رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريطانيا المتشائمة

لندن ـ منال لطفى

لم تر بريطانيا هذا المستوى من التشاؤم الشعبى من قبل، فتراكم الأزمات الاقتصادية والسياسية يلقى بظلاله على توقعات البريطانيين المستقبلية، وهى توقعات تكشف حالة من عدم الثقة فى المستقبل.

يقول ثلث البريطانيين إنهم يستخدمون بالفعل أو يخططون لاستخدام «بنوك الطعام» الخيرية خلال عام 2023 لمواجهة نقص الطعام وارتفاع أسعاره. إنها أرقام مخيفة بكل مقياس لدولة تنتمى لمجموعة الدول السبع الصناعية فى العالم، فبنوك الطعام هى غالبا الملجأ الأخير لملايين البريطانيين، فالوصمة الاجتماعية لاستخدام بنوك الطعام ما زالت قوية، لكن الارتفاع الكبير فى الاعتماد عليها يكشف انعدام الخيارات الأخرى. فقد أظهرت بيانات جديدة أن عدد الأطفال الذين يعانون «فقر الغذاء» فى بريطانيا قد تضاعف تقريبا خلال عام إلى ما يقرب من 4 ملايين طفل. وفقا لمؤسسة «فود فاونديشن» الخيرية، قال واحد من كل خمسة، أى 22٪ من الأسر، إنهم لا يتناولون ثلاث وجبات ويعانون الجوع خلال اليوم بسبب الارتفاع الحاد فى الأسعار، وذلك مقارنة بـ 12% قالوا نفس الشيء 2022.

كما يقول أكثر من 50% إنهم يستخدمون الآن مدخراتهم لتغطية فواتير الطعام والطاقة، فبعد فواتير الكهرباء والغاز، تشكل تكلفة فواتير الطعام مصدر القلق الثانى للبريطانيين بعدما بلغت نسبة التضخم للمنتجات الغذائية أكثر من 17%، وهو أعلى مستوى على الإطلاق.

ووفقا لدراسة صدرت هذا الأسبوع من مؤسسة «بارومتر إيدلمان ترست» البريطانية فإن 75% من البريطانيين متشائمون حيال المستقبل ويعتقدون أن السلطات تسير فى الطريق الخطأ لعلاج التحديات الاقتصادية وأزمة تكلفة المعيشة. بينما قال 6 أشخاص من بين كل 10 إنهم يشعرون بأنهم سيكونون أسوأ حالاً العام المقبل.

أمام هذه التوقعات المتشائمة، يقول نحو 80% إن التعامل مع مشاكل بريطانيا المركبة والمعقدة يتطلب «نهجا وأفكارا جديدة»، بينما يقول أكثر من 50% إنهم يعتقدون أن هناك حاجة لحزب سياسى جديد فى بريطانيا إلى جانب الحزبين الكبيرين، العمال والمحافظين، مشيرين إلى أنهم يشعرون بالإعياء من الأزمات السياسية المتلاحقة، والاقتتال الحزبى، والاستقطاب السياسى الحاد، وفضائح الفساد المتكررة، وحالة السيولة السياسية التى جعلت بريطانيا تشهد ثلاثة رؤساء وزراء فى غضون ثلاثة أعوام، هذا الاستياء عابر للطبقات الاجتماعية. فالطبقة الوسطى لديها نفس المخاوف والاستياء على غرار طبقات العمال والفقراء.

بعبارة أخرى، ثقة الشارع البريطانى فى الطبقة السياسية فى حالة تراجع غير مسبوق. وفقا لدراسة «بارومتر إيدلمان ترست»، فإن 27% فقط ممن تم استطلاع رأيهم يثقون فى الحكومة وقراراتها.

انعدام الثقة ينتقل من السياسات للشخصيات، فالتقييمات الإيجابية لرئيس الوزراء ريشى سوناك انخفضت لتصل إلى 25%، ومع ذلك لم يستفد زعيم المعارضة كير ستارمر من تراجع تقييمات سوناك، إذ يقول 3 فقط من كل 10 بريطانيين إنهم يثقون فى قيادة ستارمر.

وبينما يأمل الكثير من البريطانيين فى «لحظة أتلى»، أى زعيم سياسى يوحد البلاد على غرار رئيس الوزراء البريطانى الراحل كليمنت أتلى، الذى تولى الحكم بعد الحرب العالمية الثانية ووضع أسس دولة الرفاه البريطانية بإنشاء نظام الرعاية الصحية المجانى، وقوانين العمل التى تضع حدا أدنى للأجور، وحدا أقصى لساعات العمل، ونظام تقاعد وطنيا، فإنه ليس فى المشهد السياسى حاليا مثل هذه الشخصية.

وإذا كان الكثير من البريطانيين يأملون فى خطاب سياسى جديد، وحزب ثالث يكسر هيمنة العمال والمحافظين، فإن واقع الحال أن النظام السياسى الحزبي- البرلمانى فى بريطانيا لا يوفر تلك الخيارات بسهولة، وحتى عندما تظهر أحزاب جديدة مثل «الاحرار الديمقراطيين» أو «الخضر» فإنها تنال نصيبا من حصة الأصوات، لكنها لا تشكل بديلا للعمال والمحافظين.

المشاعر والحالة النفسية للشارع مهمة جداً فى السياسة، ومن ثم لا عجب ان يحتفل سوناك بالاختراق الدبلوماسى مع الاتحاد الأوروبى لحل معضلة بروتوكول أيرلندا الشمالية فى اتفاقية البريكست وكأن «الكريسماس قد جاء مبكراً»، أو كأنه «فاز بورقة اليانصيب الرابحة»، على حد وصف بعض صحف اليمين البريطانى.

فما يعول عليه سوناك هو أن يؤدى الاتفاق الجديد إلى إزالة غيوم السنوات الماضية وفتح صفحة جديدة من التفاؤل الحذر على المستوى الوطنى، وإلى أن يُمرر البرلمان الاتفاق الجديد وتدعمه الأحزاب السياسية فى أيرلندا الشمالية، ستظل احتمالات النكوص واردة، مما يعنى هروب المزيد من الاستثمارات، وتهاوى سمعة بريطانيا الدولية، وتزايد الاستياء الشعبى، ومواصلة التراجع الاقتصادى المؤلم، وهذه حزمة ثقيلة من الأعباء لا يريد سوناك أن يحملها والانتخابات العامة على مسافة أشهر قليلة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق