الأم الصديقة لأبنائها هى أم ناجحة بكل تأكيد وتستطيع تفهم واحتواء أبنائها ولكن كثيرا من الامهات يفشلن فى عقد هذه الصداقة بأسلوب صحيح وكثيرا ما تخرج الأمور عن السيطرة فتفقد الأم هيبتها وأحيانا احترام الأبناء لها وتجرؤهم عليها أو الاستهانة بها وتقع الأم فى حيرة فهل أبقى قريبة منهم لأبقى مطلعة على أسرارهم أم امارس دور الأم الحازمة التى يخافونها ويرهبونها، وهى معادلة صعبة لا تستطيع حلها أغلب الامهات وتحتاج إلى قدر كبير من الذكاء والمرونة فى التعامل كى تبقى الأم صديقة وحازمة وحاسمة فى نفس الوقت.
وكما تشرح هبة أبو الخير اخصائى العلاقات الأسرية والتربوية فمعادلة الصداقة والحزم مع الأبناء يمكن تحقيقها، ولكن بها بعض الصعوبات، فهناك أم تطبق فكرة الأمومة من خلال الطاعة فقط وبدون نقاش، وأم تصاحب أبنائها لدرجة أنهم لا يجدون من يوجههم فيتجهون إلى الأصدقاء سواء فى المدرسة أو فى النادى ونجد أيضاً الأم الحازمة التى لا تعرف كيف تصاحب أبنائها وذلك لأن إدراكها وأفكارها كلها التى نشأت عليها مترسخة فى شخصيتها وبالتالى فالحزم والشدة فى تربيتها لأبنائها تمارسه تماما مثلما نشأت عليه، لذلك فإن المزج ما بين الصداقة والحزم هو الأسلوب الصحيح وهو ما يحقق هذه المعادلة الصعبة، ويتم ذلك بتوافر عدة أشياء تساعد فى بناء علاقة جيدة ومختلفة بين الأم وأبنائها، أولها هو أن تضع الأم نفسها مكان أبنائها وتتخيل نفسها لو كانت فى موقفهم أو تتذكر كيف كانت تتصرف عندما كانت فى مثل أعمارهم، فذلك يعد من أبسط الحلول وأنجحها ويسهل أيضا تطبيقه لأن معظم المشاكل تحدث نتيجة عدم القدرة على التفاهم وبسبب فارق العمر أيضا، على الأم أيضا أن تعرف نوايا أبنائها عندما يقومون بسلوك خاطئ، فهل الخطأ كان عن قصد أم لا وذلك يأتى بالتحاور سويا ويبدأ منذ مرحلة الطفولة واتباع التعامل المرن فى أغلب الأوقات، فالتربية الهادئة لا تعنى البعد عن الحزم والرقابة وتقديم النصح.
وتضيف أخصائى العلاقات الأسرية أن الأم الصديقة لأبنائها يمكنها أن تصبح حازمة وشديدة وقتما تريد أو يتطلب الأمر بطريقة متوازنة فتجعل أبناءها يشعرون بالحب والحنان والقرب منها، ولكن الأم ذات الشخصية الحازمة القوية فقط لا تستطيع أن تفعل نفس الشىء ولا تصبح مقربة منهم لأننا نجد أن الشدة والحزم يطغيان على معظم أفعالها. والأبناء فى مراحل حياتهم المختلفة يكونون فى احتياج دائم إلى الأم التى تغمرهم وتحتضنهم بالود والحب وتفهم وتتفهم احتياجاتهم وتشاركهم فى تفاصيل حياتهم على حسب مراحل العمر والنمو، ولكن عندما يكون أسلوب التعامل منذ الطفولة به حزم فقط فهذا أسلوب خاطئ ويصعب تطبيقه فى مرحلة المراهقة والتى لن ينفع خلالها التعامل بقوة وبنفس الطريقة، فعندما نبدأ بهذا الأسلوب معهم منذ مرحلة الطفولة نجد أنه يصعب استكماله فى مرحلة المراهقة ويجب أن يتم تعديل ذلك بالتحاور مع المراهق والجلوس معه والتحدث معه أن الأم كانت على خطأ، ثم يبدأ التعامل بعد ذلك بشكل مختلف عن ذى قبل لتكون بداية لعلاقة جديدة جيدة يكون أساسها الصداقة، فالأمومة تتطلب العطاء الدائم والمرونة وسعة الأفق والقدرة على استيعاب الأمور، وذلك لن يتم بصيغة الأمر، ولكن بالتشجيع على الاستقلال وتحقيق هويتهم، فالتعامل مع المراهق يحتاج إلى حكمة وتعد القاعدة الأولى فى التعامل هى هدوء الأعصاب فكلما كانت الأم أقل غضبا تستطيع التصرف بحكمة أكثر.
وترى د. نجلاء نبيل استشارى الصحة النفسية إنه من الممكن أن نحقق معادلة الصداقة والحزم سويا فى التربية، فالصداقة لها وقت والتعامل بالشدة له وقت أيضا، ولأن التوجيه أمر ضرورى جدا فى التربية لكن لابد من إدراك أن العقاب الشديد لا يأتى بنتيجة جيدة، لذلك يجب أن يكون العقاب على قدر الحب.
كما يجب على الأم أيضا استيعاب ماذا تقدم لأبنائها وما تتسامح فيه وما ترفضه وتمنعه تماما وبالتالى تصبح أما سوية نفسيا وهذا ينعكس بالتأكيد على أبنائها. فلا يوجد أب أو أم يمكن أن يشبعوا كل ما يريده الأبناء من احتياجات. ولكن علاقة الأم بأبنائها لها تأثير كبير فى حياتهم فهى الدفء والحنان وأن تكون الأم حنونة مستمعة وفى الوقت ذاته محاورة وصديقة لهم فهذا له تأثير كبير على الأبناء، فلا يجب أن تكون الأم حازمة فى كل الأوقات ولا يجوز أيضا أن تكون متساهلة متسامحة لدرجة مبالغ فيها، ولكن التقارب الحقيقى بين الأم وأبنائها يلزمه أسلوب خاص فى التعامل، فالأم من الممكن أن تكون صديقة لأبنائها وقريبة منهم جدا إذا حرصت على مشاركتهم كل تفاصيل حياتهم مع الحفاظ على وجود ثقة متبادلة بينهم ومع الحفاظ أيضا على الاحترام المتبادل وإقامة حوار دائم بينهم مبنى على الثقة والاحترام وتقدير الأم استقلالية أبنائها فى اتخاذ القرارات وعدم فرض الرأى عليهم إلا إذا تحتم ذلك أو عند تعرضهم للخطر خاصة فى عمر المراهقة والتى يجب أن تعرف فيه الأسرة عن أولادها كل صغيرة وكبيرة.
ولا شك أن فارق العمر بين الأم وأبنائها يجعل التفكير بينهما مختلف، فنجد الأم نفسها تساير أعمار أبنائها المختلفة لذلك يجب أن تتحلى بالمرونة فى التفكير وفى التعامل أيضا لسد هذه الفجوة مع احترام اختلاف الزمن والتطلعات والأفكار.
وتنصح د. نجلاء أنه يجب أن تحرص الأم أن تكون علاقتها بأبنائها جيدة وتكون على تواصل دائم ومباشر معهم حتى لا يبحثوا عن أم بديلة وفى الوقت ذاته عليها ألا تسمح من باب الصداقة بأى خطأ أو تجاوز، وبالتالى فيجب أن يكون هناك قواعد للصداقة بينهما دون إفراط أو تفريط، فلا قسوة ترهبهم أو لا تدليل زائد يفسدهم.
رابط دائم: