-
الأدب العربى يسير ببطء لأننا نسير بلا خطة ونفتقد الدقة
-
أدب الطيب صالح علمنى أن أكسر رقبة الحياة بالعمل والصبر
قرأ الطيب صالح منذ نعومة أظافره وتأثر بموسم الهجرة إلى الشمال التى كشفت له جماليات كثيرة فى العالم الإبداعى، اهتم بالخطاب السيميائى فى عالم الشاعر الراحل محمد عفيفى مطر، قرأ لكبار الكتاب وتتلمذ على يد كبار النقاد أمثال الراحل د. صلاح فضل والدكتور عز الدين اسماعيل، حصل على العديد من الجوائز الأدبية منها جائزة عميد الأدب العربى طه حسين، وعبدالرحمن الأبنودى، وخيرى شلبى، لكن الحظ لم يحالفه للحصول على جائزة الدولة التشجيعية لأنه تخطى الاربعين بثلاثة أشهر عندما تقدم لها ثم كانت المواساة مؤخرا بحصوله على جائزة «الطيب صالح» فى النقد الأدبى،
وكان لنا معه هذا الحوار.
أحمد الصغير
فى البداية نبارك فوزك بجائزة الطيب صالح فماذا تعنى لك هذه الجائزة؟
جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابى، اعتبرهاعلامة مهمة فى حياتى العلمية والأدبية، فهى جائزة تحمل اسم رمز كبير وعلم من أعلام الرواية العربية «الطيب صالح» وتتميز هذه الجائزة بالتجرد واجتناب كل اللغط الذى يدور حول الجوائز، لأنها تتميز بالصرامة والجدية والانتصار للعمل الأدبى الحقيقى الذى يضيف أفكارا جديدة للحياة.
حصلت على جوائز تحمل أسماء أدباء ومثقفين كبار فهل خاصمتك جوائز الدولة؟
بالطبع حصلت على جوائز كثيرة من قبل بدءا من عام 2006 وكانت أول جائزة عن كتاب «جنة الشوك» للدكتور طه حسين، وجائزة احسان عبدالقدوس، وخيرى شلبى، وعبدالرحمن الأبنودى، لكن فى الحقيقة لم أتقدم لجوائز الدولة، فهى لها معاييرها التى لا تنطبق على كما يقولون لى. فكنت قد تقدمت إلى جائزة الدولة التشجيعية فى النقد منذ سنوات فقال لى أحد المسئولين تم رفض ترشيحك لأنك تخطيت سن الأربعين بثلاثة أشهر. والجائزة للشباب فقط. فحزنت بعض الوقت وأكملت الرحلة مع النقد ولم أترك نفسى للإحباط واليأس. وتعلقت بالأمل والعمل والرغبة فى طرح أفكار جديدة والمغامرة بالنص النقدى للكشف عن جماليات النص الشعرى بخاصة.
لديك تعليقك الخاص بالطيب الصالح.. متى بدأ هذا الشغف بالأديب الكبير.. ولماذا؟
نعم قرأت كل أعمال الطيب صالح فى فترة مبكرة، بدءا من روايته الفاتنة «موسم الهجرة إلى الشمال» فى عام 1996.
وفى الحقيقة صدمنى الطيب صالح صدمة جمالية وأدهشنى بمدى قدرته العبقرية فى اختراع سرود روائية متجددة، من خلال لغة بسيطة، تنطق بالحياة، والصراع والموت والقتل، تكشف موسم الهجرة إلى الشمال عن ألم الشرق وحضاراته فى مواجهة الغرب، وقرأت له روايات كثيرة بعد ذلك منها «عرس الزين، مريود، ضو البيت، دومة ود حامد، منسى»، كما أننى أعترف بأثر الطيب صالح على نفسى فقد تعلمت منه الصبر والزهد والبحث عن الجمال، وعلمنى أيضا أن أسير فى طريقى كى أحصل على حقوقى الشخصية فى الحياة فيقول الطيب فى موسم الهجرة على لسان البطل: «إننى أريد أن آخذ حقى من الحياة عنوة، أريد أن أعطى بسخاء، أريد أن يفيض الحب من قلبى فينبع ويثمر. ثمة آفاق كثيرة لا بد أن ُتُزار، ثمة ثمار يجب أن تقطف، كتب كثيرة تقرأ، وصفحات بيضاء فى سجل العمر، سأكتب فيها جملاً واضحة بخط جرىء» إن المشهد السابق منحنى جرأة هادئة على الكشف والبحث والقراءة وكسر رقبة الحياة بالعمل والصبر.
ما تقييمك للأدب السودانى حاليا وهل هناك من يسير على درب الطيب صالح؟
الأدب فى السودان يسير فى هدوء ويواكب الأحداث التى تمر بها السودان، لأنى أعتقد أن الأدباء هم جنود يعملون من أجل تقدم بلادهم هكذا كان الطيب صالح. كما أن المشهد الثقافى السودانى يحدث فيه حراك ثقافى حقيقى وليس مفتعلا أو بهلوانيا. لأنهم يحاولون الاشتباك مع قضاياهم من خلال خصوصية المجتمع، ومدى قدرته على القيام بالتلقى.
ومن أهم أدباء السودان الشاعر الكبير محمد الفيتورى -رحمه الله، والشاعر الكبير عفيف إسماعيل المقيم بأستراليا حاليا، والشاعر المهدى المجذوب، والشاعر صلاح إبراهيم، النور عثمان، محمد عبدالحى، المكى إبراهيم، وغيرهم.. أما فى السرد الروائى والقصصى، فهناك حمور زيادة، والروائى إبراهيم إسحق، ومحمد المهدى بُشرى، وعثمان على نور وعيسى الحلو، وغيرهم كثيرون، يكتبون فى الداخل والخارج، ولكن تبدو نقطة مهمة وهى أن الطيب صالح تمرد عليه الكثيرون من مبدعى السودان من خلال البناء الروائى والقضايا المتجددة، فهم يتميزون فى اشتباكهم مع الراهن والآنى ومعايشة الواقع. لكنهم يحتاجون للخروج إلى آفاق متجددة، كما أننى أحلم بخلق شراكات ثقافية مع السودان وإقامة مؤتمرات مشتركة وندوات فاعلة واستضافة شعراء السودان فى مصر والتبادل الثقافى والمعرفى، لأن السودان تمثل لنا العمق الإفريقى والعربى فى الجنوب هى امتدادنا المهم فى إفريقيا. نحن تربينا فى المدارس على أن السودان ومصر قطعة واحدة أرض واحدة حضارة النيل تجمعنا.. أحلم أننا نفتش عن السودان أكثر لأنها تحمل تاريخا مهما بالنسبة لنا نحن المصريين.
ماذا تعنى بالتحليل السيميائى فى الخطاب الشعرى؟
أعنى بالتحليل السيميائى للخطاب الشعرى، هو استخدام إجراءات السيميائية وهى نظرية نقدية مهمة فى قراءة الأعمال الأدبية وغيرها فى مقاربة القصيدة الشعرية، من خلال علاماتها وإشاراتها ومكتنزاتها المعرفية والدلالية، لأن الشعر حمال أوجه، كما أن القصيدة الحديثة أو قصيدة النثر تتمرد على الخطابات السائدة والتقليدية، فهى بحاجة ماسة إلى مقاربات متجددة تكشف عن الجماليات الفنية والمعرفية، تطرح قراءة نقدية تغامر بالنص إلى حد اللانهاية، فكل قراءة مختلفة هى إحياء للنص المقروء.
كما أن الخطاب الشعرى عند محمد عفيفى مطر خطاب يطرح منتجا معرفيا ضخما فى الحقيقة، لأنه يكشف عن المسكوت عنه فى الفلسفات والتاريخ والسياسة والرياضيات والموسيقى واللغة، والكيمياء والهندسة. الشاعر الكبير عفيفى مطر للأسف لم يقرأ بشكل جاد فى الفترات الماضية، وأنا أخذت على نفسى عهدا أقاوم القراءات السيئة ليس بالضوضاء والصراعات النفسية بل بالعمل بإعادة قراءة عفيفى مطر للحياة. لأننى أعتقد أن عفيفى مطر أعظم شاعر مصرى عربى. وكان يقول لى عمنا مطر فى أواخر التسعينيات صيف 1998 وكنا نحتفل بصدور أعماله الشعرية عن دار الشروق عندما اتهم بالغموض، أنا لا أكتب نصا شعريا بسيطا لكننى أراهن على الأجيال القادمة من المصريين والعرب سيفهموننى يوما. وكان يضيف أيضا أنا أكتب نصا شعريا كالأهرامات. شامخ وملغز ومحير.. هو يشتبك مع القسوة والحياة وقدرتها على الانصياع له.
تراهن على النقد المغامر بالنص فلماذا؟
نعم أراهن بقوة وشغف على النقد المغامرة، لأننا سئمنا من التقليد والشرح المباشر وجفاف النص النقدى، لأن الشعرية العربية الآن وقبل ذلك مرت بمنعطفات وحركات كبيرة لم يستطع الناقد التقليدى تفسيرها أو تأويلها، بل رفضها كلها واتهمها قبل أن يقرأها أو يبذل جهدا محاولا فهمها والدخول إليها وأقول: إذا لم يغامر الناقد الأدبى فلن يجد لها مكانا حقيقيا فى هذا العالم الفسيح، لابد للناقد أن يقوم بتطوير أدواته كاشفا عن النصوص الجديدة أو النصوص التى لم تتم قراءتها بشكل جيد، نحن نعيش أزمة كبيرة فى النقد المصرى لأننا الآن فقدنا الكثير من النقاد الكبار أمثال شكرى عياد، وعز الدين إسماعيل، ومصطفى ناصف، وجابر عصفور وصلاح فضل،.. وغيرهم ولم يعد لدينا سوى تجارب فردية تجتهد فى طرح مقاربات نقدية جديدة أمثال خيرى دومة، وحسين حمودة، ومصطفى الضبع، ومجدى توفيق، ومحمد عبدالباسط عيد، ومحمد الشحات.. وغيرهم.. كما أننى أحلم بتكوين جمعية للنقاد المصريين كما كانت فى عهد عز الدين إسماعيل.
من خلال منهجك النقدى كيف يمكن المواجهة مع النص الأدبى؟
تكمن المواجهة مع النص فى معايشة النص بالقراءة، والقراءة المتجددة والكشف عن المسكوت عنه فى النص الأدبى. وعدم الاكتراث بالشروح المباشرة، لابد للناقد أن يتسلح بأدوات متغيرة، لا أن يستخدم أدوات تقليدية محفوظة تصلح لكل خطاب، لأن كل خطاب أدبى يحتاج إلى أدوات تصلح له لا لغيره.
ما دور الناقد اليوم فى الحياة الثقافية؟
للناقد دور مهم فى الحياة الثقافية لأنه أحد عناصرها المهمة التى لا يمكن الاستغناء عنها أو تجاوزها. فهو يقوم بعمل مهم فى تقويم الحياة الأدبية من خلال القراءة والمتابعة والمراجعة الأدبية للأعمال التى تصدر حديثا.
لماذا ركزت على تقنيات الشعر فى أحلام فترة النقاهة لنجيب محفوظ؟
لأنها نوع أدبى جديد كان قد اخترعه نجيب محفوظ ولم يحظ بالاهتمام من قبل الباحثين والنقاد.. كما أن الأحلام تكشف عن عبقرية الأستاذ نجيب فى التجدد الإبداعى والحديث بشكل مختزل عن قضايا كبرى دون البوح المباشر.
هل الأدب العربى بخير؟
الأدب العربى يسير ببطء، لأننا نسير بلا خطة محددة، نحن نفتقد الدقة فى تحديد الأهداف، وأيضا لابد من كسر الخطوط الأفقية السهلة إلى اقتحام الخطوط الرأسية المتعمقة. لابد من ترجمة آدابنا العربية إلى اللغات الأجنبية كى يصبح الكاتب العربى مقروءا لدى الأوروبيين.. نحن نترجم عنهم ولا يترجم عن أدبنا سوى القليل. كما أننى أحلم أن يكون الأدب بخير. لكننى أعتقد أن الأدب فى خطر، لأننا نعده بابا من أبواب الترفيه والكماليات الحضارية، وعلى الرغم من العكس تماما الأدب هو جو الإنسانية.. وصوتها الحقيقى.
بحثت فى العوالم الإبداعية لكل من أمل دنقل، وطه حسين وعبدالرحمن الأبنودى؟
كنت شغوفا بالشاعر الكبير أمل دنقل وكتبت عنه بحثا كبيرا عن أشكال التناص الشعرى عند أمل دنقل، لأنه أحد الكبار المجددين فى بنية القصيدة العربية، فهو من كبار شعراء الرفض والصعاليك فى العصر الحديث.
علمنى طه حسين تنظيم الحياة والاستمتاع بها، والاشتباك مع قضاياها وعدم الخوف من عواقب الأمور طالما أن مصلحة بلادى وثقافتها هى العليا دائما. كلنا يعشق وطنه وأنا أحلم بمصر الكبرى التى لها صوتها المسموع فى العالم.
أنا أحب الأبنودى لأنه أحد رواد قصيدة العامية فى مصر. سافر بالقصيدة إلى كل بلاد العالم، فشبت العامية المصرية على يديه ونضجت، كما أنه يحمل حسا إنسانيا جريئا، كان الأبنودى أحد الفرسان الكبار بجوار سيد حجاب، وبيرم التونسى، وأحمد فؤاد نجم، وفؤاد حداد، والعظيم صلاح جاهين.
رابط دائم: