بعد أن احتفل بيوم ميلاده الـ 90 رمح لحفل توقيعه للطبعة الأولى لآخر كتبه «جورج بهجورى.. أيقونة اللوفر.. (قبل أن تُفقد الذاكرة، من مذكرات الفنان منذ 1969)، والذى استغرق إعداده وطباعته مايزيد عن العامين، بدعم على قاعة المشربية الجديدة القديمة، ودارها للنشر، بعد البحر، ويأتى كتابه هذا شاملا لقصص حياتية عاشها الفنان، خلال رحلته الفنية مع بلد لم تأخذه بالأحضان، كما تمنى، إنها باريس فرنسا التى جعلته يبكى ويتألم كثيرا فى صمت أو مع رسم.. لكن هذا الكتاب أشبه برواية هو بطلها، ترتكز على المهجر كأساس للسرد.
ولكنها تتحرك زمنيا من الميلاد حتى العودة للوطن، وفى شوارع باريس وضواحيها؛ فينتقل بك إلى بهجورة، ومنوف، والأقصر وشبرا، ووسط القاهرة؛ ربما خائفا بهجورى من فقد الذاكرة كما فَصل فى العنوان، فجلس يحكى ويجمع فى أوراقه ورسومه القديمة، مُسجلا رحلته مع ألم رئيس فى غربته، وفرح قليل، وضحك أغلبه يخفى حزن قلب لم يتجاوز وفاة أمه، التى تعرف عليها فيما بعد من خلال صورة قديمة.
يحمل غلاف الكتاب لوحة «الموناليزا» للفنان من مجموعة رسم على رسم1999، أيقونة اللوفر كما يراها، ولكن أيقونات بهجورى كثيرة، فقبلها كان كتابه «أيقونة فلتس»، ورواية «أيقونة جسد»، و«أيقونة شعب» رواية بدون كلمات..
يستفتح بهجورى كتابه فى صفحته رقم «4» برسم مُهدى إلى شقيقه «جميل» ومن الغلاف الخلفى للكتاب تعلم أنه بين «جميل» و» فلتس» أو بهجورى، علاقة أكثر من شقيق وشقيقه منذ طفولتهما، يتيمة الأم. وكان لـ «جميل» الفضل فى تعريفه على صديقه فى المدرسة الثانوية، والذى أصبح أستاذا لمادة الرسم بقسم الحفر فى كلية الفنون الجميلة، وحينها أدرك بهجورى لدى زيارته لبيت الفنان «كمال أمين» فى منيل الروضة، استعداده وموهبته لكى يكون فنانا فى المستقبل.
يقول بهجورى فى مقدمة الكتاب: «استهوتنى زوبعة خطوطى على أغلب صفحات الصحف.. ضحكت، وأضحكت الناس معى.. أغضبت رؤساء ووزراء وفنانين وكُتابا..» .. وكان ما جاء فى صفحات المقدمة كاشفا ومُلخصا لما بين دفتى الكتاب، وهى تسوق قدرا لا بأس به من المعلومات الهامة من سيرة بهجورى الذاتية، ولكن المُلفت أنه استخدم عبارة «ذاكرة اللون» تلك التى فقدها بعد أن تغيرت سماء مصر الزرقاء إلى الرمادى والأسود فى سماء – منفاه الاختياري- باريس، واستغرب من أن تلك العبارة أتى بها قبله الفنان «أحمد الجنايني» رئيس أتيليه القاهرة، عندما توجه إلى سيرته الذاتية أيضا؛ على أن موديليانى كان الباعث لها عند «الجنايني»، فكما لو أنهما يُقران – من دون اتفاق- على الفنان أن تكون ذاكرته وسيرته مرتبطة باللون – ليس فرضا بالطبع- ولكن الأمر يُلخص طريقة عين الفنان التى ترى لونا وتتعامل مع لونا وتسكب اللون على قماش أو ورق التصوير.
من المقدمة أيضا؛ نعلم أن أحد أساتذة البهجورى كان «الحسين فوزي» أو هو «الحسين» الأول الذى وضع لاسمه صفة «الكنسي» للتفرقة بينه وبين «الحسين فوزي» الآخر وكان يرسم أيضا، ولكن ليس بقدر قدرة «الحسين فوزى محمود الكنسي».. كما يُعلمنا بهجورى أنه فى باريس عاد إلى الدراسة كطالب فى كلية الفنون الجميلة، وزامل الفنان السورى إحسان عنتابى، وقال له أستاذه الفرنسي: «إنت جاى تعمل أيه هنا؟».. وبطريقة بهجورى – يأخذك ويعود بك، ربما دون إجابة- يخبرنا أن فقدانه لذاكرة اللون لم يكن فى مصر، وإنما عندما سافر إلى باريس فى شتاء عام 1969، وأن ما ساعده على أن يبدأ من جديد كطالب؛ احتياجه لذلك، معترفا أنه لم يكتف من أساتذته: الحسين فوزى، كمال أمين، بيكار وعزالدين حمودة، وأن ذلك كان تقصيرا منه.
وفى باريس كانت الكراس والألوان وإبرة الروترينج الألمانية السوداء ذات الأولوية على «الساندويتش» ينتقل بها من أنفاق المترو والرصيف، يرسم شباب الهيبز والمسافرين وجيرانه فى ضواحى باريس من الأفارقة..
ومن خلال حكى البهجورى فى الكتاب، طُرح موضوع أعتقد أهميته عن «مدينة الفنون» التابعة لبلدية باريس، والتى كانت تمنح إقامة للمبدعين فى كل المجالات إلا أن مديرة المدينة كادت ألا تُعطيه مرسما لولا أن لجنة الاختيار اهتمت بأعماله.. حيث قالت المديرة: «وطنك مصر لم يشترك فى أقساط البناء، وليس من حق أى فنان منها أن يحصل على مرسم..» ما ذكرنى بفكرة إنشاء أكاديمية مصرية للفنون فى روما واقتراح الفنان راغب عياد لذلك، وما كان من الحكومة المصرية بعد تخصيص أرض بالتبادل فى روما لبناء الأكاديمية، إلى أن تأخرت لسنوات عن البناء، فى حين أن الحكومة الإيطالية كانت قد انتهت من بناء معهد ليوناردو دافنشى فى القطعة التى خصصتها مصر وبدأت الدراسة فيه!.
رابط دائم: