رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

د.محمد المهدى الأستاذ بجامعة الأزهر لـ « الأهرام »: الاكتئاب مرض ولاعلاقة له بقوة الإيمان

حوار - عصام هاشم [إشراف : خالد المطعنى]
د. محمد المهدى تصوير ــ محمد حسنين

«الإيمان الصحيح يمنح الفرد القدرة على الصمود فى مواجهة المصاعب».. بهذه العبارة يتوجه الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، إلى كل شخص فى تعامله مع الأزمات التى تقابله، موضحا فى حواره لـ«الأهرام»، أن الإصابة بالاكتئاب ليست دليلا على ضعف الإيمان، وأن الاعتلالات النفسية تصيب المؤمن وغير المؤمن، إذا توافرت أسبابها، وأن الطلاق العاطفي، وضغوط الحياة، من أسباب العنف الأسرى، وأن المرض النفسى شأنه شأن العضوى له أسبابه وأعراضه وطرق علاجه، وأن ربط الاضطراب النفسى بالمس والسحر..أكبر عائق أمام العلاج السليم.

وإلى نص الحوار.

 

فى البداية.. هل تُوجد علاقة بين الاكتئاب والتدين؟ وهل ضِعاف الإيمان فقط هم المعرضون للإصابة بالمرض النفسي؟ 

الاكتئاب يحدث نتيجة خلل كيميائى فى المخ، واضطراب فى توازن الهرمونات المختلفة، ووظائف بعض مراكز المخ، أى أنه - فى الأساس - اضطراب عضوى فى المخ، وقد يحدث دون أسباب مباشرة، كأن يكون مرتبطا ببعض العوامل الوراثية، وقد يحدث بسبب فقد عزيز أو مال أو مكانة أو وجود ضغوط حياتية شديدة.

وبما أنه مرض تنطبق عليه خصائص الأمراض فهو يصيب أى شخص بصرف النظر عن قوة إيمانه أو ضعفه أو حتى عدم إيمانه، وهو يشبه فى ذلك مرض السكري، ففى الاكتئاب يكون هناك نقص فى السيروتونين أو الأدرينالين أو الدوبامين أو الثلاثة معا، وفى مرض السكرى يكون هناك نقص فى الأنسولين، وفى كلا المرضين، يكون العلاج بإعطاء المواد الناقصة أو تحفيز إفرازها أو محاولة الإبقاء عليها فى المشتبكات العصبية، ولم يقل أحد إن المؤمن لا يُصاب بالسكري، وإلا كان كل المصابين به متهمين بضعف الإيمان.   

 فالاكتئاب وبقية الإضطرابات النفسية مثلها مثل الأمراض الجسمانية، تصيب المؤمن وغير المؤمن، إذ يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «ما أصاب المؤمن من هم ولا غم ولا حزن، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله من خطاياه» (رواه مسلم).  فالهم والحزن وغيرهما من أعراض الاكتئاب قد يُصاب بها المؤمن أيضا.

وهل لقوة الإيمان دور فى مواجهة ذلك؟

لا ينكر أحد أن الإيمان والتدين الصحيح والأصيل، كلها يعطى قدرة على الصمود فى وجه مصاعب الحياة والأزمات، ويكون عاملا مهما فى سرعة التعافى من هذه الأمراض، بما يمنحه للإنسان من معانى الصبر والرضا والتسليم بأقدار الله، وتقبل الابتلاءات، لكنه لا يمنع حدوث الأمراض بشكل مطلق، وإنما يعطى «مناعة نسبية»، ويسرع عملية التعافي.  

خيار «القتل»!

لماذا أصبح «القتل» خيارا قريبا فى محيط بعض الأسر، وما أسباب ذلك؟  

 من التبسيط المخل، تفسير كل الحالات بناء على عامل واحد مهما تكن قوته، ومن أسباب ذلك على سبيل المثال: اضطراب العلاقات داخل الأسرة الواحدة، وغياب السكن والمودة والرحمة، التى أرادها الله من الزواج.

يأتى هذا مع عدم الامتثال لمنهج الإسلام فى حل الخلافات الأسرية، فالزوجان ـ فى كثير من الأحيان ـ يدخلان فى خلافات وصراعات دائمة، وهو ما يمكن تسميته بـ (الطلاق العاطفي)، إذ يكملان حياتهما الزوجية فقط بسبب وجود الأطفال بينهما، وهنا يصبح الأطفال سببا فى استمرار علاقة مرفوضة أو اضطرارية، فتظهر المشاعر السلبية تجاههم كسبب للمعاناة.

وكذلك هناك إزاحة العنف نحو الحلقة الأضعف، فالأب يكون - مثلا - واقعا تحت ضغط ظروفه السيئة فى العمل، أو ضغط زوجته، أو ضغط الأوضاع الاقتصادية، أو غير ذلك، ولا يجد منصرفا نحو المصدر الأصلى للضغط أو القهر، وهنا يقوم بإزاحة مشاعر الإحباط والغضب والعنف نحو الحلقة الأضعف، وهى الأبناء.

ومن الأسباب كذلك - الدافعة لقتل نفسه أو غيره - ضعف الوعى بالاضطرابات النفسية، وتجاهلها حتى تبلغ حد الاضطرابات فى الإدراك والتفكير والانفعالات مما يزين عملية القتل خاصة غير المتوقع.

وهل النسبة التى تُعالج بعيادات الطب النفسى تعبر عن العدد الحقيقى للمرضى أم ماذا؟.

تقديرى أن المرض النفسى الذى يحتاج لعلاج متخصص يصيب أكثر من 25% من المجتمع ممن لديهم اضطرابات نفسية، لكن الذين يذهبون للطبيب المختص لا يتجاوزون نسبة اثنين إلى ثلاثة بالمائة، والباقون (نحو97%) لا يطرقون أبواب المتخصصين، ويتوهون وسط خيارات أخرى غير علمية!.

معتقد خطير

 لكن لماذا لا يجدى العلاج النفسى مع المريض أحيانا؟   

 الاضطرابات النفسية مثلها مثل الاضطرابات الجسمانية، فيها الحالات البسيطة المؤقتة والشديدة والمزمنة، والمعاودة، وبعض الاضطرابات النفسية قد تعاود مهاجمة المريض حين يتوقف عن العلاج إما لجهله بطبيعة المرض، أو لعدم إدراكه لفكرة العلاج الوقائي، التى قد تمتد لسنوات فى بعض الحالات، مثل الفِصام أو الاضطراب الوجدانى ثنائى القطب، وهذا الاحتياج للعلاج المستمر فى بعض الحالات مثله مثل احتياج مريض السكر والضغط والأزمات الصدرية لعلاج وقائى دائم يمنع الأعراض والانتكاسات فى رحلة المواجهة مع المرض.  

لكن البعض ينسب الاضطراب النفسى إلى السحر.. فما تعليقكم؟

إرجاع الاعتلالات النفسية إلى المس والسحر، يروج له المناهضون للطب النفسى من المشعوذين والدجالين، وهذا يُعد أكبر عائق عن العلاج السليم، ويقع فى فخ هذا الأمر البسطاء وقليلو العلم، حينما ينسبون الكثير من الأمراض النفسية، وحتى الجسمانية، إلى تأثير السحر.

ولو انتشر هذا المعتقد سيؤدى إلى توقف الجهود الطبية لعلاج الأمراض، وستُلقى التبعة على السحر، ويتأخر العلم، وتتفاقم الأمراض، أما إذا احترمنا سنن الله فى الكون، وأخذنا بأسباب البحث العلمي، واستخدمنا وسائل العلاج القائم على الدليل، فحينئذ سنقدم الدعم العلاجى والإنسانى المطلوب للمرضى النفسيين.

أما إذا قرر الطبيب المختص خلو الشخص من أى مرض عضوى أو نفسي، وغلب على ظنه أنه أُصيب بشيء من السحر أو الحسد؛ فعلى الأخير التوجه إلى الله، تعالى، بالدعاء والذكر المشروع لاتقاء شر هذه الأمور.

أخيرا: ما واجب المحيطين بالمريض النفسى تجاهه؟  

عليهم أولا مواجهة المرض بشجاعة وشفافية، والذهاب بالمريض إلى الطبيب المتخصص، فالمرض النفسى ليس «سُبة»، ولا «عارا»، فهو مثل أى مرض يمكن أن يصيب أى شخص، والمريض النفسى يكون بحاجة للدعم والمساعدة، وليس السخرية أو التنمر، أو وصفه بالجنون، كما يفعل البعض.

وكذلك عليهم أن يكفوا عن لومه وتأنيبه واتهامه بضعف الإيمان، لأن ذلك يجعله عازفا عن الإقرار بمرضه، فيكتمه فى داخله إلى أن يستفحل، ويتحول إلى اضطرابات جسدية خطيرة، كارتفاع ضغط الدم أو الذبحات والجلطات القلبية أو الجلطات المخية أو نزيف المخ، أو أن يقوم المريض بإيذاء نفسه!

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق