رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

هل تنجرف ألمانيا فى الحرب الروسية ــ الأوكرانية؟

رسالة برلين مها صلاح الدين
> عمال الإغاثة الأوكرانيون يتفقدون موقع سقوط صاروخ فى خاركيف

أخيرا اتخذت ألمانيا قرارها الصعب، ووافقت على إرسال دباباتها القتالية الأقوى فى العالم «ليوبارد2» إلى ساحة المعركة فى أوكرانيا. فبعد أشهر طويلة من المقاومة والمماطلة، رضخت برلين لضغوط الداخل والخارج، معلنة عزمها الإفراج عن أولى دفعات درة سلاحها العسكرى لكييف نهاية مارس المقبل. لكن لماذا كل هذا الوقت ؟ وهل تستحق «ليوبارد 2» حقا كل ما أثارته حولها من توتر وجدل؟.

 

الألمان وعلى رأسهم مستشارهم أولاف شولتس يخشون منذ اللحظة الأولى لدق طبول الحرب فى الشرق الأوروبى، من جر البلاد لصراع لا ناقة لها فيه ولا جمل، إلا أنهم، فى الوقت نفسه، لايريدون الظهور بمظهر المتخاذل أمام العالم، بينما تنتفض أوروبا للدفاع عن ابنتها الصغرى. وعلى هذا، تمهل برلين نفسها دوما الكثير من الوقت قبل اتخاذ أى قرارات متعلقة بأوكرانيا أو دعمها عسكريا، فى انتظار ما سيقدمه الآخرون أولا، حتى لا تتصدر المشهد وحدها، وتتوجه بنادق الروس ودباباتهم إليها بدلا من كييف.

 وهى المخاوف التى لا يخشى أو يتحرج شولتس من الإفصاح عنها صراحة أمام الإعلام والرأى العام،  مؤكدا أن تمهله دوما قبل اتخاذ القرارات الأوكرانية، ولاسيما قراره الأخير، يكون بهدف عدم السماح للحرب بالامتداد إلى حلف الناتو وألمانيا، وعليه « فمن الصواب ألا نقدم تلك الأسلحة وحدنا، لكن ضمن تعاون مشترك . هذه الأرضية مهمة جدا حتى لا نترك أنفسنا ننجرف للحرب».

وزير الدفاع الألمانى بوريس بيستوريوس عبر عن وجهة النظر نفسها أيضا فى حوار تليفزيونى أخير، قائلا « إرسال الدبابات يبعث برسالة قوية جدا للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، لكن فى الوقت نفسه يجب أن نكون حذرين للغاية حتى لا نكون طرفا فى الحرب» . وتابع « روسيا الآن لا يمكنها اعتبار ألمانيا خصما فى الحرب، فجميع الحلفاء باتوا فى قارب واحد. ووفقا للقانون الدولى، فإن ألمانيا فى مأمن».  

وبالفعل لم تتخذ ألمانيا قرارها الأخير إلا فى اليوم التالى لتعهد الإدارة الأمريكية بتقديم 31 دبابة من طراز « إم 1 أبرامز»، التى تضاهى فى مهاراتها القتالية الدبابة الألمانية. كما تعهدت بريطانيا  بإرسال 14 دبابة مقاتلة من طراز «تشالنجر 2»، وقررت فرنسا شحن دباباتها « لوكليرك» لساحات القتال.

هذا فضلا عن 12 دولة أخرى، داخل «الناتو» وخارجه، قررت الإفراج عن دبابات ليوبارد الموجودة داخل ترساناتهما العسكرية، لإرسالها فورا إلى الجبهة فى أوكرانيا، على رأسها هولندا وبولندا وفنلندا وإسبانيا والدنمارك وغيرها.

فوفقا لمقتضيات القرار الألمانى، فإن برلين تعتزم تشكيل كتيبتين مقاتلتين من «ليوبارد 2»، بما يعادل 90 دبابة، ترسل منها بشكل مبدئى 14 دبابة من مخازن وزارة الدفاع بنهاية مارس المقبل، مع إصدار التصاريح اللازمة للدول الأخرى الراغبة فى تقاسم الأعباء، ودعم أوكرانيا بدبابات ليوبارد من مخزوناتها الخاصة. هذا إلى جانب كل ما يتطلبه ذلك من تدريب للجنود وإمدادات الذخيرة وعمليات الصيانة.

لكن هل يعنى ذلك كله أن ألمانيا لاتزال بعيدة عن الحرب، ولم تعد طرفا بها؟ فى الحقيقة كان أول تعليق للكرملين على قرار شولتس، هو ما تجنب سماعه طوال الوقت، حيث اعتبرت موسكو قرار إرسال الدبابات بمثابة « تدخل مباشر» فى الحرب، وإن كانت هونت من قدرة ليوبارد على قلب موازين المعركة.  

فى الوقت ذاته، اتهمت السفارة الروسية فى برلين ألمانيا باتخاذ قرارات خطيرة للغاية، وإهمال مسئوليتها التاريخية تجاه روسيا الناشئة عن الجرائم النازية فى الحرب العالمية، معتبرة أن شحن الدبابات لأوكرانيا «يصعد الصراع إلى مستوى جديد، ويؤدى إلى تصعيد دائم».   

تزامن ذلك مع سلسلة من الهجمات الإلكترونية التى تبنتها مجموعة « كيل نت» المعروفة بولائها للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، شملت عددا من المؤسسات الفيدرالية الألمانية والمطارات والشركات وجهاز المخابرات. ولفتت السلطات الألمانية إلى أن القراصنة الروس تبنوا الهجوم على موقع «تليجرام» تحت « هاشتاج» : « ارقدى فى سلام يا ألمانيا».

كل هذا أدى إلى تصاعد مشاعر الخوف والقلق بين الرأى العام الألمانى وانقسامه على نفسه، رغم كلمات شولتس بالبوندستاج الألمانى يوم إعلان القرار، عندما دعا المواطنين إلى الثقة به وبحكومته، مؤكدا أنه يتفهم الموقف جيدا . فوفقا لاستطلاع رأى حديث، نشر نتائجه موقع الإذاعة الألمانية « دويتشه فيله»، أعرب 53% من الألمان عن تأييدهم قرار شولتس، بينما أكد 40% آخرون عن تخوفهم من تبعاته، معتبرين أن الخطوة تعزز من احتمالات اتخاذ موسكو رد فعل عسكريا مباشرا ضد ألمانيا.

وهنا يفرض السؤال نفسه، هل تستدعى ليوبارد كل هذا الجدل والتوتر من حولها، هل تستحق؟

بالنسبة لكييف، فإنها تحتفى بالقرار كواحد من أبرز انتصاراتها الدبلوماسية مع الغرب منذ بدء المعركة. فليوبارد تعد الخيار الأمثل لها ولقواتها المحاربة على الجبهة، على اعتبار أنها الأكثر استخداما وانتشارا فى الدول الأوروبية الأعضاء فى الناتو، مما يسهل نقلها برا وتأمين ذخائرها، مقارنة بغيرها من الدبابات التى تعد مسألة تأمين إمداداتها عبئا فى المعركة.

فأوكرانيا دخلت الحرب ب 900 دبابة فقط، ينتمى معظمها للحقبة السوفيتية، مما جعلها تعانى الكثير من الأعطال والمشاكل فى ساحات القتال بسبب قلة الصيانة والإهمال، ومن ثم خسارة الكثير منها، على اعتبار أن قطع الغيار اللازمة لا تتوافر إلا فى روسيا.

ميزة أخرى تضاف لليوبارد، هى أنها خضعت عبر تاريخها، الممتد لأربعة عقود، للعديد من عمليات التطوير والتحديث بحيث باتت واحدة من أفضل الدبابات فى العالم من ناحية دقة الإصابة والحماية وخفة الحركة وقلة الأعطال، فضلا عن تمتعها بنظام حماية متطور ضد المقذوفات والصواريخ والنيران والألغام الأرضية بفضل الصفائح الفولاذية المتعددة الطبقات، مما يجعلها واحدة من أفضل الدبابات القتالية فى العالم، ولا تنافسها فى هذا الصدد سوى أبرامز.

لكن هذا كله لا يعنى أن تستطيع كتيبتان من الدبابات الألمانية هزيمة الجيش الروسى فى المعركة، وحسم الصراع لمصلحة أوكرانيا فى النهاية. فالحديث كله سواء بين المسئولين أو الخبراء العسكريين يدورحول احتمالية أن تؤدى إمدادات الدبابات إلى إحداث بعض التقدم لمصلحة أوكرانيا فى ساحة المعركة على نحو يرغم روسيا على الدخول فى مفاوضات أكثر جدية، خاصة فى ظل التقارير التى تتحدث عن استعداد روسيا لهجوم واسع بحلول الربيع.

وهو ما أعلنه وزير الدفاع الألمانى بيستوريوس صراحة عقب إعلان حكومته القرار، مؤكدا أن ليوبارد بمثابة « تغيير لقواعد اللعبة فى تلك المرحلة من الحرب داخل أوكرانيا».

الرأى ذاته عبر عنه خبير الدفاع الألمانى روديريش كيزافيتر، قائلا إن «ليوبارد من شأنها توفير حماية أفضل للجنود، ودعم روح القتال، مما يعنى أن العمليات العسكرية الواسعة قد تكون حقيقة واقعة مرة أخرى على نحو يعيد سيطرة كييف على بعض المدن ويمنع جرائم حرب»، بينما اعتبر الخبير العسكرى جاك واتلينج من المعهد الملكى للخدمات البريطانى «أن قوات المشاة كانت بحاجة لهذه الدبابات لاختراق خطوط الدفاع الروسية المحمية جيدا بالمدفعية، وإعادة بعض التوازن للمعركة».

فهل تقود ليوبارد حقا إلى مفاوضات جادة وسلام أوروبى شامل، أم أنها ستؤسس لمرحلة جديدة من الصراع فى القارة العجوز والعالم؟.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق