رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خالد قنديل يعيد قراءته واكتشاف أسراره
«الحقيقة الغائبة» فى حادث 4 فبراير

د. مصطفى عبدالوارث
د. خالد قنديل

القراءة المنصفة للتاريخ، ربما تكون الحقيقة الغائبة عن كثير من الكتب التى تعاملت مع أحداث التاريخ رواية ونقلا ومعالجة وتحليلا وتحقيقا وتوثيقا، وهذه القراءة المنصفة هى ما اكتمل بها كتاب «حادث 4 فبراير.. قراءة جديدة للتاريخ» للدكتور خالد قنديل نائب رئيس حزب الوفد، الذى تمكن من الغوص فى تفاصيل وأسرار ذلك الحدث ليخلص إلى أنه واحد من الأحداث الكبرى، التى شكلت وجدان العديد من الأجيال عبر التاريخ والتى شكلت أيضا خارطة التجربة الحزبية فى مصر، إذ أنه من الحوادث التى لا تزال آثارها حاضرة حتى اليوم، رغم مرور أكثر من ثمانية عقود.

رصد الدكتور خالد قنديل فى كتابه بالوثائق والمعلومات والتحليل الدقيق، حقيقة ما جرى خلال تلك الفترة الزمنية المهمة من تاريخ مصر، وقد تمكن من تقديم قراءة جديدة للتاريخ، يذهب فيها إلى أن حادث محاصرة قصر عابدين بالدبابات ومطالبة الملك فاروق بتكليف مصطفى النحاس باشا وحده بتشكيل الوزارة أو التنازل عن العرش، من الوقائع التى غاب عنها وضوح الرؤية وهو الأمر الذى أدى إلى عجز كثير من المؤرخين عن التفسير، واختلافهم فيه.

وبرر بأنه من الطبيعى أن يهتم المؤرخون والباحثون بالأحداث التاريخية الكبرى، وأن تدور حولها كتابات ودراسات كثيرة محملة بالآراء والاجتهادات المختلفة المتباينة، بحسب الانتماءات والتوجهات. وهو ما ينطبق على حادث 4 فبراير1942.

يُحمل قنديل الاستعمار الإنجليزى بمؤامراته ودسائسه المسئولية عن وقوع حادث 4 فبراير وأمثاله كمذبحة الاسكندرية 1882، وموقعة التل الكبير، ويوم دنشواى، ومقتل لى استاك 1924، وحريق القاهرة يناير 52. كما لا يعفى وزارة حسين سرى من تحمل نصيبها من المسئولية عن الحادث. مستندا ـ ولا شك ـ إلى البرقية التى أرسلها السفير البريطانى إلى الخارجية بلندن، والتى كشف فيها أن سرى هو الذى أوعز إليه باختيار النحاس لتشكيل الحكومة، بعدما عجز عن إثنائه عن الاستقالة، وهو ما يستثير فى الذهن أسئلة كثيرة. يجيب عنها قنديل فى الفصل الرابع: «براءة النحاس» الذى يكتسب أهمية خاصة بين فصول الكتاب.


ويشير إلى أن حرص بريطانيا على وجود حكومة غير موالية للمحور دفعها إلى طلب معرفة اسم رئيس الحكومة قبل إعلانه - مع الاحتراز بأن ذلك لا يعنى التدخل فى الشئون الداخلية لمصر- بل وأعلنت صراحة رغبتها فى تشكيل وزارة وفدية ترضى عنها غالبية الشعب. هنا يقفز التساؤل الى بؤرة الشعور: هل يعنى إعلان بريطانيا رغبتها فى تشكيل حكومة وفدية، موالاة الوفد للانجليز أو حتى الرضا عنهم؟.

ويجيب أن الوفد لم يكن كذلك قط، ويبرر بأن مصطفى النحاس حين عرض عليه الملك تشكيل حكومة قومية رفض؛ لأنه يرفض مشاركة خصومه السياسيين الذين انقلبوا على الوفد من قبل فى وزارة يشكلها هو، وكان هذا موقفه نفسه قبل عامين (يونيو 1940) بل ومنذ 1930 كما يقرر قنديل، ولأسباب سياسية وجيهة، منها حرصه على أن تكون ناصية الحكم بيد الوفد لتتحقق له حرية إنفاذ سياساته، دون أن يعرقله خصوم يشاركونه الوزارة، لكنهم ليسوا معه على قلب رجل.

ويقطع قنديل بأنه لا شك أنه لا صلة لهذا الفكر السياسى بالولاء للإنجليز من قريب أو بعيد. وأكثر من ذلك أن النحاس باشا بعد أن قبل تشكيل الوزارة بشروطه طلب من الملك لقاء السفير البريطانى، وفى اللقاء دار بينهما حوار عنيف انتهى إلى فرض النحاس شروطه على السفير لمحو الإهانة التى حدثت بمحاصرة القصر وتهديد الملك وفرض اسم رئيس الحكومة. والحصول من السفير فى اللقاء نفسه على تعهد بريطانى بتمثيل مصر فى مؤتمر الصلح لتحقيق أمانيها الوطنية.

ولا يفوت قنديل أن يدافع عن النحاس إزاء من «لمزوه « لرفضه تشكيل حكومة قومية بأن رفضه كان خضوعا لإرادة الحزب بحجة أن يكون أكبر عدد من أعضائه حاملى حقائب وزارية، بأن هذا لو كان دافعه فلا مشاحة، لأن هذه الرغبة «حق مشروع» لأى حزب فى أى بلد وفى كل وقت.

ويلفت قنديل إلى أن السنوات الأربع من 38 إلى 1942، شهدت أربع حكومات لم تكن خالصة للشعب، ولم يقم نظام الحكم فيها على أساس سليم، وأن حزب الوفد كان مستبعدا من الحكم، وكان استبعاد حزب يحوز محبة أغلبية الشعب وضعا غير طبيعى، ولذلك كان من البديهى أن يقبل الوفد بالعودة إلى الحكم بعد استبعاده سنوات؛ ليصلح أخطاء الحكومات السابقة ويعالج فسادها، وأن الإنجليز كانوا يميلون إلى وجود الوفد فى الحكم لأنه لم يكن يتبنى ميل الملك تجاه المحور، بسبب ما بينهما من عداء، بل كان أقرب إلى التعاون مع الحلفاء (رغم عدم إعلانه الوقوف إلى جانبهم فى الحرب رسميا) وبدهى أن بريطانيا كانت تدرك ذلك، وتدرك أيضا مدى شعبية وجماهيرية الوفد، وتدرك تبعا لذلك قدرة الوفد - وهو فى الحكم - على معالجة (امتصاص) السخط الشعبى على بريطانيا الذى بدا أوضح ما يكون فى الأسبوع الأخير من يناير 42، عندما اشتدت أزمة الخبز.

ويبرهن قنديل: «رأت بريطانيا أن الارتباط بالوفد يعنى الارتباط بالشعب المصرى ككل» وأن قدرة الوفد على أن يلعب دورا حاسما فى تحقيق التوازن بين القوى السياسية (المتصارعة آنذاك) كانت حقيقة لا تستطيع بريطانيا أن تتجاهلها.

والخلاصة كما يؤكد الكتاب، أن وطنية الوفد لم تكن محل شك بسبب مطالبة بريطانيا الملك بأن يشكل النحاس الحكومة. بل إن القراءة الصحيحة تشير إلى أنه جاء تحت وطأة ظروف الحرب، إذ كانت قوات إرفين روميل فى العلمين والتى أصبحت على مشارف الإسكندرية تمثل خطرا داهما على قوات الحلفاء وكانت بريطانيا فى حاجة ماسة إلى وجود حزب الأغلبية (الوفد) فى الحكم، وأن الوفد فى ذلك الظرف الدقيق يوازن بين الطرفين الحلفاء والمحور، ولم يعلن عداء صريحا للمحور؛ خصوصا وأن معظم الشعب كان يميل إلى المحور، وكان الحزب يمثل الغالبية ويحوز ثقتها.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق