رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«بوتين.. ماذا بعد؟»
يجـيب عن الأســئلة الحـرجـة بشأن روسيا والغرب وأوكرانيا

مصطفى سامى
بوتين - بايدن

أغرقنى د.سامى عمارة فى مؤلفه الجديد «بوتين... ماذا بعد؟: أوكرانيا الإيمان الصوفى بالتاريخ» الذى صدر خارج مصر عن «الدارالعربية للعلوم» فى 500 صفحة وهو مشروع دراسة وبحث علمى واع وراق عن سقوط الاتحاد السوفيتى وما أسفرعن هذا السقوط، الذى اعتبره الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بأنه «أكبر كارثة جيو سياسية فى القرن العشرين» بينما اعتبرته أمريكا والغرب بأنه « الانفتاح والتحرر وبداية الطريق الى الديمقراطية « ! سبق أن صدر للمؤلف أربعة كتب عن مرحلة السقوط وأسبابها والصراع على السلطة بين القادة، ومؤامرات الغرب على القوة التى كانت عظمى تقف فى الصف الأول مع الولايات المتحدة، لكن المؤلف يعترف فى هذا الكتاب بشجاعة أن الكتب السابقة لم تخل من أخطاء كان واجبه كباحث أن يدقق فى المعلومات ويصححها.


وتصحيح الأخطاء دفعه للبحث عن وثائق جديدة وإجراء حوارات مع عشرات الشخصيات السياسية ممن كانوا فى قمة السلطة والعودة إلى كل ماكتب ونشر فى الاعلام الروسى والغربى مما أدى إلى تعديلات وحذف وإضافات من خلال متابعته كل ماجرى على مسرح موسكو السياسى ومن خلال علاقاته بأبرز صناع القرار طوال معايشته عن قرب للسياسة السوفيتية ثم الروسية على مدى نصف قرن. لقد كان لدى الرأى العام من يتصور خطأ أن ميخائيل جورباتشوف كان المسئول الأول عن السقوط ـ وأنا هنا أتفق مع بوتين بأنه كان سقوطا مدويا وليس انفتاحا أو تحررا ـ ويضيف بوتين بأن « من لم يحزن على سقوطه هو إنسان بلاقلب، وأن من يعتقد فى احتمالات عودته كما كان إنسان بلا عقل».

الكتاب يتضمن عدة إجابات شافية فيما يتعلق بالحرب فى أوكرانيا، وما أسفرت عنه من تداعيات ونتائج كارثية. فهل هو «الايمان الصوفى بالتاريخ» كما وصف كيسنجر بوتين !؟ أو هل كان دخول أوكرانيا جزءا من مشروعية العودة الى إستراتيجية بطرس الأكبر مؤسس الامبراطورية الروسية بصفته «الملهم». لكن قرار الحرب ضد أوكرانيا يجب أن يراعى فى حساباته المناخ السياسى الدولى فى ذلك الوقت، فقد جاء فى توقيت يشهد توحد كثيرين من القوى المعروفة بأعداء روسيا المعاصرة، ردا على جهود موسكو التى تهدف إلى استعادة مواقعها على الخريطة السياسية العالمية وما يسميه البعض «أطماعها التوسعية». جاء قرار الحرب أيضا والناتو يعلن قرب ضم أوكرانيا للحلف ومساعى رئيس أوكرانيا زيلينسكى للتوصل إلى تحقيق هذا الهدف، بما يعنى أن قوات وأسلحة الناتو إذا تحقق مخططهم فسوف تقف على حدود روسيا بما يمثل خطوة شديدة الخطورة على أمن موسكو.

عدة أسباب فى رأى المؤلف أدت إلى الانهيار أو السقوط: فالغالبية من أعضاء الحزب الشيوعى السوفيتى ممن شهدوا مسيرة التغيير والاصلاح تحت شعارات «البيروسترويكا والجلاسنوست» أى «إعادة البناء والشفافية» كانت لديهم تحفظات كثيرة على السياسات الداخلية للبلاد. وقد وافقوا على إلغاء المادة السادسة من الدستور السوفيتى التى تنص على أنه من حق الزعيم الانفراد بالحكم، وحظر التعددية الحزبية وجعل كل شئون الدولة حكرا خالصا للحزب وكوادره. ومن أهم الأسباب أيضا فشل سياسات الاتحاد السوفيتى الاقتصادية وعدم إدراكه مخاطر الانخراط فى سباق التسلح. رأى آخرون أن مخططات ومؤامرات الغرب وتجنيد بعض رجال الدولة من قيادات الحزب الشيوعى وكوادره وسقوطهم فى شراك المخابرات المركزية الأمريكية كانت من أسباب الانهيار. سبب رابع هو الصراع الشخصى بين قطبى الحزب فى النصف الثانى من ثمانينيات القرن الماضى وهما ميخائيل جورباتشوف وبوريس يلستن، كانت فى صدارة أسباب السقوط.

يراعى أيضا انفجار المشكلة القومية التى استخدمتها الأجهزة الغربية بتأليب الأقليات القومية والتجمعات العرقية ضد سياسات الكرملين وسقوط تلك الأقليات فى شراك اللعب على أوتار «الليبرالية والديمقراطية» وهى الصورة القديمة لفكرة الثورات الملونة التى اجتاحت الفضاء السوفيتى السابق ابتداء من تسعينيات القرن الماضى والتى كانت مخططا غربيا أمريكيا جرى تنفيذه بمساعدة قوى سياسية داخلية سوفيتية.يضيف المؤلف سببا آخر وهو سقوط بعض مساعدى ميخائيل جورباتشوف القريبين منه فى شراك مخابرات أمريكا وخيانتهم للوطن ومن بينهم رئيس وكالة «كى جى بى» فلاديمير كيريوتشكوف» أحد أهم مساعدى يورى أندروبوف الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعى السوفيتى الذى تولى الحكم فى موسكو خلفا لبيرجنيف.

اعترف جورباتشوف بأنه لايستطيع أن يعفى نفسه من مسئولية انهيار الاتحاد السوفيتى، فقد كانت البلاد فى حاجة إلى الاصلاح، وكان الاصلاح ممكنا دون السقوط والانهيار وفى أكثر من مناسبة ألمح الى غريمه التاريخى بوريس يلتسن التى تؤكد مصادر كثيرة أنه المسئول الأول عن الانهيار السريع للاتحاد السوفيتى.

يقول سامى عمارة إن التاريخ سوف يذكر عام 1989 وهو عام انعقاد أول مؤتمر لنواب الشعب لعموم الاتحاد السوفيتى بوصفه علامة فارقة فى مراحل تطور الأمة الروسية وجيرانها من بلدان وأمم ظلت تدور فى فلكها لعدة عقود. ويذكر هذا العام القمة التاريخية التى جمعت على ضفاف مالطة ميخائيل جورباتشوف وجورج بوش الأب ـ وما أعلناه فى ديسمبرر من نفس العام «نهاية الحرب الباردة» ويقول بوتين» «نحن منذ ذلك التاريخ وحتى حرب أوكرانيا نعيش حربا باردة بين روسيا والولايات المتحدة». يرى المؤلف أن الأحداث الأخيرة التى يتابعها العالم حول أوكرانيا والتى تفرض نفسها على الساحة السياسية الدولية وتنذر بحرب عالمية ثالثة هى تداعيات لأسباب سابقة، بالاضافة الى أنها تؤكد أن يلتسن وليس جورباتشوف هو سبب انهيار الاتحاد السوفيتى.

فى مايو عام 1989 وفى مؤتمر نواب الشعب أعلن الخلافات التى كانت مدفونة فى الصدور بين رفاق الأمس، فقد أفصح نواب الجمهوريات القائمة تحت راية الاتحاد السوفيتى عن أحلامهم وتوجهاتهم الانفصالية والعودة الى سابق استقلالهم، ووقف نواب آسيا الوسطى ومعهم أوكرانيا التى تعد أكبر الجمهوريات السوفيتية ينتظرون ما سوف ينتهى من صراع بين جورباتشوف ويلتسن. ويرى المؤلف أن نجاح يلتسن ورفاقه الجدد من ذوى التوجهات اليمينية الليبرالية ومعظمهم من اليهود الروس، فى تشكيل جبهتهم المعارضة تحت اسم «مجموعة النواب الأقلية» كانت الشرارة التى أضرمت النيران فى الثوب السوفيتى. يقول سامى عمارة إن وصول يلتسن للسلطة ـ طبقا لتصريحات جورباتشوف للاذاعة البريطانية ـ كان انقلابا بكل المعانى « فقد حدثت الخيانة من وراء ظهرى. لقد أحرقوا منزلا من أجل إشعال سيجارة». كانت البلاد تسير فى طريق الحرب الأهلية ومنع جورباتشوف ذلك بتنازله عن السلطة.

عندما يتناول المؤلف فى كتابه فى الفصل العاشر موضوع « أوكرانيا» يعود إلى التاريخ، فيببدأ بتناول شبه جزيرة القرم التى كانت ساحة للمواجهة بين إمبراطوريات القرون الماضية، وسرعان ماتحولت إلى قنبلة موقوتة سرعان ماجرى تفجيرها عن عمد ومع سبق الاصرار. شهدت قضية القرم قدرا كبيرا من الاثارة عبرت عنها هذه المشاحنات السياسية والعسكرية عقب القلاقل التى وقعت فى أوكرانيا فى عام 2014 وإعلان مواطنى القرم فى فبراير من نفس العام إصرارهم على الانفصال عن أوكرانيا والانضمام إلى روسيا الاتحادية، وقد أجروا استفتاء شعبيا، أسفر عن موافقة الأغلبية الانضمام الى روسيا بنسبة تزيد على 95%. وتعد «شبه جزيرة القرم» أهم العقبات التى تمنع إجراء تسوية بين روسيا وأوكرانيا فقد تصاعد الخلاف أخيرا حول مدى أحقية أوكرانيا فى المطالبة باستعادة شبه الجزيرة التى تعتبرها روسيا فى الماضى والحاضر أرضا روسية. والرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى اليهودى القومية سبق أن أعلن أن القرم تأتى مع الدونباس فى جنوب شرق أوكرنيا، أهم قضيتين يجرى عليهما الخلاف مع روسيا، وأنه يجب إيجاد حل لهما قبل تطبيع العلاقات بين البلدين، وهو مايجد قبولا وتأييدا له داخل إسرائيل.

أسفر تصاعد لهيب المشكلة عن إيقاظ روح التحدى لدى قيادات الكرملين لمواجهة مخططات الناتو والاتحاد الأوروبى ـ الذى يستخدم الصراع القائم بين روسيا وأوكرانيا لتحقيق أهدافه ـ وقد فضح قادة الكرملين حقيقة أحلام الغرب المؤجلة والتى لاتقتصر على أوكرانيا وجورجيا، وإنما تستهدف تقويض أمن واستقرار روسيا والصين، على غرار ما حدث مع الاتحاد السوفيتى السابق. كشف بوتين مخططات الغرب مما اضطر الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى أن يخرج عن صمته ويعلن صراحة «أن هذا الرجل يجب أن يرحل» فى إشارة مباشرة إلى الرئيس بوتين، بالاضافة إلى ما كشفت عنه الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ بداية تسعينيات القرن الماضى من خطط وأمنيات تستهدف تقسيم روسيا بنفس الطريقة التى جرت مع الاتحاد السوفيتى السابق.

يعود المؤلف المولع بالتاريخ وبالأرقام والوثائق والحروب حتى يستكمل دراسته الموضوعية، فيعرض علينا تفاصيل الحروب والصراعات التى جرت فى هذه المنطقة التى لم تهدأ ولم تعرف سلاما منذ عدة قرون. كتاب الدكتور سامى عمارة، مراسل الأهرام فى موسكو أراه ضرورة لأى باحث أكاديمى أو صحفى أو مثقف من المهمومين بتفاصيل العلاقات بين روسيا والغرب، بالاضافة الى أنه يرد على أسئلة لاتزال مطروحة على الساحة الدولية، أهمها: كيف سقط الاتحاد السوفيتى، ومن أسقطه ؟.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق