من الأخطاء الشائعة عند بعض كتاب الدراما تنميط الشخصيات بصفات واضحة قاطعة، فهذا طيب وذاك شرير أو هذه فاضلة وتلك منحرفة.. وكأن السلوك الإنسانى ثابت لا يتغير بتغير التجارب والمواقف.. وهو ما أدركه الكاتب الموهوب محمود جمال حدينى وصنع من خلال شخصيات درامية من دم ولحم عالم «بيت روز» أحدث عروضه على مسرح الطليعة، ليكشف عن تناقضات كثيرة فى نظرة المجتمع للمرأة والحديث عن الحقوق والمساواة..
ولأن العمل كله يدور فى مكان واحد هو كافيتريا تلتقى فيها أربع سيدات من الطبقة الوسطى بينهن صداقة وزمالة دراسة وذكريات تمتد إلى أكثر من عشر سنوات.. وكلهن تجاوزن الثلاثين فى عمر متقارب وتتحول جلسة الود واستدعاء الذكريات إلى كشف محاسبة وصراع بين أفكار وقيم متباينة رغم تشابه الظروف.. ومؤلف العرض اختار أن يخرجه بنفسه، ربما لأنه الأكثر إيمانا بفكرة العمل ولأهمية لحظات الصمت فى الحوار كجزء مكمل للمشاعر تماما مثلما يلعب الصمت دورا فى التعبير الموسيقى وتعد لحظات السكوت زمنا محسوبا لا يكتمل اللحن بدونها.. وربما أيضا لأن محمود جمال حدينى ينحاز أكثر للكلمة التى تلعب دور البطولة فى هذا العرض فنجد البطلات الأربع يلتقين ويجلسن فى منضدة دوارة تتوسط المكان والجمهور من حولهن على مناضد كأنهم زوار لنفس الكافيتريا وفى الخلفية كعادة تلك المحال شاشات عرض تعرض مشاهد من فيلم الباب المفتوح كدلالة واضحة على طرح قضية تحرر المرأة وما آلت إليه بعد زمن فاتن حمامة وصالح سليم.

المرأة الأولى سارة التى جسدتها سالى سعيد خاضت من قبل تجربتين فاشلتين فى الزواج، إحداهما عن قصة حب والثانية زواج صالونات لإرضاء الأسرة والمجتمع وخرجت بعدهما ناقمة عن فكرة الاحتياج لشريك حياة وقانعة بأن الشعور بالوحدة لا علاقة له بوجود أسرة من عدمه.. ثم تحولت إلى صاحبة تدوينات شهيرة على السوشيال ميديا واكتسبت جمهورا واسعا من بينه مضيفة الكافيتريا ورغم تظاهرها بالصلابة والاعتماد على النفس وعدم الاهتمام بكلام الناس فإنها تخفى بداخلها شخصية ضعيفة خائفة إلى حد الرعب من آراء الناس وتشتبك فى صراع مع صديقتها منار لمجرد مزحة قالتها بأنها تسجل لها أقوالها.. ومنار التى لعبت دورها نادية حسن فتاة جميلة حائرة بين أن تستسلم لفكرة زواج الصالونات أو تنتظر قصة حب تعرف أنها لن تأتى، بعد أن خاضت تجربة عاطفية مريرة لعشر سنوات وأقدمت على الانتحار بسبب تعلقها بشخص سلبى ضعيف مستسلم للظروف، وبينما كانت هى تعمل لتدخر ما يمكن أن يعين على بداية الارتباط كان هو يسقط فى مستنقع الإدمان بعد أن أضاع ثروتها الصغيرة.. والثالثة سحر المحجبة التى جسدتها ببراعة سماح سليم لتقدم شخصية امرأة متزوجة ولديها طفلان وتحاول دائما التظاهر بأنها الأكثر نجاحا فى الحياة والأكثر انشغالا، محاولة اخفاء تسلط زوجها ورفضه لصداقتها بسارة المطلقة أكثر من مرة، فضلا عن تعنيفه لها وتعديه بالضرب عليها فى بعض الأحيان.. النموذج الرابع والأخير للحالمة الرومانسية نوران التى أدت دورها هاجر حاتم بحضور وخفة ظل وعفوية شديدة وهى برغم جميع التجارب الموجعة لصديقاتها تأمل فى تغير الأحوال وتحلم بشرارة الحب الصادق وبالفارس الأبيض القادر على فهم مشاعرها وإسعادها.. وشاركت مريم عيد فى دور مضيفة الكافيتريا التى تقدم الطلبات وترجو منهن الهدوء عند التجاوز وارتفاع الصوت أثناء الحوار.. ولأن العرض أشبه بالمقطوعة الموسيقية فلا يمكن الاستمتاع بها إلا من خلال تناغم كامل فى الأداء بين البطلات الأربع وهو ما نجح الحدينى فى تحقيقه كمخرج إلى حد كبير مع الاعتراف بالطبع بمهارة وموهبة الممثلات الأربع وقدرتهن على جذب الانتباه وهن جالسات معظم الوقت دون حدوث أى تغيير فى الديكور، وبذكر الديكور فأن التصميم الذى قدمته هبة الكومى موحى ومختلف ولكن يعيبه أن الجالس من المشاهدين فى أى زاوية سيكون مواجها بالضرورة لظهر إحدى الممثلات الأربع طوال العرض وبالتالى لن يتابع انفعالات وجهها وردود فعلها أثناء الحديث والإنصات وللتغلب على هذه المشكلة يستطيع المخرج ببساطة تحريك القرص الدوار أكثر من مرة بحيث يتابع المشاهد جميع التفاصيل.. وبوجه عام بيت روز هو عرض جيد وانتصار جديد للحوار المسرحى المحبوك بذكاء وتلقائية وتأكيد على أن المسرح فى الأصل كلمة.
رابط دائم: