رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«فجوة الثقة».. وكيفية محاربة الأوبئة فى بلد مقسم

إعداد ــ هدير الزهار
> التأهب لمواجهة ومحاربة الوباء القادم يبدأ من عمل الحكومات على الفوز بثقة مواطنيها

توماس بوليكى ومايكل بترسن ـ مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية

 

فى نهاية عام 2022، وقع الرئيس الأمريكى جو بايدن حزمة إصلاحات مشتركة بين الحزبين لتصبح قانونا لجعل الولايات المتحدة أكثر أمانا من الأوبئة المستقبلية. يشجع القانون الجديد على تطوير أسرع للقاحات واختبارات التشخيص، وتوفير مخزونات أكبر من المعدات الوقائية، ومراقبة مستمرة لاكتشاف الفيروسات القاتلة بسرعة أكبر.

هذه وغيرها من الإجراءات مطلوبة، لكنها ليست كافية، حيث يتمثل أحد الدروس الرئيسية المستفادة من وباء كوفيد19 فى أن اللقاحات والاختبارات الأفضل والأقنعة الأكثر وفرة والتحذيرات السابقة تعمل فقط إذا كان الناس على استعداد لاستخدامها، ويعتمد هذا الاستعداد على مستوى من الثقة العامة لم تعد لدى العديد من الأمريكيين.

فى الولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى، تعتمد الاستجابة الفعالة للأوبئة على إقناع الناس بحماية أنفسهم والآخرين. فالتدابير، مثل: القيود على التجمعات، والحصول على التطعيمات تتضمن سلوكيات لا تستطيع المجتمعات الحرة إجبار المواطنين عليها. لذلك، فإن الثقة أمر حيوى فى كل مرحلة من مراحل الاستجابة للوباء، وهو ما يعنى أن الحكومات فى حاجة إلى إيجاد طرق لمكافحة الأوبئة، حتى عندما تكون الثقة فى الحكومات منخفضة.

فى وقت مبكر من تفشى جائحة كوفيد، كان الأشخاص الذين أبلغوا عن مستويات أعلى من الثقة فى الآخرين وفى حكوماتهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر امتثالا لتدابير البقاء فى المنزل، كما أنه بمجرد أن أصبحت اللقاحات متاحة، كان هؤلاء الأفراد الأكثر ثقة وميلا للاستجابة لنصائح الصحة العامة حول التطعيم.. فالبلدان التى تتمتع بثقة عامة أكبر تميل إلى الحصول على معدلات تطعيم أعلى.وبعد ثلاث سنوات من كوفيد، ثبت من خلال القياسات الاستطلاعية أن مستوى الثقة فى الحكومات هو أفضل تفسير للاختلافات فى نتائجها بين البلدان. لكن قلة من الحكومات أدرجت مقترحات ملموسة حول كيفية زيادة الثقة فى استعداداتها للوباء القادم. إن دمج المخاوف بشأن ثقة الجمهور فى الاستعدادات للأوبئة قد يعنى التخطيط لتأثيرات الاستقطاب والحزبية والمعلومات المضللة. فقد بحثت دراسات قليلة فى كيفية تعزيز التعاون فى المجتمعات منخفضة الثقة، لكن الباحثين حللوا المجتمعات فى جنوب إيطاليا وأيرلندا الشمالية ورومانيا الريفية، حيث يكون للناس أسباب تاريخية لعدم الثقة فى حكوماتهم وجيرانهم ولكنهم مع ذلك يتعاونون معهم. 

تساعد الروابط الثقافية والدينية وعلاقات القرابة المجتمعات منخفضة الثقة على تنحية شكوكهم جانبا. فخلال وباء فيروس الإيبولا 2014 فى ليبيريا، على سبيل المثال، بدأت معدلات العدوى فى الانخفاض بعد أن قامت الحكومات والمنظمات غير الحكومية بالاستعانة بقادة المجتمع من الشباب والقساوسة والأئمة لفحص المنازل بحثا عن مرضى مصابين. وبالمثل، في سيراليون، زاد الاتصال المجتمعى حول المشاركة فى تجارب لقاح الإيبولا.. وهو ما يعنى أن الحكومات تحتاج إلى الاستفادة من هذه القوى للتضامن كجزء من استعدادها لمواجهة الأوبئة فى المستقبل. لم يفعل المسئولون الأمريكيون الكثير للتخفيف من المخاطر الصحية المرتبطة بانخفاض ثقة الجمهور أثناء الوباء، فقد أدرج ربع الولايات الأمريكية فقط استراتيجيات المشاركة المجتمعية لتشجيع التطعيم فى مجموعات الأقليات العرقية والإثنية كجزء من خطط إطلاق اللقاح، رغم البيانات الوفيرة التى تظهر أن هذه المجتمعات لديها سبب وجيه لعدم الثقة فى مبادرات الصحة العامة. كانت إحدى الطرق التى يمكن للمسئولين تحسين استيعاب اللقاح بين الفئات المهمشة هى الاستثمار فى المنظمات المجتمعية، مثل العيادات المحلية أو المؤسسات الدينية، كما أوصى صندوق الكومنولث. كان القيام بذلك سيسمح لحكومات الولايات بتحسين أحكام الصحة العامة وجمع البيانات لكن معظمهم لم يجر مثل هذا التواصل. ولم تقم الحكومة الفيدرالية أو الإدارة الأمريكية بإشراك العديد من الوجوه البارزة، مثل قادة الأعمال أو مضيفى البرامج الحوارية، الذين كانوا قد ناشدوا أولئك الذين يشككون فى الحكومة الحالية بشأن سلامة وفعالية اللقاحات والأقنعة وغيرها من استراتيجيات الوقاية من الأوبئة.لطالما كانت ثقة الحكومة منحازة فى الولايات المتحدة، حيث أفاد المواطنون بأن إيمانهم بالحكومة أقل عندما يأتى الرئيس من حزب مختلف عن حزبهم. 

على مدى السنوات الثلاث الماضية، تفاقمت أزمة ثقة الجمهور حيث أدى الإرهاق الوبائى إلى تآكل ثقة الناس فى الحكومة، حتى فى البلدان التى استجابت بشكل فعال نسبيا للفيروس. ففي الولايات المتحدة، أصبحت لقاحات كوفيد مسيسة إلى حد كبير، وأفاد واحد فقط من كل ثلاثة أمريكيين بأنه يثق فى نظام الصحة العامة الوطني، لكن الثقة فى الأطباء المحليين ومراكز الصحة المجتمعية والمستشفيات والممرضات لا تزال عالية وثابتة.لذا يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تبنى على هذه الشبكات المحلية، خاصة أن المعلومات المضللة والشكوك المحيطة بلقاحات كوفيد تهدد الآن بتقويض لقاحات الإنفلونزا والطفولة وغيرها من أولويات الصحة العامة الأمريكية. يمكن أن يساعد العمل الفنى مع المؤسسات الثقافية أو العرقية أو الدينية المحلية فى المجتمعات المنقسمة على تحديد الممثلين الموثوق بهم وتحسين الاستجابة لأزمة الصحة العامة التالية.

وضع كوفيد المجتمعات أمام المرآة، وكشف أن العديد من المجتمعات منقسمة بسبب عدم الثقة فى حكوماتها.. لذا بمجرد الاعتراف بهذه الحقيقة، تصبح مشكلة ثقة الجمهور أكثر وضوحا ويسهل حلها فى سياق التأهب للجائحة، ولتحقيق هذه الغاية، يجب على الحكومات التعامل مع الشك فى المؤسسات باعتباره خطرا على الصحة العامة وتهديدا لتطوير خطط الأوبئة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق