراعى. وفيما يتعلق بالصناعة، توقفت بسبب عدم إمكانية الحصول على المواد الخام المطلوبة، الى جانب أزمات الوقود والكهرباء واستهداف المنشآت بالقصف بذريعة خطرها على الأمن.ولاشك أن وضع الموظف الحكومى، أضحى مذبذبا، بسبب الأزمات الاقتصادية التى تعصف بالسلطة الوطنية ومتغيرات دخلها، حسب ما تراه الدول المانحة التى تحجب التمويل أحياناً كعقاب على المواقف السياسية. ودفعت هذه المعطيات – وفقا لوسام -الجمعيات الخيرية للبحث عن مصادر تمويل فى ظل محدودية الموارد. ومع حلول شهر رمضان كل عام، تحل بركته لتحسين الصورة القاتمة، فتنتشر موائد الرحمن فى كل شارع ويعم الخير. فترتفع فى شوارع القدس الزينات والبيارق والأعلام،وتنتشر فرق المديح والإنشاد الدينى ليبرزوا وجهها العربى الإسلامى وليطمسوا معالم التهويد التى يصر المحتل على إظهارها.
أما داخل الحرم القدسى، فيتدافع المصلون بالآلاف للصلاة وقطع الطريق على المستوطنين، الذين يحاولون اقتحامه وتدنيسه، كما يتسابق المصلون على جلب التمر والعصائر والفطائر لتوزيعها على المرابطين والصائمين. وفى مدينة الخليل التى لا يجوع فيها انسان، تشهد تكية سيدنا ابراهيم حركة نشيطة، حيث يتم فيها طهو أطنان اللحم والأرز التى تقدم بالمجان لعابرى السبيل والمحتاجين.
وأسأل وسام عن أحوال أسر الشهداء والجرحى والأسرى خلال شهررمضان، فتجيب مؤكدة أن الأولوية من الدعم المادى والمعنوى والقانونى تكون لهذه الفئات، فالشهيد والجريح والأسير هم أبنا ء للشعب الفلسطينى كله، لذلك تنشط مؤسسات حكومية وغير حكومية لتقديم المساعدات لهم، فهناك مؤسسة رعاية أسرالشهداء والجرحى، والتجمع الوطنى لأسر الشهداء، وجمعية المحاربين القدماء ومؤسسات دعم الأسرى، مثل نادى الأسير وهيئة شئون الأسرى ومؤسسة الضمير، وتنشط هذه المؤسسات اكثر فى رمضان، لتشعر أسر الشهداء والجرحى والأسرى بدعم إخوانهم، وتخفيف المعاناة عنهم بإقامة موائد الإفطار الجماعية، وزيادة الدعم المادى لأسرهم وأطفالهم، فهم الشموع على طريق النصر بإذن الله وعودة فلسطين محررة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
رابط دائم: