فى كل مزارع وغيطان المحروسة ليس هناك أمتع من أن ترى نبتة وليدة تضرب بجذورها فى أعماق الأرض لتتشبث ببقائها، بينما تتسابق فروعها لتشق سطح التربة حلما بحياة مشرقة مستمدة من أشعة الشمس والهواء النقى.. وفي مسارحنا ليس هناك أجمل ولا أكثر تفاؤلا وأملا من أن ترى مواهب جديدة تشع حيوية وبهاءً، كما لو كانت نبتات مورقة تتفتح بإصرار في أرض الإبداع.. هذا ما شعرت به حين شاهدت 24 شابا وشابة يقفون على المسرح لأول مرة ليبدعوا ويتألقوا في عرض «حلمك علينا» للمخرجة عبير لطفى على المسرح العائم بالمنيل..
العرض هو نتاج تدريب الدفعة الثالثة من ورشة «ابدأ حلمك» التى أطلقتها وزارة الثقافة لاكتشاف المواهب فى كل محافظات مصر، وهو من إنتاج مسرح الشباب برئاسة المخرج سامح بسيونى، ويعد أول الأعمال التى أعلن إنتاجها البيت الفنى للمسرح تحت شعاره الجديد «2023 عام جديد.. مسرح جديد» برئاسة المخرج المبدع خالد جلال.
أجمل ما فى العمل أنه نتاج حقيقى لإبداعات الشباب فى كثير من عناصره، وبإشراف مخرجة العمل التى بدا واضحا أنها بذلت مجهودا كبيرا لظهور العمل بهذا المستوى المبشر، فقد كتب الفكرة والصياغة الدرامية للعرض أحمد عماد وهو أيضا أحد الممثلين المؤثرين فى دراما العرض، والتى تطرح تصورا خياليا عن أحلام كل شاب أو شابة، وسعى كل منهما نحو تحقيق هذا الحلم، وهى بالمناسبة أحلام حقيقية فى أغلبها لأبطال العمل، واعتمدت عليها الصياغة الدرامية، التى تفترض وجود مؤسسة بيروقراطية ما يتقدم إليها كل شاب لتحقيق حلمه، بينما يتعسف الموظفون فى تحقيق الحلم مرة بالتحجج بوقوع السيستم ومرة بفرض تضحية ما لابد أن ينفذها صاحب كل حلم مقابل تحقيق حلمه، وهو ما فتح بابا واسعا لتفجير الكوميديا من سياق الدراما، كأن يتحول حلم المطرب إلى مطرب نشاز.. أو الممثل إلى ممثل مبالغ جدا فى انفعالاته، أو أن تختفى فتاة مثلا وتعيش فى عزلة تامة دون أن يراها من حولها لمدة عام قبل أن تحقق حلمها، وحين نجد شابين يعيشان كتوأم ملتصق لكل منهما حلمه، تفرض عليهما المؤسسة تحقيق حلم أحدهما فقط ولكن مقابل أن تكون تضحيتهما معا النوم لمدة 23 ساعة يوميا والاستيقاظ لمدة ساعة واحدة ومتقطعة على مدار اليوم.. وهكذا من الأفكار الخيالية التى سمحت لأبطال العمل أن يبرزوا مواهبهم الحقيقية بكامل طاقتها، فبرز منهم أحمد عماد، فرح رجب، سهيلة الأنور، مصطفى غزال، اشرف فرحات، اسماء غنيم، محمد صبرى، بثينة محمود، أحمد فوشو وأشرف فرحات، وغيرهم من الممثلين الذين اجتهدوا فى أداء أدوارهم وكان لكل منهم بصمته الخاصة والتفاصيل التى تميز شخصيته التى يلعبها، كما أظهر الممثلون براعتهم أيضا فى أداء الاستعراضات التى صممتها سالى أحمد، على اشعار أحمد حسين وموسيقى د. محمد حسنى، بينما اعتمد مصمم الديكور أحمد شربى على الموتيفات الخشبية البسيطة والبراويز المفرغة المطعمة برسوم لوجوه تعلوها علامات الاستفهام كدلالات على الحيرة والتيه، مستخدما الألوان الساخنة المعبرة عن الحيوية والطموح، بينما صاغت مها عبدالرحمن للشباب الطامحين ملابس عصرية، ولموظفى المؤسسة ملابس فانتازية.
حلمك علينا حالة إبداعية مبشرة بأقل التكاليف وتستحق الدعم المستمر والعرض على مسارحنا المختلفة.
رابط دائم: