اســتمرارا لمنهج قطاع الفنون الشــعبية والاســتعراضية بقيــادة د. عادل عبده فى إحياء سير الراحلين من عمالقة الموسيقى الشرقية أمثال سيد درويش وبليغ حمدى، قدم الشاعر يسرى حسان لمحات من حياة الموسيقار الشيخ سلامة حجازى أحد أهم وأعظم الأصوات الغنائية وأيضا الملحنين أصحاب البصمة الواضحة فى مجال القصائد العاطفية والإنشاد الدينى.
وقد نجح المخرج محمد الدسوقى فى اختيار فريق عمل يناسب الموضوع بداية من اختيار الفنان المبدع على الهلباوى للتلحين والغناء وهو الذى يجيد المدائح النبوية المشرفة وغناء القصائد الصعبة وصوته القوى الرخيم يتناسب مع طبيعة عصر سلامة حجازى واستعان أيضا بالمطربة نهلة خليل فى دور الباحثة الموسيقية التى تزور البيت الأثرى الذى كان يقطن فيه الشيخ سلامة قبل ما يقرب من 150عاما فى فرضية درامية وضعها يسرى حسان حتى يجمع ما بين الزمنين المعاصر والقديم.. وفى الزمن المعاصر أصبح نفس البيت يسكنه شاب جاهل يتصور نفسه مطرب مهرجانات وهو لا يعلم أى شيء عن المقامات الموسيقية ولكنه رغم سذاجته وسوقيته يحمل فى داخله قيما راقية أصيلة ورغبة فى التحقق والشهرة من أجل الزواج بحبيبته بغاشة ابنة المعلم خشبة.. وقد نجح مراد فكرى صادق فى هذا الدور بحضور وخفة ظل طبيعية ورشاقة وقدرة على محاكاة أسلوب مطربى المهرجانات وكأنه واحد منهم.. وبالطبع قدمت نهلة خليل بصوتها المميز أكثر من أغنية وإن كان دورها فى الدراما قد اقتصر على الربط بين الزمنين.. وتألق حسنى عكرى فى دور الأب خشبة الذى يعمل نجارا ومخرج كليبات مهرجانات وهى شخصية طريفة أجاد يسرى حسان رسم ملامحها النفسية وبرغم ما يسببه خشبة من إفساد للذوق العام بما ينتجه من أغان هابطة فإنه يعرف الكثير عن البيت الذى يقيم فيه ويقدر تاريخ الشيخ سلامة.. كما أثبتت الفنانة الشابة سلمى عادل حضورها ونجحت فى دور بغاشة فتاة الحارة الغجرية والتى تغار على خطيبها وتحاول إحكام سيطرتها عليه كما نجحت فى تقديم الأغانى والاستعراضات مما يشير إلى كونها نجمة واعدة فى المسرح الاستعراضى.. وقدم أحمد شومان دور فتلة مساعد خشبة وصديقه وربما يكون أكثر توفيقا إذا ما تفادى الأداء التراجيدى أحيانا خاصة أن طبيعة العرض لا تحتمل المواقف الحزينة المعقدة.. والمفترض أن خط الفنانين المعاصرين مجرد جسر ينقلنا لعالم وزمن سلامة حجازى وإنهم فى هذا الإطار أقرب للرواة.

مشهد من العرض - تصوير حسن عمار
نجح حمدى عطية فى صنع ديكور بسيط يمكن تحريكه ليتسع لمشاهد سريعة متتابعة ولكن ربما كان يحتاج البيت القديم الذى يرجع عمره إلى 150 سنة لرؤية أخرى ولو على سبيل الزخرفة لإظهار ملمح معمارى لتلك المرحلة.. وبالطبع كان تعدد الديكورات من مظاهر الإرهاق على فنان الإضاءة المبدع أبو بكر الشريف الذى يبدو أنه لم يحصل على الوقت الكافى من البروفات لتقديم لمساته الفنية.. أما الألحان التى صاغها نجم المسرحية على الهلباوى فهى من أجمل عناصر العرض وأكثرها جاذبية وتحمل روح العصر القديم مع لمسة تجديد وإضافة فنية خاصة.. والحقيقة أن استعراضات أشرف شرف الدين قد ظلمت كثيرا عندما حوصرت فى مساحة ضيقة هى المتاحة على قاعة صلاح جاهين.. وأتصور أن الرقصات مصممة أصلا لمسرح أكبر اتساعا بمراحل وهو مسرح البالون.. كما قدمت هبة محمود تصورا لملابس الشخصيات المتنوعة من زمن الأحداث ووفقت فى إقناع المشاهدين إلى حد كبير بملامح تلك المرحلة.. واستطاع المخرج محمد الدسوقى قيادة مجموعة كبيرة من الممثلين والراقصين بمهارة وإن بدت بعض المشاهد أطول مما يجب ربما تحت تأثير مراضاة كل ممثل وتقديمه فى صورة تليق مع تاريخه الفنى.. والعرض فى مجمله جيد ولكن يحتاج إلى تكثيف واختصار مع التركيز على الموضوع الأساسى وهو حياة الشيخ سلامة حجازى ذلك المبدع الراقى الذى كان يقدر الكلمة ويعطى شعراء الأغنية وكتاب القصائد والمسرحيات أضعاف أجورهم إيمانا منه بقيمة الكلمة وتأثيرها فى بناء الحضارة ونهضة الشعوب.
رابط دائم: