جدل كبير وانقسام خطير، يعيشه المجتمع الإسرائيلى هذه الأيام، على خلفية خطة حكومة رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو، والتى يسعى من خلالها لتكريس سيطرة الحكومة على السلطة القضائية، وهو ما قد يساعده فى معاركه القانونية، حيث يحاكم بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، ضارباً بعرض الحائط تحذيرات الخبراء من مخاطر الخطة على الاقتصاد والديمقراطية المزعومة .
وتهدف خطة الإصلاح القضائى والتى يقوم وزير العدل ياريف ليفين ببلورتها لتقديمها خلال الشهر الحالى، إلى تحقيق فكرة السيطرة المطلقة للحكومة، مع زيادة نفوذ المشرعين والحكومة فى تعيين القضاة، على أساس حزبى أو مهنى. أيضاً، فإن الإصلاح المفترض سيحد من قدرة المحكمة العليا على إلغاء التشريعات، بل إن الكنيست الذى يسيطر عليه الائتلاف الحكومى المتطرف يمكنه إعادة العمل بتشريعات القوانين التى تم إلغاؤها من قبل المحكمة العليا. ويشار إلى أن نيتانياهو عبر عن دعمه الكامل لجميع بنود خطة إضعاف جهاز القضاء، التى يقودها وزير العدل الإسرائيلى، بدءا من قانون الالتفاف على المحكمة العليا ومنعها من إلغاء قوانين سنها الكنيست وقرارات اتخذتها الحكومة، ومرورا بتسييس لجنة تعيين القضاة، ووصولا إلى إضعاف مكانة المستشارين القانونيين فى الوزارات بشكل كبير. ويحذر معارضو الإصلاحات القضائية من أنها لا تزيل فقط الضوابط والتوازنات بين السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية، ولكنها تهدد أيضا الديمقراطية المزعومة التى طالما تغنت بها إسرائل. خاصة، فى ظل عدم وجود دستور ملزم. والاكتفاء بالاعتماد على قوانين يمكن تغييرها بين عشية وضحاها، أو حتى سن قوانين جديدة تنسجم مع أهواء واضعيها ومصالحهم الشخصية والحزبية ومعتقداتهم الأيديولوجية. ولم تقتصر المخاوف من تأثيرات هذه الإصلاحات على القضاء فقط بل إن تداعياتها امتدت لقطاع الاقتصاد، نتيجة للآثار السلبية الناتجة عن تفاقم الصراعات وزيادة حدة الاستقطاب. وهو ما دفع الخبراء لدق ناقوس الخطر محذرين من عدم وجود جهة تنظم وتراقب عمل الحكومة فيما يتعلق بالاقتصاد أو تصنيف إسرائيل الائتمانى. وهو ما أكده الرئيس التنفيذى لبنك «هبوعليم دوف كوتلر» ، مشيرا إلى أن البنوك بدأت تشهد تدفق الأموال للخارج فى الأيام الأخيرة، حيث تم نقل العديد من حسابات التوفير من إسرائيل إلى دول أخرى. ويرى هؤلاء الخبراء أن مناخ استقرار الاقتصاد الذى عاشته إسرائيل فى السابق على وشك الانتهاء. وتقود شركات التكنولوجيا الفائقة -وهى محرك النمو الاقتصادى الإسرائيلى الأساسى خلال السنوات الأخيرة، وتمثل نحو 15٪ من إجمالى الناتج الاقتصادى للبلادً- مظاهرات مزلزلة منذ عدة أسابيع شارك فى إحداها 130 ألف شخص من ضمنهم رئيس الوزراء السابق وزعيم المعارضة الحالى يائير لابيد. ومن المتوقع زيادة المشاركين فى هذه الاحتجاجات فى الأسابيع المقبلة.
تضرر النظام القضائى يلقى بظلاله أيضاً على قطاع الصادرات الأمنية وإنتاج الأسلحة. ويرى خبراء أمنيون أن إضعاف جهاز القضاء سيلحق ضرراً بالعلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة. وأن أى تراجع فى هذه العلاقات سيؤدى إلى تراجع فى مبيعات الأسلحة الإسرائيلية لدول كثيرة فى العالم. فى المقابل، يدافع نيتانياهو باستماتة على حتمية وضرورة هذه الإصلاحات. وأكد خلال اجتماع مع خبراء الاقتصاد مؤخراً أن الإفراط فى الإشراف القضائى يعيق النمو الاقتصادى.
منذ عودته الدراماتيكية إلى السلطة، يسعى نيتانياهو إلى فرض خطة تهدف إلى تكبيل القضاء فى مقابل هيمنة حكومته على السلطة القضائية. ولتحقيق هذه الغاية يتجاوز زعيم حزب الليكود -المتهم بقضايا الفساد- الخطوط الحمراء ليس من أجل تنفيذ النقاط الرئيسية لبرنامجه الإنتخابى، وإنما ليحصل هو وبعض أعضاء الكنيست المتهمين بقضايا جنائية على طوق النجاة للهروب من مواجهة حامية مع القضاء. ولكن الثابت هنا، أن القضاء كسب نقطة مهمة حين أرغمت المحكمة العليا نيتانياهو على إقالة زعيم حزب شاس آرييه درعى من منصبه كوزير للداخلية والصحة بسبب إدانته بالتهرب الضريبى.
رابط دائم: