من يعرفونها عن قرب يدركون أنها ليست مصممة ديكور مبتكرة فقط أو سيدة أعمال ناجحة تقوم بتصميم وانتاج المفروشات والستائر وقطع الديكور وأدوات المائدة والملابس التى تحمل مفردات تراث مصر، «ماهيناز المسيرى»أقرب ماتكون لرائدة حركة لإحياءالتراث. فى معارضها ومحاضراتها خارج مصر تبهر جمهورها وتعرفهم بملامح الفنون المصرية عبر حقب تاريخية مختلفة، وفى داخل مصر تبحث وتستوحى من التراث، وتنشر الوعى بأهمية تعلم وتذوق وإدراك قيمة هذه الكنوز الثمينة.
خلال الأسابيع الماضية، جرت أول جولة للفنانة «ماهيناز» على الأرض الأمريكية برعاية «ورلد آرتز إيكبيرينس»، وهى مؤسسة تستهدف تعريف الأمريكيين بفنون الشعوب الأخرى. تضمنت الجولة إقامة أربعة معارض وإلقاء أربع محاضرات فى مدن فروستبيرج بولاية ميريلاند، وسان هوسية بكاليفورنيا، وواشنطن العاصمة، حيث أقامت لها السفارة المصرية أمسية ثقافية متميزة. شملت الجولة كذلك لقاءات مع اثنى عشر فنانا أمريكا فى مجالات مختلفة من الفن التشكيلى والتصوير إلى تصميم الأثاث والمجوهرات، فضلا عن زيارة أحد عشر متحفا.
تقول الفنانة «ماهيناز» إنها اعتادت أن تلقى معارضها إعجابا جماهيريا حارا فى العواصم الأوروبية نظرا لولع الأوروبيين التقليدى بالتاريخ والثرات المصرى. كانت تعتقد أن الأمريكيين بعيدون عن الحضارة المصرية لذا أدهشها وأسعدها كثيرا رد فعل الأمريكيين وشغفهم بمعرفة المزيد عن مصر وتراثها، فكثير من زوار معارضها من الأمريكيين قرروا بعد مشاهدة أعمالها أن يقوموا بزيارة مصر لرؤية الأماكن التى كانت مصدر إلهام لها على الطبيعة.

تم التركيز فى هذه الجولة على مجموعتها «نيفرتوم» المستوحاة من التاريخ المصرى القديم، وكذلك لأعمالها المستلهمة من الفنون التراثية المنتشرة فى الوجه البحرى وفى النوبة وسيوة. فى مجموعتها المستوحاة من فنون سيوة نلاحظ تراوح الألوان بين الأخضر والبرتقالى والبنى والأسود، وهى الدرجات التى تمر بها مراحل نضج ثمار البلح على النخيل. وفى مجموعة الفن النوبى تسيطر الألوان المحايدة المستمدة من البيئة الصحراوية. أما فى مجموعتها المستلهمة من ملابس فلاحات الوجه االبحرى، تستخدم «ماهيناز» الألوان الزاهية المزركشة التى كانت تميز جلباب الفلاحة قديما. تقول، «تعكس هذه الألوان نزعة حنين للماضى لأنها اختفت اليوم تقريبا من الثوب الفلاحى وأصبح اللون الأسود هو الأكثر شيوعا. وأحاول من خلال هذه المجموعة أن أستحث الفلاحة المصرية كى تعود لهذه الألوان الزاهية الجميلة». أما أعمالها المستوحاة من مصر القديمة فيغلب عليها عادة درجات اللونين الأزرق والأخضر.
استلهام التراث ليس مجرد نقل لـ»موتيفات» أو مفردات وزخارف محلية، بل هى عملية إبداعية تبدأ بدراسة متعمقة تستغرق ماقد يصل إلى ستة أشهر تقوم خلالها «ماهيناز» بقراءة مراجع عن تاريخ وفنون وطبيعة سكان وعادات كل منطقة. وكثيرا ماتسافر للإقامة فى المكان والتفاعل مع سكانه قبل أن تبدأ فى وضع تصميماتها. وكما هو الحال مثلا مع مجموعة سيوة، فإنها بمجرد أن وضعت التصميمات أرسلتها للسيدات فى هذه المنطقة كى يقمن بتطريزها يدويا.
وتترك كل رحلة انطباعات مؤثرة تجعل «ماهيناز» أكثر إعجابا بالشخصية المصرية العاشقة للجمال وكأن المصريين فنانون بالفطرة. تقول، «فى النوبة مثلا، يرسم المصريون على جدران بيوتهم تصميمات جميلة حاولت أن أطورها فى أشكال بسيطة وأطبعها على منتجات مختلفة من الملابس وأغطية الوسائد وغيرها».
تؤمن الفنانة «ماهيناز» أن تراثنا ليس مجرد شيء من الماضى يعود بين موسم وآخر كموضة أو صيحة عابرة، وتضيف، «تراثنا كنز يمكن أن يصير مصدرا مهما للدخل القومى إذا استطعنا استلهامه فى انتاج وتصدير منتجات مختلفة تُستخدم فى الحياة اليومية من ملابس وأدوات منزلية وقطع ديكور. وهو مانجحت فيه دول أخرى مثل دول جنوب شرق أسيا لاسيما الهند التى تحقق منتجاتها المستلهمة من التراث انتشارا واسعا فى الأسواق العالمية».
لكن الوصول لهذه الغاية يتطلب الارتقاء بمستوى منتجاتنا من حيث الاتقان لأن للأسواق العالمية معاييرها التنافسية التى لاتقبل بما هو أقل من الجودة الفائقة. وتقول: التعليم والتدريب أمران فى غاية الأهمية، لابد من إنشاء مدارس فنية ومعاهد لتخريج حرفيين على مستوى متميز. ولأن صناعة التراث تقوم على الفنان الذى يبتكر التصميم والحرفى الذى يحول التصميم إلى منتج فلابد من ربط الطرفين معا فى نظام متكامل.
درست «ماهيناز» الأدب الفرنسى فى مصر قبل أن تدرس التصميم والديكور وتاريخ الفن فى باريس بفرنسا، لكن عشق التراث كان دائما كامنا فى وجدانها لأنها نشأت فى أسرة تعتز بتاريخ مصر وباللغة العربية. لذا فهى تتطوع لتقديم دورات فنية للأطفال، وكل ما تتمناه هو أن تكون جزءا من حركة إحياء للتراث فى الثقافة والفنون وفى الحياة اليومية.
وتقول: يسعدنى جدا أن أجد شعوب العالم شرقا وغربا مبهورين بتاريخنا وتراثنا. قد أزور بيتا امريكيا فأجد لوحة ورق بردى أو قطعة ديكور تحمل نقوشات مصرية قديمة، وقد ألتقى بطفل فرنسى فيحدثنى بشغف عن التاريخ والفنون المصرية القديمة. لكنى أحزن كثيرا عندما لا أجد الشغف ذاته لدى أبناء هذه الحضارة العريقة. والتساؤل الذى يحيرنى دائما هو لماذا تخلو معظم بيوتنا من قطع أثاث أو لمسات ديكور مستوحاة من تراثنا، بينما تصير الأعمال الفنية الغربية وقطع الأثاث الإيطالية والفرنسية الطراز سمة الذوق الراقى؟» سؤال يحير الفنانة «ماهيناز المسيرى» لكنه لايثبط همتها بل يحفزها لتظل تحلم وتعمل كى يصير التراث جزءا من هويتنا، ينعكس على ما نرتديه من ملابس ومانستعمله من منتجات فى حياتنا اليومية.
رابط دائم: