رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أكاذيب الحرب وصناعة الوهم.. «كل شىء هادئ على الجبهة»!

سيد محمود
بول بومر فى لقطة من الفيلم

برغم براعة التصوير، والموسيقى، والتقنيات الحديثة لإظهار الحرب العالمية الأولى، فى فيلم «كل شىء هادئ على الجبهة الغربية»، المأخوذ عن رواية الكاتب الألمانى إريك ماريا ريمارك بالاسم نفسه، حتى أصبح مرشحا لأكثر من 15 جائزة بفروع الأوسكار؛ إلا أن من شاهد النسخة الأولى التى قُدمت عام 1930 عن الرواية نفسها، قد يراها أكثر صدقا، إذ برع المخرج لويس ميلستون فى تصوير الأرض المشتعلة للحرب كأنها قائمة، لا سيما مشاهد الجنود وهم مصابون بالذهول مما تعرضوا له من صدمة، وأن ما كانوا يعتقدونه من انتصار ألمانيا فى النهاية.. لم يكن حقيقيا .

لا يقلل هذا من أهمية النسخة الحديثة المرشحة لمعظم جوائز الأوسكار ، من إخراج إدوارد بيرجر، التى برع فى تمثيلها فيليكس كامرير، ودانيال برول، وألبريشت شوتش، إذ هى معززة برؤية أكثر هدوءا، وتشعرك بأنك تشاهد حربا ما زالت رحاها تدور على الأرض.. بل إن الفيلم الأحدث أفضل أيضا من النسخة التى قدمها التليفزيون عام 1979، وأخرجها بالاسم نفسه أيضا ديلبيرت مانن، وقام ببطولته ريتشارد توماس، وايرنيست بورجين، ودونالد بليسينس.

لا تزال الرواية هى الأكثر قدرة على الإدهاش لصدق ما جاء فيها من تفاصيل، وترجمتها للغات منها العربية أكثر من مرة، حتى إن ألمانيا شهدت ضجيجا بسببها فحظرتها، وأعقب نجاح الفيلم سحب الجنسية من كاتبها. وبرغم ذلك بيع منها آنذاك مليون ونصف المليون نسخة بخمس وعشرين لغة. وعندما قدمت السينما النسخة الأحدث ما زال صداها قائما، حتى إعلان جوائز الأوسكار النهائية فى مارس المقبل، لأن مخرجها تعامل بذكاء شديد مع فكرة الصدمة، تلك التى تحمَّل عبئها جيل كامل، راح مع من راحوا ضحية حرب قاسية، كانت ذريعة لكل ما حدث فى العالم من انقسامات ما زالت موجودة، بل حتى ما يحدث حاليا من انقسامات فى دول الغرب وأوروبا وحتى فى الشرق الأوسط هو نابع من تلك التقسيمات التى صنعتها تلك الحر وب وما أتبعها من حرب عالمية ثانية.

والأمر هكذا، يحاول الفيلم أن يمنحنا إشعارا بأن كل شىء مرعب، وأن ليس هادئا، كما جاء فى عنوان الرواية أو الفيلم، قصة الفيلم ببساطة تتناول الشاب (بول بومر وصديقيه ألبرت ومولر)، الذين تطوعوا للانضمام إلى الجيش الألماني، مدفوعين بما يقرأونه، ويتم تدريسه لهم فى المدارس والجامعات عن الوطنية، التى سرعان ما تتبدد بمواجهة الحقائق الوحشية للحياة على الجبهة.. من: الخداع، وعدم الاعتراف بالخطأ، بدعوى أنه لا يمكن الاعتراف بما يُسمى «هدنة» لأنها نوع من الضعف والاستسلام.

إذن لا بد من أن يستمر «بول» فى القتال حتى النهاية، لأن الكبار هم من يكتبون التاريخ، وهم من لديهم سلطة اتخاذ قرار الاستمرار أو وقف الحرب.

يبدأ المخرج إدوارد بيرجر فيلمه الرائع مستعرضا طقوس الحرب، وقسوتها.. حركة الكاميرا التى تجعل المرء مهيأ لمشاهدة تلك القسوة.. جثث لم ترحمها قنابل الطائرات المهاجمة من أعلى قبل أن تلقى عليها القنابل.

ثم يأخذنا إلى حيث ما قبل نهاية الحرب بعام.. «ألمانيا الشمالية عام 1917» أى السنة الثالثة منها، ثم يقدم لنا ماستر سين (المشهد الرئيس) لحكاية برلين المدينة المشمسة المغسولة شوارعها، بينما تكاد لا ترى شيئا يعبر عن أنها فى حرب، ذلك أن الطلبة يسيرون بدراجاتهم.

يسأل البرت ومولر صديقهما بول بومر: هل ستبقى فى المنزل خاضعا لسيطرة والدتك؟ هذا يعنى أن بطل حكايتنا تتحكم فيه والدته رافضة انضمامه إلى الحرب، ومع تهكمهما عليه يخرج قلم أحدهما ليوقع بديلا عنه بموافقته على الذهاب إلى الحرب.

ثم تبدأ المشاهد الخطابية من قادة الحرب لتشجيع الجنود الجدد.. خطب تشبه موضوعات الإنشاء التشجيعية: «الحرب الحديثة تشبه لعبة الشطرنج»..»لا يتعلق الأمر بالفرد بل بالمجتمع»..»ستحتلون باريس فى غضون أسابيع.. مستقبل ألمانيا بين يدى أعظم جيل على الإطلاق».. انطلقوا إلى الحرب من أجل القيصر والرب والوطن».. يصيح الجميع بصوت عال كأنهم ذاهبون إلى نزهة على شواطىء الريفيرا جنوب شرق فرنسا بعد احتلالها.. لكن يثبت أنها عبارات ليس لها علاقة بما سيحدث لاحقا على الجبهة!

براعة الفصل بين ما قبل وما بعد الصدمة تحققت فى هذا الفيلم، فمشاهد الخروج إلى الحرب ليست كتلك التى نراها فى الرجوع، إذ لا أحد يعود كما ذهب، من مات أو بقى على قيد الحياة يعود محملا بذكريات مؤلمة.

ستة أسابيع فقط حددت فيها ألمانيا المهمة.. لكن فى الطريق تتكشف الأكاذيب، كأنهم لم يعرفوا شيئا عن الحرب.. لا تهدأ كاميرا المخرج عن الدوران، ترصد انفعالات الجنود، وعبارات: «خُدعنا.. أخى قال لى ذلك، الفرنسيون قادمون»، الأصوات تتعالى.

بينما تصنع الحرب من «بول بومر» رجلا لديه حماسة البقاء حتى يؤكد للجميع أنه بطل، فيما صديقاه يؤكدان: «سنعود يوما.. سنعود ونتجول كأننا مسافرون»، فى مشهد من الماضى،لكن ما بين الجبهة والجانب الآخر ينقلنا الفيلم الى المشهد التقليدى الذى لا يخلو منه فيلم حربي: لقاءات التفاوض ومحاولات الهدنة أو وقف الحرب، ما بين الجانبين.

ترسل ألمانيا وفدا أملا فى إيجاد حل، على الأقل خلال فترة التفاوض. وفى مهلة الـ72 ساعة على كل منهما أن يحسم موقفه من الحرب.. إنها الخدعة التى يتحدثون عنها دائما فى الحروب. بينما ألمانيا تريد أن تنهى الأمر لصالحها بأى طريقة .

وكعادة بعض الأفلام التى يخشى صناعها من الانتقال من الصراع الساخن إلى الخمول أو هدوء الإيقاع، تصبح الصور فى الربع الأخير من الفيلم أقل سخونة، لكنها مليئة بالانفعالات القاسية على وجوه من بقوا، ومنهم «بومر»، أو مشاهد تنحى القيصر، ورفض الجنود إطاعة الأوامر. يبرز لنا الفيلم ــ كما فى الرواية الأصلية ــ آثار الحرب من المجاعة التى يعانيها الشعب بالداخل، وبالتالى لا بد من هدنة نهائية.. هدنة تبدأ بعد ست ساعات فقط من التوقيع.. وفيها يُقنع المقاتلون الألمان بأن الشعب يرفض الهدنة، لتشتعل الحرب من جديد، وتنتهى كما بدأت، ويروح ضحيتها ثلاثة ملايين جندى.

«كل شىء هادىء على الجبهة».. فيلم يختصر المسافة بين ما يُقال وما يحدث فى الواقع.. فيلم سيكون الأبرز هذا العام، إن حصد كل ما رُشح له من جوائز الأوسكار.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق