رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الازدواجية الأمريكية.. سيدة الموقف

أحمد هوارى
الاحتلال الإسرائيلي

«‬إنه هجوم على العالم المتحضر».. كلمات امتزج فيها الغضب بالحزن والفزع والصدمة، ألقاها الرئيس الأمريكى جو بايدن على مسامع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو عبر الهاتف مواسياً، عقب هجوم مسلح أودى بحياة سبعة إسرائيليين، بالقرب من معبد يهودى على أطراف القدس، مساء الجمعة الأخيرة من يناير الماضى.

قبل ذلك الهجوم بساعات، ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة فى جنين بالضفة الغربية، سقط خلالها عشرة فلسطينيين، وتوالت ردود الفعل الدولية المنددة بالهجوم الإسرائيلى الأكثر دموية منذ عدة سنوات، غير أن الرئيس الأمريكى لم يحرك ساكنا. واكتفت إدارته بتصريح باهت يعرب عن «القلق من الأحداث المؤسفة»، وكأن من سقطوا ضحايا تلك الأحداث ليسوا بشرا فى عالم العم سام المتحضر.

خلال جولة وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن بين إسرائيل والضفة الغربية، الأسبوع الماضى، ظل التصريح المعتاد يتردد على لسانه فى كل مؤتمر صحفى، وعقب كل لقاء، حول ضرورة الالتزام بالتهدئة والتخفيف من حدة الصراع، والالتزام الأمريكى العتيد بحل الدولتين. فيما لم يشر، صراحةً أو ضمناً، لإجراءات أمريكية ملموسة على هذا الصعيد، أو قرارات معلنة على طريق التسوية الشاملة. وإذا كانت الازدواجية فى عالم السياسة يتم التبرير لها بمنطق براجماتى يتيح لكل دولة أن تتخذ مواقفها بما يحقق مصالحها فى المقام الأول، فإن هذه الازداوجية تصبح كارثية إذا ما مارسها القطب الأمريكى الأوحد القادر على ممارسة الضغط على الطرفين، والمنتظر منه قدرٌ من الحياد لإحلال سلام عادل. ذلك القطب الذى طالما روج لنفسه كقوة عظمى تهيمن على العالم بمفاهيم الحرية والديمقراطية، بينما الحرية تنتهك يوميا بأشكالها كافة فى الأراضى الفلسطينية، والديمقراطية يتم التنكيل بها على يد الحكومة الإسرائيلية اليمينية الأكثر تطرفاً.

بعيدا عن البيانات والدعوات وخطابات القمم والمؤتمرات، غابت الولايات المتحدة، فعلياً، عن عملية السلام منذ نحو عقد من الزمان، بعد أن توقفت آخر جولة من المحادثات كانت ترعاها بشأن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل عام ٢٠١٤. بل، وتخلت صراحةً عن دورها كراعٍ للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين فى ظل إدارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، الذى ضرب عرض الحائط بكل ما ترسخ عبر عقود من المفاوضات الصعبة والمساعى المضنية، وانحاز قلباً وقالباً وقولاً وفعلاً وسفارةً لحكومة نيتانياهو. وليس أدل على الازدواجية الأمريكية الراهنة من ردود فعل واشنطن على العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا، أو الموقف الصينى من تايوان. وها هو العالم يموج بمتغيرات عاصفة تقلب حاله بين يوم وآخر، فما بالك بقضية شعب فى القرن الـ21 لم يزل يرزح تحت طغيان احتلال دولة، يصفها الرئيس الأمريكى بـ «العالم المتحضر». واليوم، وبينما واشنطن تواصل ترديد دعوتها لحل الدولتين، فها هى تولى ظهرها لجهود التسوية الفعلية، حتى بات هذا الحل نفسه فى مهب الريح، يعصف به إعصار عنف تلوح نذره بين الحين والآخر. وتقوم أمامه رؤى جديدة مغايرة، آخرها ما طرحه نيتانياهو بنفسه، حول مساعيه لتوسيع دائرة تطبيع العلاقات مع الدول العربية لآخر مدى، لإحلال واقع جديد، بحسب قوله، يقود لمفاوضات «أكثر عملية وواقعية» مع الفلسطينيين. ويكفى القول إن تأييد «حل الدولتين» وصل لأدنى مستوى له بين الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء، وفقا لأحدث مسح أجراه المركز الفلسطينى للبحوث السياسية، إذ أنه مع ارتفاع وتيرة العنف والعنف المضاد لمستويات غير مسبوقة منذ سنوات، وازدواجية المعايير المهيمنة على راعى عملية السلام الأبرز، وفى ظل حكومة احتلال متشددة تفاخر بانتهاك المقدسات، تتضاءل فرص التسوية السلمية، وتغيب دعوات الحل بين جثامين الشهداء وتحت ركام المنازل المهدمة والأراضى المصادرة، وتبقى قضيتنا الأولى مفتوحة على كافة الاحتمالات.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق